بقلم جاي مادوك
2 ديسمبر 2020
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
المقالة رقم 04 لسنة 2021
Your brain’s built-in biases insulate your beliefs from contradictory facts
Updated December 2, 2020
في عام 2008 بدأت تنتشر شائعة بأن باراك أوباما لم يولد في الولايات المتحدة. في ذلك الوقت، كنت أعمل كرئيس لمجلس الصحة في هاواي. قام كل من مدير ونائب مدير الصحة، وكلاهما كانا معينين من قبل حاكم الولاية الجمهوري، بالتحقق من شهادة ميلاد أوباما في سجلات الولاية، وصادقا في النهاية على أنها شهادة حقيقية(1).
كنت أعتقد أن هذه القرينة ستقطع الشك باليقين، لكنها لم تكن حاسمة. اعتقد كثير من الناس أن شهادة ميلاده كانت مفبركة. حتى اليوم ، لا يزال الكثير من الناس يعتقدون أن الرئيس أوباما لم يولد في الولايات المتحدة (2).
مؤخرًا، كنت أستمع إلى بودكاست بعنوان ساينس فرايداي "Science Friday" عن الحركة المناهضة للتطعيم(3). جرى اتصال تلفوني بسيدة لم تكن تعتقد أن اللقاحات آمنة، على الرغم من البراهين العلمية القاطعة على أنها كذلك(4). سألتها مقدمة / مقدم البرنامج عن مدى قوة الإثباتات التي تحتاج إليها حتى تصدق بأن اللقاحات آمنة. كانت إجابتها: مهما بلغت البراهين العلمية من كثرة لا يمكن أن تغير رأيها.
كطبيب نفساني، أزعجتني هذه المقايضة، لكنني لم أشعر بالصدمة. هناك الكثير من الآليات المعروفة في علم النفس البشري والتي تجعل الناس يستمرون بالتمسك بقوة بمعتقداتهم حتى في وجه المعلومات المتناقضة.
الاختصارات العقلية تأتي مصحوبة بالتحيزات
افترض علم النفس في أيامه الأولى أن الناس سيتخذون قرارات عقلانية. ولكن على مدى عقود، أصبح من الواضح أن العديد من القرارات التي يتخذها الناس - بشأن خيارات تتراوح من اختيار شركاء حياة وقضايا مالية إلى سلوكيات صحية محفوفة بالمخاطر(5) كممارسة الجنس غير الآمن وسلوكيات معززة للصحة(6) - لا تُتخذ بشكل عقلاني.
ولكن لدى العقول البشرية نزعة تجاه العديد من التحيزات العقلية / المعرفية(7). هذه أخطاء منهجية في الطريقة التي تعتقدها عن الحياة / العالم. نظرًا لتعقيدات هذا العالم من حولنا، يقوم الدماغ بتدوير بعض الزوايا ليساعدنا على التعامل مع المعلومات المعقدة بسرعة.
على سبيل المثال، يشير تحيز التوافر الارشادي(8) إلى الميل لاستخدام المعلومات التي يتمكن المرء من تذكرها بسرعة. هذا التحيز مفيد حين نرغب أن نشتري آيس كريم من مكان لديه 50 نكهة مختلفة؛ لا تحتاج أن تفكر في النكهات كلها، ولكن تكفيك نكهة واحدة فقط جربتها مؤخرًا وأعجبتك. للأسف، قد تعني هذه الاختصارات العقلية أنك قد تنتهي باتخاذ قرار غير عقلاني.
أحد أشكال التحيز المعرفي يُدعى بالتنافر المعرفي(9). وهو الشعور بعدم الراحة الذي يمكن أن تشعر به عندما تتعارض معتقداتك مع أفعالك أو مع معلوماتك الجديدة. عندما يكون الناس في هذه الحالة، يمكنهم التقليل من هذا التنافر المعرفي بإحدى طريقتين: تغيير معتقداتهم لتتوافق مع المعلومات الجديدة أو تفسير المعلومات الجديدة بطريقة تبرر معتقداتهم الأصلية. في كثير من الحالات، يأخذ الناس بالخيار الأخير، سواء أكان ذلك بوعي منهم أم بغير وعي.
على سبيل المثال، ربما تعتقد عن نفسك أنك نشيط، ولست كسولًا على الإطلاق - لكنك تقضي يوم السبت كله مستلقيًا على الأريكة منغمسًا في مشاهدة تلفزيون الواقع(10). بإمكانك إما أن تبدأ بالتفكير في نفسك بطريقة جديدة أو في تبرير سلوكياتك، ربما تقول لنفسك: لقد كان أسبوعًا مزدحمًا جدًا بالنسبة لي وأحتاج إلى راحة حتى أتمكن من ممارسة التمارين الرياضية غدًا.
التحيز التأكيدي هو عملية أخرى تساعدك على تبرير معتقداتك. فهو ينطوي على تفضيل المعلومات التي تدعم معتقداتك والتقليل من أهمية المعلومات أو تجاهلها إذا كانت غير ذلك. وقد أطلق بعض الباحثين على هذا بـ "العين الغضيضة my side blindness"(11) - يرى الناس العيوب في الحجج والمزاعم التي تتعارض مع حججهم ومزاعمهم ولكنهم ليسوا قادرين على أن يروا نقاط الضعف في أنفسهم. تخيَّل مشجعي فريق كرة القدم الذي ربح الموسم الرياضي الماضي لكرة القدم الامريكية ، مححاججين أن فريقهم قوي بالفعل، مبرزين اخفاقات الفرق الأخرى ولكن ليس فريقهم.
مع تراجع دور وسائل الإعلام في العقود القليلة الماضية وزيادة وسائل الإعلام المتخصصة ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح من السهل أن تحيط نفسك برسائل تتوافق مع وجهة نظرك بالفعل والتقليل من التعرض [إما بالقراءة أو المشاهدة أو الاستماع] للرسائل التي لا ترغب فيها. فقاعات المعلومات هذه تقلل من التنافر المعرفي ولكنها أيضًا تصعّب عليك تغيير رأيك حين تكون مخطئًا.
تدعيم معتقداتك عن نفسك
قد يكون من الصعب بشكل خاص تغيير بعض معتقداتك الأساسية لمفهوم ذاتك(12)- أي ماذا تعتقده عن نفسك (من أنا؟). على سبيل المثال، إذا كنت تعتقد أنك شخص لطيف ولم تعطِ حق أولوية المرور لأحد الأشخاص، قد يكون أسهل عليك أن تعتقد أن هذا الشخص الآخر كان يقود سيارته بطيش من أن تعاقد أنك ربما لم تكن لطيفًا معه
هذه العلاقة بين المعتقدات ومفهوم الذات(13)يمكن توطيدها من خلال الانتماءات إلى مجموعات كالأحزاب السياسية أو الطوائف أو غيرهم من المفكرين ذوي التفكير المماثل. غالبًا ما تكون هذه المجموعات عبارة عن فقاعات اعتقاد [المترجم: المقصود بها هنا تجمعات المعتقدات المنغلقة على نفسها] حيث غالبية أعضاء المجموعة يعتقدون بنفس الاعتقاد ويرددون هذه المعتقدات لبعضهم البعض، مما يعزز لديهم فكرة صحة معتقداتهم.
وجد الباحثون أن الناس يعتقدون عمومًا أنهم على معرفةً بقضايا معينة أكثر مما يعرفون بالفعل(14). وهذا قد أُثبت من خلال تشكيلة متنوعة من الدراسات التي تناولت اللقاحات وغزو روسيا لأوكرانيا وحتى كيف تعمل المراحيض (انظر كتاب وهم المعرفة(15)) . ثم تنتقل هذه الأفكار من شخص إلى آخر دون أن تكون مبنية على حقائق. على سبيل المثال، يقول 70٪ من الجمهوريين إنهم لا يعتقدون أن الانتخابات الرئاسية لعام 2020 كانت حرة ونزيهة على الرغم من عدم وجود أي برهان على انتشار التزوير في هذه الانتخابات(16).
قد يكون من الصعب تفكيك فقاعات المعتقدات [المترجم: تجمعات المعتقدات المنغلقة على نفسها] والدفاع عنها مقابل التنافر المعرفي. ويمكن أن يكون لها تأثيرات بَعْدية مهمة. على سبيل المثال، تؤثر هذه الآليات النفسية في الطرق التي قد اختار الناس ما إذا عليهم الامتثال أو عدم الامتثال لإرشادات الصحة العامة بشأن التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات أثناء جائحة كوفيد-19 ، والتي قد يكون لها في بعض الأحيان تبعات مميتة.
من الصعب تغيير آراء الناس. بالنظر إلى التحيز التأكيدي، فإنه من المحتمل ألاّ تؤخذ في الاعتبار الحجج القائمة على الأدلة المتعارضة مع ما يعتقده الشخص. أفضل طريقة لتغيير رأيك هي أن تبدأ بنفسك. بعقل منفتح بقدر ما يمكنك استجماعه، فكر في لماذا تعتقد بما تفعله. هل أنت بالفعل تفهم المشكلة / القضية؟ هل يمكنك التفكير فيها بطريقة مختلفة؟
بصفتي برفسورًا، أحب أن ينخرط طلابي في مناقشة الأفكار من جوانب يختلفون معها شخصيًا، هذا التكتيك يفضي إلى فهم أعمق للقضايا ويجعلهم يتساءلون عن معتقداتهم / وجهات نظرهم. جربها بنفسك. قد تتفاجأ بما ينتهي بك الأمر.
مصادر من داخل وخارج النص
1- https://www.nbcnews.com/id/wbna42519951
2- https://www.theatlantic.com/ideas/archive/2020/05/birtherism-and-trump/610978/
3- https://www.npr.org/2011/01/07/132740175/paul-offit-on-the-anti-vaccine-movement
4- https://www.vaccines.gov/basics/safety
5- https://doi.org/10.1016/j.dr.2008.01.002
6- https://ajph.aphapublications.org/doi/10.2105/AJPH.2008.155382
7- https://www.theatlantic.com/magazine/archive/2018/09/cognitive-bias/565775/
8- "التوافر الإرشادي (availability heuristic): يُسمى أيضاً "التحيز للمتوافر" (availability bias)، وهو تحيز سلوكي يظهر عندما يميل الناس لاتخاذ قرارات أو إصدار أحكام حول موضوع ما استناداً إلى مدى سهولة المعلومة أو المثال الذي يتبادر إلى الذهن لحظة تقييم هذا الموضوع أو الخيار. على سبيل المثال، قد يحكم المستثمرون على جودة الاستثمار بناء على المعلومات التي أُذيعت مؤخراً في وسائل الإعلام، متجاهلين بذلك كل الحقائق الأخرى ذات الصلة. يمكن أن يؤدي التوافر الإرشادي دوراً في العديد من التقديرات، مثل أسعار المنتجات أو الخدمات، ونجاح أو فشل منتج ما. يُطلق على التوافر الإرشادي أيضا مصطلح "عقلية بحسب الظروف (أو بحسب مجريات الأمور)"، ذلك أنه يقوم على مبدأ نفسي فحواه أن تذكر أمر ما يعني أنه أمر مهم، أو على الأقل أكثر أهمية من الخيارات البديلة التي لا يتم تذكرها بسهولة، وبالتالي، يميل الناس الذين يتبعون هذه العقلية إلى بناء قراراتهم بشكل أساس على المعلومات الأكثر حداثة، وهذا ما يجعل للأخبار ووسائل الإعلام تأثيراً كبيراً حتى وإن كانت أخباراً مزيفة." اقتبسناه من نص ورد على هذا العنوان : https://hbrarabic.com/المفاهيم-الإدارية/التوافر-الإرشادي/
9- https://www.sup.org/books/title/?id=3850
10- https://ar.wikipedia.org/wiki/تلفزيون_الواقع
11- https://www.hup.harvard.edu/catalog.php?isbn=9780674237827
13- "مفهوم الذات (ويُعرف أيضا باسم تكوين الذات أو الهوية الذاتية أو الهيكل الذاتي) هو مجموع العقائد والأفكار بخصوص النفس بصورة عامة، يجسد مفهوم الذات الإجابة عن سؤال "من أنا؟" اقتبسناه من نص ورد على هذا العنوان : https://ar.wikipedia.org/wiki/مفهوم_الذات
14- https://www.vox.com/science-and-health/2019/1/31/18200497/dunning-kruger-effect-explained-trump
16- https://www.politico.com/news/2020/11/09/republicans-free-fair-elections-435488
المصدر الرئيس


الماهر
ردحذفشركات تنظيف المبانى فى ابوظبى
شركة تنظيف شقق فى ابوظبى
شركة تنظيف منازل فى ابوظبى