بقلم
كاثرين كاروسو
8
مارس 2022
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
المقالة رقم 90 لسنة 2022
Remembering Is Seeing
By Catherine Caruso
March 8, 2022
لا تزال ألينا غارنر Aleena Garner تتذكر اللحظة التي قررت
فيها التخصص في علم الأحياء العصبية. كانت
حينئذ في الصف الجراسي لمادة الكيمياء في مرحلة البكالريوس عندما ظهرت لها فجأة
تلك الفكرة: الدماغ البشري - ذلك العضو
الذي يزن ثلاثة أرطال [= 1.36078 كغم] قادرعلى
تنفيذ عدد لا حصر له من المهام المعقدة - يتكون من نفس العناصر الكيميائية المركبة
منها مادة الزبادي.
"على الرغم من أن للدماغ تركيبة كيميائية مشابهة لتركيبة مادة
الزبادي، فإن للدماغ قدرات لا تقارن بحال من الأحوال. كيف يمكن أن يحصل هذا؟ قالت
غارنر: هذا هو السؤال المهم الذي لا زال يدور في ذهني منذ مدة طويلة.
غارنر، التي أصبحت مؤخرًا أستاذًا مساعدًا في علم الأحياء العصبية
في معهد بلاڤاتنيك Blavatnik في كلية الطب بجامعة
هارفارد، حاولت تناول هذا السؤال بالمعالجة وذلك باستكشاف كيف يعالج الدماغ
المعلومات الحسية.
في حوار مع موقع أخبار كلية الطب في جامعة هارڤرد Harvard Medicine News (باختصار HMNews)، تعمقت غارنر في الحديث عن بحثها، الذي يركز على كيف تؤثر الذاكرة في الإدراك الحسي للمعلومات المرئية والمسموعة. وقالت إن معرفة هذه التفاعلات لن يؤدي إلى تعزيز المعرفة العامة بالدماغ فحسب، بل قد يكون مفيدًا في حالات كحالات اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، حيث يمكن أن يصاب الدماغ باضطراب.
HMNews: لماذا تدرسين الإدراك الحسي1 في سياق الذاكرة؟
غارنر: تقليديًا، نعتقد أن الذاكرة تجري في منطقة معرفية / ادراكية ذات رتبة عليا higher-order2 في الدماغ منفصلة عن المناطق الحسية التي تعالج المعلومات الأساسية من المحيط بشكل أكثر. وبالتالي، من المنطقي أن نفكر في المناطق الحسية بلحاظ المعلومات المرئية التي تدخل العين والمعلومات السمعية التي تدخل الأذن. بيد أننا لا نفهم لماذا يبدو أن هناك تغذية ارتجاعية من المناطق المعرفية / الادراكية ذات الرتب العليا إلى المناطق الحسية بشكل أكثر من التغذية الارتجاعية من الأعضاء المستقبلة للمعلومات الحسية، كالعين والأذن. كما أننا لا نعرف لماذا تتواصل القشرة السمعية والقشرة البصرية مع بعضهما قبل إرسالهما المعلومات إلى مناطق الدماغ ذات الرتب العليا.
من الأمور المنطقية أننا نرغب في تكوين صورة صرفة لما نراه أو
نسمعه في المحيط، لكن بنية الدماغ توحي بأننا في الواقع نغير ما ندركه حسيًا في
المناطق الحسية الأولية قبل أن تصل هذه المعلومات إلى المناطق المعرفية ذات الرتب
العليا.
أحد الأهداف الكبيرة في مختبري هو دراسة التواصل بين المناطق
الحسية الأولية والمناطق المعرفية ذات الرتب العليا في الدماغ لمعرفة كيف تتفاعل
مع بعضها.
وبشكل أكثر تحديدًا، نريد أن نعرف كيف نستخدم الذاكرة. يمكن أن يكون أحد تطبيقات الذاكرة هو تكوين صورة
عن المحيط حتى نتمكن من التنبؤ بما سيحدث لاحقًا.
إذا دخلت غرفة لأول مرة ، فأنت تعرف أنه لا يمكنك أن تمشي عبر
الجدران لأن باستطاعتك أن تعمل تنبؤات في سياق جديد بناءً على ما تعرفه مسبقًا. تعرف أنه يمكنك أن تمسك بكأس ماء وتشرب منه،
لذلك لا تحتاج أن تبذل الكثير من الطاقة العصبية neural
power لمعالجة هذه المعلومات.
ولكن دماغك يبذل المزيد من الطاقة في معالجة حوار / حديث تجريه مع
شخص آخر وتفكيرك في أشياء لم تكن تتوقعها منه، كسؤال لم يسبق لك أن سمعته من قبل.
بإمكان دماغك حينئذ أن يقوم بتحديث نموذجه لإدراج هذه المعلومات الجديدة. الذكريات تجعلنا نبذل طاقة أقل في معالجة
الأشياء التي نتوقعها، مما يمكِّننا ذلك من تضخيم إشارة الأشياء التي لا نتوقعها. نحن مهتمون بكيف تجري هذه العملية.
HMNews: هل لديكِ أمثلة أخرى على كيف يمكن للذاكرة
أن تغير تفسيرنا للمعلومات الحسية؟
غارنر: لو كنت تمشي على أحد الأرصفة وسمعت فجأةً صفارة إنذار وأنت على وشك أن تعبر
الشارع على ممر المشاة، فستتوقف عن العبور لأن تجربتك السابقة أخبرتك أن سيارة
إسعاف قادمة. في تلك اللحظة، تقوم حاستك
السمعية بتكوين صورة مرئية لسيارة الإسعاف في ذهنك. ولكن، من الممكن أن تكون صفارة الإنذار تلك صادرةً من لعبة طفل لا
من سيارة إسعاف.
إذا تكرر ذلك لك كثيرًا، فسيكون الحال في نهاية المطاف بحيث لو سمعت
صفارة انذار، فستعتقد أنها مجرد لعبة لأحد الأطفال وستعبر ممر المشاة على أي حال.
هذا لأن تجربتك وذاكرتك غيّرت بالفعل صورتك الذهنية عن المحيط، وبالتالي فسرت
صفارات الإنذار بشكل مختلف.
في بعض
الأحيان، يًدمج نفس المنبه في ذاكرتين مختلفتين، واحدة إيجابية والأخرى سلبية.
وحينئذ يصبح السؤال كيف يعرف دماغك كيف يستجيب لهذا لمنبه. ذلك سيكون بحسب الإشارات / القرائن الحسية
الأخرى الحافة بالمنبه.
إذا رأيت
صورة وسمعت صوت جرس، فقد يعني ذلك أنك ستحصل على مكافأة، ولكن إذا رأيت نفس الصورة
وسمعت صوت طرق باب، فقد يعني ذلك أنك ستتلقى عقابًا. في هذا المثال، تجربتك مع المعلومات السمعية
ستغير كيف تفسر المعلومات المرئية. نريد
أن نعرف كيف يعمل الدماغ هذه التعديلات وأين تجري هذه التغييرات.
HMNews: هل هناك تطبيقات ممكنة لبحثك أثارت اهتمامك؟
غارنر: الهدف طويل الأمد للمختبر هو دراسة حالات تتعلق بالصدمات
مثل اضطراب ما بعد الصدمة PTSD. عادة، الناس يتمكنون من أن يميزوا ما إذا كان
المنبه آمنًا ومتى لا يكون كذاك. ولكن في
اضطراب ما بعد الصدمة، تتعطل هذه القدرة، ويمكن أن يكون أحد الأعراض هو تعميم
الحالة المفرط في كل شيء والخوف من كل منبه حتى حين لا يحتاج الشخص أن يكون كذلك.
الشعور بالخوف3 يمكن أن يؤدي إلى رد فعل في الجسم كالعضلات المشدودة والتجمد (عدم التحرك) في
المكان. هناك بعض الأبحاث التي تُجرى على
البشر والتي تبحث في دور جذع الدماغ في فسيولوجيا الجسم وكيف نتفاعل مع المنبهات.
أريد أن أدرس الروابط بين جذع الدماغ والمناطق القشرية من الدماغ
لأفهم كيف يجري التواصل بينها وكيف يُعطل هذا التواصل بعد الصدمة - أولاً في
الفئران، وفي نهاية المطاف في البشر.
أنا مهتمة أيضًا بوظائف الدماغ المرتبطة بالحركة. كنت أتلقى علاجًا طبيعيًا لفترة بعد حادث حصل لي
عندما كنت أتسلق الصخور، والتقيت بمرضى باركنسون كانوا يخضعون لإعادة تأهيل وعلاج
طبيعي لكي تتحسن حالاتهم.
إن هذا لأمر رائع - العلاج الطبيعي والتدريب يساعدان بالفعل في
علاج الأعراض على الرغم من أن مرض باركنسون هو مرض تنكس عصبي. لي رغبة في استكشاف التدخلات الخاصة بالأمراض
التنكسية العصبية المعتمدة على الاتصالية بين المناطق الحسية في القشرة وجذع الدماغ.
قد تكون مثل هذه التدخلات قادرة على تدريب
الدماغ على أن يكون لديه مزيد من الوظائف الحركية حتى مع تدهور بعض المناطق
الحركية الأساسية.
HMNews: لقد نشرتِ مؤخرًا ورقة بحثية في مجلة نتشر
لعلم الأعصاب Nature Neuroscience التي استكشفت الذاكرة والتنبؤات السمعية
البصرية لدى الفئران4. ماذا
وجدت؟
غارنر: كان الدافع وراء هذه الدراسة سؤال أساسي: لو دُمج المنبه البصري في الذاكرة، فهل سيُمثَل بشكل مختلف في القشرة البصرية الأولية للدماغ؟ بمعنى آخر، هل المنبه البصري الذي قُدم بطريقة محايدة نسبيًا يُعالجه الدماغ بشكل مختلف عن معالجته نفس المنبه لو قُدم أثناء استرجاع ذاكرة معينة [تذكر شيء معين]. في هذه الدراسة، استخدمنا إشارة سمعية لإثارة ذاكرة [تذكر] منبه بصري.
اتضح أن هناك اختلافًا. ثُبطت الاستجابة للمنبه البصري بعد أن تعلم
الفأر أن يقرن المنبه البصري بإشارة سمعية مثيرة للذاكرة. لكننا لم نكن نعرف سبب
هذا التثبيط.
لقد أثبت
الباحثون أن هناك بروزًا كبيرًا من القشرة السمعية في القشرة البصرية في كل من
الرئيسيات والفئران ، لكن وظيفة هذا المسار غير مفهومة ، لذلك قررنا دراستها.
وجدنا أن المحاور العصبية axons السمعية لها استجابات
سمعية وبصرية، وزاد عدد المحاور المستجيبة بصريًا بعد أن دُرب الفأر على إقران الإشارات
السمعية والبصرية معًا.
قمنا بعد ذلك بتطوير تقنية تتبع وظيفية تضمنت مدخلات سمعية مثيرة
اصطناعياً للقشرة البصرية أثناء دراستنا التأثيرات في نشاط الخلايا العصبية في
القشرة البصرية. بنحو مثير للاهتمام ، عندما قمنا بإثارة المدخلات السمعية، رأينا
تثبيطًا انتقائيًا للخلايا العصبية في القشرة البصرية التي كانت تستجيب للمنبه
البصري المقترن بالإشارة السمعية - ولكن فقط بعد أن تعلم الفأر اقران المنبه
البصري بالإشارة السمعية.
مصادر من داخل وخارج النص
1-https://ar.wikipedia.org/wiki/إدراك_حسي
2- "تفترض نظريات الوعي العليا (نظريات
الوعي ذات الرتب العليا أو نظريات الوعي ذات
الدرجات العليا higher order) أن الوعي يتكون من تصورات أو أفكار عن
الحالات العقلية من الدرجة الأولى (first order). على وجه الخصوص،
يُعتقد أن الوعي المدرك بالحواس [الوعي المدرك بالحواس Phenomenal
consciousness هوالاحساس / الشعور الذاتي أو الجانب النوعي
للحالة العقلية. (على سبيل المثال: الشعور بالصداع ، وشم رائحة
الكعكة وسماع صوت الموسيقى، وما إلى ذلك)، مثل تمثيلًا عالي المستوى المحتويات
الإدراكية أو شبه الحسية، مثل الصور المرئية." ترجمناه من نص ورد على هذا
العنوان:
https://en.wikipedia.org/wiki/Higher-order_theories_of_consciousness
3- https://ar.wikipedia.org/wiki/خوف
4- https://www.nature.com/articles/s41593-021-00974-7
المصدر الرئيس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق