الجمعة، 6 مايو 2022

الإبداع لدى المشخصين باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة


مزيد من الأفكار عن الجانب الإيجابي "لهذا الاضطراب"

 

بقلم هولي وايت، باحثة بقسم علم النفس في جامعة ميشيغان آن آربور،

 

 5 مارس 2019

 

المترجم: عدنان أحمد الحاجي


المقالة رقم 126 لسنة 2022

 

The Creativity of ADHD

More insights on a positive side of a “disorder”

Holly White

 

March 5, 2019

 


عادةً ما يُوصف اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة (ADHD) بالمشكلات الناجمة عنه.ويُعرف باسم الاضطراب العصبي الذي يتسم بمدى سهولة تشتت الانتباه1 والاندفاعية2 وفرط الحركة3، ويبدأ في الطفولة ويستمر لدى الراشدين [مرحلة الرشد تبدأ من عمر 20 سنة]. وبالفعل، قد يكون لاضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة عواقب سلبية4 على التحصيل الدراسي والأداء الوظيفي والعلاقات الاجتماعية.

لكن اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه قد يجلب معه أيضًا ميزة القدرة على التفكير بشكل إبداعي. ثلاثة عناصر للإدراك الإبداعي [المترجم: الإدراك الإبداعي هو مجموعة من العمليات العقلية / الذهنية التي تدعم توليد أفكار جديدة ومفيدة5]: وهي التفكير التباعدي6 والتوسع المفاهيمي7، 8 والتغلب على العوامل المقيِّدة للمعرفة9.  يعد التفكير التباعدي، أو القدرة على التفكير في عدة أفكار انطلاقًا من نقطة واحدة، جانبًا مهمًا من التفكير الإبداعي.  أثبتت الأبحاث السابقة10 أن المشخصين باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة بارعون بشكل استثنائي في المهام التي تنطوي على التفكير التباعدي، مثل ابتكار استخدامات إبداعية جديدة للأدوات المستخدمة يوميًا، وعصف الأفكار11 بخصوص ميزات جديدة لجهاز الهاتف الخلوي الجديد. في دراسة جديدة12، سجل طلاب الجامعات المشخصون باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة درجات أعلى من أقرانهم الخالين  من هذا الاضطراب في مهمتين صممتا لتوظيف التوسع المفاهيمي والقدرة على التغلب على العوامل المقيِّدة للمعرفة.  جنبًا إلى جنب الأبحاث السابقة، هذه النتائج الجديدة تربط اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة بجميع العناصر الثلاثة لثلاثي الإدراك الإبداعي [المترجم: ثلاثي الإدراك الإبداعي يعني: التفكير التباعدي6 والتوسع المفاهيمي7، 8 والتغلب على العوامل المقيِّدة للمعرفة9].


يمكن أن تكون المعرفة السابقة عقبة أمام الإبداع.  عندما نتطلع إلى نموذج سابق أو مثال ليكون مصدر إلهام لنا، فقد تعلق أفكارنا بالفعل: يشير المصممون إلى هذا على أنه "تثبيت التصميم"12.  في أبحاث توليد الأفكار الإبداعية، عندما يُعطى المشاركون أمثلة قبل مهمة تتطلب منهم ابتكار شيء جديد، مثلًا، لعبة أطفال / دمية جديدة، فإن اختراعاتهم تميل إلى دمج جوانب من هذه الأمثلة الموجودة بالفعل على أرض الواقع - وبالتالي تُعتبر أقل أصالةً من الناحية الابداعية.  وبالتالي، فإن القدرة على التغلب على تأثير المعلومات المقدمة / الموفرة مؤخرًا ضرورية للتفكير الإبداعي.

وبالمثل، معرفة ما يدور في المحيط (في العالم) قذ تؤدي إلى عرقلة قدرة المرء على التخيل بصورة مختلفة.  على سبيل المثال، لو طُلب منك أن تبتكر حيوانًا أو فاكهة قد تكون موجودة على كوكب آخر، فسيبدأ معظم الناس بالتفكير في حيوان أو فاكهة معروفة على الأرض ثم يقومون بإجراء تعديلات عليها لتبدو تقريبًا نسخة من تلك الموجودة على "الكوكب الآخر."

تشير الأبحاث13 إلى أنه عندما يبتكر الناس إبداعات من كواكب أخرى بناءً على أمثلة معينة موجودة على كوكب الأرض، تُصنف هذه الإبداعات على أنها أقل أصالةً من الناحية الإبداعية مقارنة بتلك التي لم تكن مستوحاة من أمثلة معينة.  جوهر الإبداع في ظل هذه الشروط هو التوسع المفاهيمي، أو القدرة على خلخلة وتخطي الحدود التي تفرضها المفاهيم.  على سبيل المثال، مشبك الورق مصمم لمسك الأوراق معًا.  بالتوسع المفاهيمي، قد يفكر المرء فيما وراء هذا التعريف ويتخيل مشبك ورق شيئًا آخر - ربما كأداة لفتح حجيرة (مكان) بطارية ساعة اليد. في ابتكار حيوان من كوكب آخر، قد يفترض المرء أن الحيوان سيحتاج إلى أن يكون جانبا جسمه متماثلين / متناظرين، [كوجه الانسان يمثل نصفين متناظرين]، كما هو معروف فإن معظم الحيوانات على الأرض تمتلك هذه السمة.  قد يسمح التوسع المفاهيمي للمرء بتخيل حيوان له جانبان غير متماثلين / متناظرين، ويختلف عن أي حيوان أرضي معروف.

تفيد الأدلة بأن اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة قد يضفي بعض الحماية من تأثيرات العوامل المقيِّدة للمعرفة.  في دراسة14 على المراهقين، حيث قورنت مجموعة مشخصة باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة بمجموعة من أقرانهم غير المشخصين باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة في مهمة تنطوي على ابتكار دمية / لعبة أطفال. عُرض على المشاركين في البداية مجموعة من أمثلة دمى لها ميزات مشتركة معينة (كاحتوائها على كرة، مثلًا)، ثم طُلب منهم ابتكار ألعاب جديدة مختلفة تمامًا عن أي من الألعاب الموجودة.  الألعاب التي ابتكرتها المجموعة المشخصة باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة ضمت عناصر أقل من أمثلة الدمى المعروضة عليهم في البداية مقارنة بالألعاب التي ابتكرتها المجموعة غير المشخصة باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة.  في نفس الدراسة، لم تكن هناك فروق بين المجموعة المشخصة باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة والمجموعة غير المشخصة بهذا الاضطراب في المهمة التي تنطوي على توظيف التوسع المفاهيمي.  ولكن وجدت دراسة أجريت على طلاب الجامعات أنه، مقارنة بأقرانهم غير المشخصين باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، أظهر الطلاب المشخصون باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة نطاقًا أوسع من التنشيط الدلالي - وهو "تنشيط وإثارة" المفاهيم والأفكار المخزنة في الذاكرة - وتلازم ايجابًا مع التوسع المفاهيمي في أبحاث أخرى. بالنظر إلى الأدلة التي ربطت اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة بمستوى تفكير تباعدي أعلى والقدرة على التغلب على تأثير العوامل المقِّيدة التي فرضته الأمثلة على المهام المقدمة في البداية، بدا الأمر بديهيًا أن ندقق أكثر في العلاقة بين اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة والعنصر الثالث من التفكير الإبداعي، وهو التوسع المفاهيمي.

قمت بمقارنة طلاب جامعات مشخصين باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة وطلاب غير مشخصين (طبيعيين) في مهمتين.  في البداية، طلبت من المشاركين أن يتخيلوا أنهم يعملون لدى وكالة إعلانية وأنه طُلب منهم ابتكار أسماء لمنتجات جديدة في ثلاث فئات (معكرونة / باستا وعناصر نووية مشعة ومسكنات ألم). لكل فئة من هذه الفئات، زُود الطلاب بستة أمثلة تشترك بنفس الحروف في نهايات اسمائها (على سبيل المثال ، مسكنات ألم تنتهي بحرفي «ول ol» مثل ميندول Midol وتايلنول Tylenol وبانادول Panadol). ثم طلبتُ من المشاركين ابتكار اسم لمنتج جديد في كل فئة دون استخدام أي من جوانب سمات الأمثلة المعطاة في البداية.  وبعد ذلك، لاستكشاف تأثير التوسع المفاهيمي، طلبت من المشاركين أن يرسموا ويصفوا فاكهة قد توجد على كوكب آخر مختلف تمامًا عن كوكب الأرض، حيث لا بد أن تكون هذه الإبتكارات إبداعية قدر الإمكان وألَّا تكون نسخة مكررة من أي فاكهة موجودة على الأرض.

وكما هو متوقع، الطلاب المشخصون باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة كانوا أقل تقيدًا بأمثلة المهمة التي عرضت عليهم في البداية في قيامهم بمهمة ابتكار اسم جديد للمنتج؛ مقارنة بأقرانهم غير المشخصين باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، الطلاب المشخصون باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة كانوا أقل احتمالًا لادراج حروف نهايات أسماء لأمثلة المنتجات التي عرضت عليهم في البداية، لكنهم ابتكروا أسماء تنطوي على وصف مماثل لفئة المنتج.


رسومات لفواكهه الرسوم على ينين الصورة رسمها مشخصون باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة
 والرسومات علي اليسار رسمها أشخاص أشخاص طبيعيون15 

في مهمة فاكهة الكوكب الآخر، ابتكر الطلاب المشخصون باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة فواكه صُنفت على أنها أكثر أصالة (من الناحية الابداعية) وأقل شبهًا بفاكهة الأرض، مقارنة بالطلاب غير المشخصين باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة. وبينما كانت المجموعتان متشابهتين في تضمينهما لخصائص فاكهة الارض المعتادة، كاحتواء كل منها على بذور وعنق، كان الطلاب المشخصون باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة أكثر نزعةً لتضمين خصائص غير نمطية مثل هوائيات / أنتنات وألسنة وأعواد قش شرب السوائل ومطارق. اظهر الطلاب المشخصون باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة أيضًا قدرًا أكبر من التوسع المفاهيمي وذلك بتجاوزهم الحدود التقليدية لفئة الفاكهة - على سبيل المثال فقد كان من ضمن تصوراتهم فاكهة سامة أو أضافوا عليها جمادات كالأدوات.  نُشرت نتائج مماثلة لأشخاص موهوبين في مجموعة غير مشخصة باضطراب نقص الانتباه فرط الحركة16.

أبرة الخياطة من عصر  الدينوسوڤاني

للوهلة الأولى، قد لا يبدو عدم المماثلة والتوسع المفاهيمي مثيرًا للإعجاب. ولكن في سياق الابتكار الإبداعي، تغيير بسيط قد يؤدي إلى اختراق علمي. خذ مثلًا على إبرة الخياطة، على سبيل المثال. التصميم الأساس (ثقب الخيط يوجد على الطرف غير المدبب منها) ترجع تاريخيًا إلى العصر الدينوسوڤاني (نسبة للكهف المكتشف)  Denosoyan17 قبل 50 ألف سنة على الأقل.  بعد ذلك، في أوائل القرن التاسع عشر، قلب المخترع بالتازار كريمس Balthasar Krems هذا التصميم رأسًا على عقب وصنع أول إبرة في العالم حيث وضع  الثقب في الطرف المدبب منها - مما مهد الطريق لصنع ماكينة خياطة.

قد يخلق اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة صعوبات لبعض الأشخاص في العديد من السياقات التي تتطلب اهتمامًا مركّزًا ومستمرًا - كما في المدرسة ، حيث يُتوقع من الطلاب الجلوس في الصف ساكنين ومنتبهين. من ناحية أخرى، يمكن أن تمنح نفس ميزة مدى سرعة تشتت الانتباه والفوضى الذهنية (الضغط النفسي) المشخصين باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة فائدةعندما يتعلق الأمر بالتفكير الإبداعي والابتكاري.

تشير هذه الدراسة الجديدة إلى أن اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة قد يكون مفيدًا بشكل خاص عندما يكون الهدف هو ابتداع أو ابتكار شيء جديد غير مقصور على نماذج أو أعراف قديمة أو متقيد بها.  قد يكون أسلوب التفكير الإبداعي من حيث الأصالة للأشخاص المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه مناسبًا تمامًا لمجالات الابتكار حيث يعد التميز والتقدم والكون في الطليعة أمورًا مهمةً.

 

مصادر من داخل وخارج النص

1-"تشتت الانتباه يعني تحويل انتباه الشخص عن مهمته الحالية، وحصول الإلهاء والانقطاعات المتكررة والتي تؤدي لإلغاء نشاطه وإيقافه مما يؤدي لخسارة الوقت، كما لو أن كل شيء حوله يستحوذ على وقته واهتمامه دون وعي منه حتى لا يحقق في النهاية أي شيء يذكر، بحيث يتطلب الرجوع إلى مساره الصحيح للتركيز على مهمته الحالية الكثير من الجهد، وقد يحتاج الكثير من الوقت لاستعادة تركيزه حيث أن العقل قد يتعب عندما يبدأ في العمل على تبديل معتقداته."  مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:

https://ar.wikipedia.org/wiki/تشتت_الانتباه

 

2- "الاندفاعية هي سلوك  يقوم به صاحبه نتيجة نزوة تنتابه بالتصرف بأفعال عفوية دون التفكير في العواقب ودون أي ضبط النفس. من الصعب عادةً فهم الأفعال الاندفاعية، وتوصف في أغلب الأحيان أنها أفعال صبيانية ومتهوّرة وغير ملائمة للوضع، وغالباً ما تنتهي بعواقب وخيمة، وقد تهدد الأهداف والاستراتيجيات طويلة الأمد بالفشل." مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:

https://ar.wikipedia.org/wiki/اندفاعية

 

3- https://adhd.org.sa/ar/اضطراب-فرط-الحركة-وتشتت-الانتباه/الأعراض/

 

4- https://www.cambridge.org/core/journals/cns-spectrums/article/abs/impairment-associated-with-adult-adhd/77FABE27007F922CDF4478CF520F609C

 

5- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4724474/

 

6- "التفكير التباعدي divergent thinking هو عملية تفكير تستخدم لتوليد الأفكار الإبداعية من خلال استكشاف العديد من الحلول الممكنة في فترة قصيرة من الزمن، عادة بطريقة عفوية عند التدفق الحر للافكار بطريقة غير منتظمة.  وبعد ذلك ترتب وتهيكل هذه الأفكار بتوظيف أساليب التفكير التقاربي، والذي يستخدم مجموعة معينة من الخطوات المنطقية للوصول إلى حل واحد وهو، في بعض الأحيان، الحل الصحيح. مقتبس بتصرف من نص ورد على هذا العنوان:

https://ar.wikipedia.org/wiki/تفكير_تبايني

 

7- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0028393212001728?via%3Dihub

 

8- "التوسع المفاهيمي Conceptual expansion يعني القدرة على توسيع هياكل المفاهيم الحالية أو تخطي حدود المفاهيم المكتسبة، وهي عملية حيوية بشكل خاص في صياغة الأفكار الجديدة والتي تعد سمة أساسية من سمات التفكير الإبداعي." ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:

https://www.bio.psy.ruhr-uni-bochum.de/papers/Anna%20Abraham%20Con%20&%20Cog%202005.pdf

 

9- "التغلب على العوامل المقيِّدة للمعرفة "يشير إلى قدرتنا على تجاوز التأثير المقيد الذي تفرضه المعرفة البارزة أو ذات الصلة عندما نحاول أن نكون مبدعين."  ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:

https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fnhum.2014.00095/full

 

10- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0191886905003764?via%3Dihub

 

11- https://www.tandfonline.com/doi/full/10.1080/10400419.2016.1195655

 

12- "تثبيت التصميم design fixation هو الالتزام الأعمى بمجموعة من الأفكار أو المفاهيم التي تحد من ناتج التصميم التصوري ، هو عائق قابل للقياس في عملية التصميم التصوري." ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان: 

https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/0142694X9190003F?via%3Dihub

13- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0010028584710103?via%3Dihub

 

14- https://www.tandfonline.com/doi/abs/10.1080/09297040500320691

 

15- https://digest.bps.org.uk/2018/10/19/new-evidence-that-the-chaotic-mind-of-adhd-brings-creative-advantages/


16- https://www.tandfonline.com/doi/abs/10.1080/02783199909553973

 

17- http://siberiantimes.com/science/casestudy/news/n0711-worlds-oldest-needle-found-in-siberian-cave-that-stitches-together-human-history/

 

المصدر الرئيس

https://www.scientificamerican.com/article/the-creativity-of-adhd/

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق