الأربعاء، 8 فبراير 2023

سيكولوجية التظاهر بالحماقة


 

2 فبراير 2023

 

المترجم: عدنان أحمد الخاجي 

 

المقالة رقم 39 لسنة 2023

 

The psychology of playing the fool

 

February 2, 2023

 

 يستكشف الكتاب الجديد لبرفسورة القانون تيس ويلكينسون - رايان Tess Wilkinson-Ryan" ضد الحمقى foolproof: كيف تؤثر الخشية من الإستففال في أنفسنا وفي المنظومة الاجتماعية ― وما يمكننا فعله حيال ذلك" سيكولوجية الحمقى والمغفلين والمحتالين ومنظومة القيم الأخلاقية.

اهتمامي البحثي الأساس منصب على سيكولوجيا قانون العقود.  هناك الكثير من المشاعر "الساذجة" عندما يبرم الناس مع بعضهم البعض عقودًا، لذلك يظهر هذا كثيرًا في حياتي البحثية والتدريسية اليومية.

لكن اهتمامي بالحمقى بدأ بالفعل عندما كنت في مرحلة الدراسات العليا. درست في كلية الحقوق في جامعة بنسلفانيا وحصلت أيضًا من هناك  على درجة الدكتوراه  في علم النفس.  عندما كنت أعمل على مشروع بحث الدكتوراه، عرفت عن كل هذه الدراسات الاقتصادية التجريبية المألوفة التي تتعقب كيف يتعامل / يتفاعل  الناس اجتماعيًا مع بعضهم البعض عندما تكون حوافزهم مختلطة (غير واضحة). كنت أفكر في كيف أقوم بالتوليف من جميع الدراسات التي أقرأها، وبدأت في تدوين ما ألاحظ أنها مجموعة من نتائج غير مفسرة في ألعاب(1) ودراسات التفاعلات الاجتماعية(2) - في بعض الأحيان كان الناس على استعداد لأن يكونوا كرماء ومتعاونين، وأحيانًا كانوا خائفين وحذرين من أنهم قد يتعرضون للخسارة في بعض المؤسسات التعاونية.  لم يبدو لي أنه يمكن تبرير القرار بالثقة أو بعدم الثقة بسهولة وذلك بقول: "حسنًا، هذا اللاعب إيثاري وذاك اللاعب أناني".

بالنسبة لي، بدا الأمر وكأن بعض المواقف جعلت الناس يعتقدون وكأنهم حمقى لو حاولوا أن يتعاونوا بينهم، مثلًا`` هل أنا أحمق بسبب رغبتي في المشاركة / بالتبرع بأموالي إذا امتنع الآخرون عن المشاركة / التبرع بأموالهم؟ '' في نفس الفترة تقريبًا، كان هناك مقال نشر حول فكرة خشية الناس من أن يُستغفلوا(3).  ظننت أنه يمكنني المزاوجة بين الفكرة والنتائج الأخرى في علم النفس والاقتصاد السلوكي التي لم تفسر بشكل كافٍ بعد.

أشرتِ في كتابكِ إلى كلمة "رهاب الاستغفال". ماذا تعنين؟

كلمة "رهاب الاستغفال sugrophobia" هي كلمة صاغها ثلاثة علماء نفس في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وأعتقد أنها عبارة ذكية جدًا.  وتعني حرفيا "الخشية من الاستغفال" ، لكن الفكرة هي أنها الخشية من أن تكون مستغفلًا.  الفكرة المحفزة هي أن الناس قلقون جدًا من أن يُنظر اليهم على أنهم مخدوعون أو أنهم يكلفون أنفسهم عناءً لتجنب الاستغفال، إلى حد الرهاب تقريبًا.

يقدم الكتاب العديد من السرديات ويسلط الضوء أيضًا على العديد من الدراسات. هل هناك واحدة منها أعجبتكِ على وجه الخصوص؟

إحدى دراساتي المفضلة التي تطرح معضلة الاستغفال بشكل دقيق هي لعبة تجريبية تسمى لعبة السلع / المنافع المشاعة(4، 5).  [المترجم: اللعبه مستخدمة في دراسات الاقتصاد السلوكي وهي قيِّمة لفهم دور الحوافز في سلوكيات الفرد ولها تطبيقات واسعة في المشكلات المجتمعية(4)]

طريقة اللعبة تتمثل في أربعة لاعبين مجهولي الهوية لبعضهم يلعبونها في غرف مجاورة.  ولا يتمكنون من التنسيق بينهم لاتخاذ القرارات.  يُمنح كل منهم 10 دولارات ويُقال لكل منهم أن هناك وعاء مشاعًا، وأي شيء تتبرع به سيتم إعادة توزيعه على كل لاعب منكم.  يقرر كل واحد منهم مقدار المبلغ الذي يرغب بالتبرع به، ثم يُضرب المبلغ المجتمع في الوعاء في 1.5 - لذلك هناك فائدة لهذا لتعاون.  إذا ساهم كل منهم ب 10 دولارات، فهذا يعني 40 دولارًا مضروبًا في 1.5 يساوي 60 دولارًا يُعاد توزيعها بالتساوي عليهم.  لو فكرت في الحوافز، فإن أفضل نتيجة للمجموعة هي أن يتبرع كل منهم بمخصصاته المالية كاملةً.  ولكن بالنسبة لأي واحد منهم، فإن أفضل نتيجة هي أن يتبرع كل واحد آخر بكل أمواله ولا يتبرع هو بأي شيء [أي يحتفظ بمخصصاته المالية غير ملموسة]. إذا لم تتبرع بشيء وكل شخص آخر يتبرع بـ 10 دولارات ، فهذا يعني 30 دولارًا مضروبًا في 1.5 يساوي 45 دولارًا - وعندما يُعاد توزيع ذلك بالتساوي على أربعة لاعبين، فإن الشخص الذي لم يتبرع بأي شيء على الإطلاق يحصل على أكبر مبلغ من المال.  عادةً عندما يلعب الأشخاص جولات متعددة من هذه اللعبة بهذه الكيفية، تنخفض التبرعات في الجولة التالية وهكذا دواليك حتى يحتفظ كل منهم بأمواله، وفي النهاية،لا يوجد شيء في الوعاء لاعادة توزيعه عبيهم - لذلك لا توجد سلعة / منفعة مشاعة.  بالنسبة لي، هذه هي لعبة الاستغفال المثالية، وتعتبر مثالًا على الذين يقفون عائقًا في طريق مصلحتهم الفضلى.  ما يريده كل واحد منهم في الواقع هو الحصول على أموال إضافية آتبة من عملية التبرع. ولكن إذا كان كل منهم يخشى من أن يُستغفل، فلن يعطي أي أحد مالًا والجميع سيخسرون.

السؤال المطروح للباحثين هو، "ماهو حافز الذين يحتفظون بأموالهم؟" إحدى الإجابات هي أنهم جشعون، بالطبع - لكن إجابة أخرى هي أنهم يخشون التعرض للخداع أو الاحتيال.  لكن هذان تفسيران مختلفان لنفس السلوك، لذلك يصعب معرفة أيهما صحيح.

ولكن هناك بعض الأدلة الجيدة على أن الخوف من أن تصبح مستغفلًا يلعب دورًا حقيقيًا.  كانت هناك دراسة رائعة قام بها باحث في علم النفس يُدعى روبين داڤس Robyn Dawes ، الذي طلب من اللاعبين في لعبة السلع / المنافع المشاعة أن يذكروا مبلغ تبرعهم الشخصي ، والأهم من ذلك، الإبلاغ أيضًا عن تخميناتهم الشخصية بتبرعات اللاعبين الآخرين، قبل أن يعرفوا عنها.  ثم نظر الباحث إلى اللاعبين الذين اعتقدوا أن اللاعبين الآخرين سيتبرعون بملغ عالٍ من المال.  في هذا الحال، لو كنت أحد اللاعبين واعتقدت أن كلًا من اللاعبين الآخرين كان سيساهم ، فهذه كانت  فرصة لك  لتكون أنانيًا ولا تدفع شيئًا؛ وعليه بإمكانك الاستفادة من كل هؤلاء المستغفلين.  لذا، إذا كان الجشع هو السبب الذي يجعل الناس يمسكون عن المساهمة / التبرع ، فعليه أن يلاحظ أن أي لاعب اعتقد أن اللاعبين الباقين سيتبرعون بمبلغ كبير سيحتفظ بأمواله الخاصة [ولا يتبرع]. لكن ما لاحظه روبين داڤس هو أن من اعتقد أن الآخرين سيتبرعون، تبرع هو أيضًا.  بدا الأمر وكأن الناس يريدون التعاون، ولكن خشيتهم من أن الآخرين لن يتعاملوا بالمثل كان العائق أمام هذاالتعاون.

ذكرتِ في كتابكِ "أنه بكون الشخص مستغفلًا سيدخل في حالتين منفرتين: الشعور بالندم والاغتراب الاجتماعي(6)." وماذا عن الشعور بالحرج(7)؟

اجل بالتأكيد.  الشعور بالإذلال ، الذي أعتقد أنه إحراج عميق، هو الرفيق العاطفي للاغتراب الاجتماعي. الاغتراب الاجتماعي هو نوع من النظير المعرفي للشعور بالإذلال.  وعمومًا ، فإن إحدى مناقشاتي حول كون المرء مستغفلًا هي ممارسة اجتماعية - أن يتظاهر شخص بالحماقة يعني أنه يتعرض للإهانة أو للإهمال أو للاستبعاد اجتماعيًا.

أحد الأشياء الذي عرفني بوجود مشاعر عميقة حقيقية حول كون المرء مستغفلًا جاء من دراستي في العقود.  عندما أجري استطلاعات بحثية حول العقود، غالبًا ما أعطي المستطلعة آراؤهم فقرة من العقد وأسألهم عن ردود أفعالهم. عندما كنت أكتب رسالة الدكتوراه، طرحت هذا السؤال عن كيف تعوض المحاكم ضحايا الاخلال بالعقود.  ردًا على ذلك السؤال، وضع الناس أرقامًا كبيرة جدًا لأشياء تافهة، مثل إصلاح الأرضيات على سبيل المثال. طالبت الردود باستمرار بتعويضات عن الأضرار أعلى بكثير مما يمكن أن يكون عليه مبلغ التعويض من الناحية القانونية على الإطلاق. أرسل بعضهم تعليقات أيضًا، مثل "هذه هي مشكلة هذا العالم" ، و"الناس ليسوا عند كلمتهم"، و"هذا نقض للعهود" - ملحوقة بعلامة التعجب [!] .  في ذهني، كانت الأمثلة التي اختلقتها معاملات بسيطة؛ ولكني فوجئت بإثارتها مثل هذه المشاعر في هذه المواضيع.

في وقت لاحق، قمت أنا وزميلي ديف هوفمان Dave Hoffman بدراسة حاولنا فيها إثبات أن القوة الدافعة وراء هذا الرد العقابي للإخلال بالعقود كانت بسبب عدم الاحترام وعدم الوفاء بالعهد - اعتقد الناس أن الاخلال بالعقد يجعل طرف العقد الآخر، غير المخل بالعقد، يشعر بالاستغفال.

بعض الفصول في كتابك تبحث في كيف تشجع الخشية من الاستغفال على العنصرية والتمييز على أساس الجنس [المترجم: هذا التمييز  في معظمه يعتبر!تحيزًا ضد المرأة أو الذكورية، كما يقولون(8)] .

السبب الذي جعلني أدرج فصلاً عن التمييز على أساس الجنس وفصلًا عن العنصرية هو أن سيكولوجية الصور النمطية (التنميط)(9) والكثير من دراسات محتوى الصور النمطية تشير إلى أن أحد المحاور التي يتم تنميط الجماعات على أساسها هو ما إذا كان من المحتمل أن يتظاهروا بالحماقة أو من المحتمل أن يكونوا محتالين أو كلاهما معًا في الواقع.  غالبًا ما يكون هناك تناقض حقيقي في محتوى الصور النمطية، والتبدُّل بين رسمين كاريكاتوريين، شخصية حمقاء من ناحية ومحتالة من ناحية أخرى.  توجد في الواقع نظرية اجتماعية نفسية عن التنميط الجندري على وجه الخصوص تسمى "التمييز الجنسي المتناقض [ضد المرأة]"(10)، وأحد الأنماط في هذه النظرية هو أن المواقف المتحيزة على أساس الجنس يبدو أنها تفترض أن المرأة إمَّا ساذجة أو مغفلة [يسهل خداعها] وأنها تتظاهر في كثير من الأحيان بأنها ترغب في المساواة في المعاملة عندما تكون في الواقع راغبةً في الحصول على "امتيازات خاصة" (ماكرة). يعتبر نمطًا من تحيز يخلق هذا النوع من السير على الحبال المشدودة [أي بمعنى الحذِر]، حيث، في هذه الحالة على سبيل المثال، لا يمكن أن يؤخذ المرء على محمل الجد إلا من خلال كونه في هامش ضيق جدًا - ذكي ولكن ليس فطنًا لدرجة أن يُنظر إليه على أنه متسامح ومتعاون وودود ولكن لا يصبر على تصرفات الحمقى ، إلخ.

 

مصادر من داخل وخارج النص

1- https://manchesterpsychotherapy.co.uk/transactional-analysis-games/

 

2- "التحليل التفاعلي (transactional analysis) يُجرى فيه تحليل التفاعلات الاجتماعية (أو "transaction") لتحديد حالة الأنا لدى الشخص كأساس لفهم سلوكه.  التحليل التفاعلي هو نظرية في علم النفس اسسها الطبيب الأمريكي إيريك بيرن (Eric Bern) وتعتبر من أحدث النظريات في علم النفس المعاصر، والتي استخدمت معطياتها استخدامًا واسع الانتشار في العلاج النفسي، وخاصة في أوروبا وأمريكا، وتعتمد هذه النظرية في منهجها على التحليل الذي لا يقيم وزنا للأحداث الماضية ولا يعتمد على ماضي أو ظروف المريض الذي مر بها الفرد وإنما تركز كل اهتمامها على تحليل ما يمكن أن يمر به مستقبلا من أحداث لتمكنه من إرادة التغيير، وتكوين نسقا متكاملا من ضبط النفس حيث يكون باستطاعة الفرد من خلال هذه الطريقة أن يقوم بحربة الاختيار"  مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:

https://ar.wikipedia.org/wiki/تحليل_تفاعلي

 

3- https://journals.sagepub.com/doi/10.1037/1089-2680.11.2.127

 

4- https://en.wikipedia.org/wiki/Public_goods_game

 

5- https://ar.wikipedia.org/wiki/سلعة_عامة

 

6- https://ar.wikipedia.org/wiki/اغتراب_اجتماعي

 

7- https://ar.wikipedia.org/wiki/حرج

 

8- https://ar.wikipedia.org/wiki/التحيز_الجنسي

 

9- https://ar.wikipedia.org/wiki/صورة_نمطية

 

10- https://ar.wikipedia.org/wiki/تحيز_جنسي_متناقض

 

 

 

المصدر الرئيس

https://penntoday.upenn.edu/news/penn-carey-law-psychology-fool-proof

 

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق