الثلاثاء، 25 يوليو 2023

أين موقع مصدر الشعور بالذات في الدماغ؟


بقلمبروس جولدمان


14 يونيو 2023


المترجم؛  عدنان احمد الحاجي



المقالة رقم 204 لسنة 2023


Where in the brain is my sense of self?

Bruce Goldman



June 14, 2023



هل تساءلت قط  من أين يصدر ما يسمى بالشعور بالذات ("أنا" ) المثيرة للاهتمام في الدماغ؟ لدى الطبيب الباحث في كلية الطب بجامعة ستانفورد جوزيف بارفيزي Josef Parvizi   أخبار يبدو أنه يعرف مكان مصدره.

لو كانت الجمجمة شفافة، فلن تستطيع رؤية الكثير مما يحدث في دماغ شخص آخر. لكن لدى بارفيزي طريقة لسبر أدمغة الناس ومعرفة ما يجري من نشاط يؤثر في الطريقة  الاي يتصرف بها المرء كما يتصرف. لقد استطاعت تجارب بازفيزري أن تحدد مناطق دماغية معينة مهمة كمصدر للقدرات التي تتراوح من التعرف على الوجوه (1) إلى التعرف على الأرقام(2).

أحدث اكتشاف لـ بارفيزي  الموصوف في ورقة نُشرت في 8 يونيو 2023 في مجلة نيرون(3) Neuron، تكشف عن الدور المدهش لبنيوية صغيرة محصورة بين نصفي الدماغ. هذه البنية الدماغية، التي تسمى الطَّلَل الأمامي [ وهو الجزء من الفُصيص الجداري العلوي الموجود على السطح الأنسي(4)] أو باختصار aPCu ، هي مركز نظام مناطق دماغية موزعة (منتشرة) في  أنحاء الدماغ تتناغم تزامنيًا مع بعضها بعض - نشاطها يزيد وينخفض بالتنسيق مع بعضها بعض ، مما يفيد بأنها  تعمل معًا كفريق متكامل. 

اكتشف بارفيزي وباحث ما بعد الدكتورا ديان لو Dian Lu وزملاؤهما أن هذا الأرخبيل المتكون من مناطق دماغية متعاونة معًا بزعامة الطلل الأمامي  aPCu أمر بالغ الأهمية لدمج المعلومات حول تموضع الشخص وحركته ومواضع عضلاته ومفاصله  مشاعره  لتشكيل خريطة ذهنية لشعوره بذاته البدنية (بذاته الجسدية).

لشرح أهمية النظام، استثار بارفيزي هذا الثنائي الغريب ، الذات "أنا I" الفاعلة والذات "أنا Me" المفعولة (المنفعلة). وقال: "مقابل كل تصرف نتصرفه، حتى أثناء الأحلام ، هناك دائمًا فاعل وراءه: نطلق على ذلك الفاعل الذات " أنا I " الفاعلة. أما الذات  "أنا Me" المنفعلة هي كل ما نحتفط به في ذاكرتنا عن الذات الفاعلة "أنا I".

ذاتان

من الناحية التشريحية العصبية، هناك أرخبيل منفصل  متكون من بنيويتين دماغيتين تتحكم كل منها في ذاتٍ واحدة. يتعاون هذان النظامان باستمرار مع بعضهما بعض.

الشعور بالذات الجسدية - "أنا I" الفاعلة،- يتناقض مع جانب سردي آخر للذات -  الذات "أنا" المنفعلة - التي تتعلق بالتفكير النشط أو السلبي في الحياة السابقة للشحص أو تخطيطه لمستقبله: أمور مثل الذاكرة والعادات والشخصية والمشاعر والشعور بالآخرين ، والأحداث المتوقعة في المستقبل ، وما إلى ذلك.

الذات السردية - الذات "أنا" المنفعلة - موجودة في شبكة خضعت لدراسات مستفيضة، وهذه الشبكة  تسمى شبكة الوضع الافتراضي(5). مصطلح الوضع الافتراضي يشير إلى شبكة دماغ دائمًا ما تكون نشطة حتي حين يكون المرء مستغرقًا في أحلام اليقظة ، يسترجع الأحداث الماضية وما إلى ذلك.)

لا يوجد اسم رسمي حتى الآن لشبكة الذات الجسدية، على الرغم من أن وجود هذه الشبكة معروف. سلطت الدراسات السابقة الضوء على مجموعة من البنيويات المكونة لهذه الشبكة ، لكن هذه الدراسات  لم تقل الكثير عن الطلل الأمامي aPCu المتزعم لهذه الشبكة.

لمزيد من تحديد شبكة الدماغ التي يتزعمها الطلل الأمامي aPCu ، حصل فريق بارڤيزي على بيانات تصوير دماغ من خمسة مرضى مشاركين في التجربة بالإضافة إلى ما يقرب من ألف مشارك في مشروع كونيكتوم البشري(6) Human Connectome، الذي أُطلق عام 2010 لرسم خرائط للروابط العصبية في الدماغ البشري.

"لقد استطعنا تحديد الموضع الدقيق للخلايا الرئييسة في الطلل الأمامي aPCu ، وخريطة الروابط العصبية التي وضعها ديان توضح بشكل جلي مدى ارتباط هذه الخلايا ببقية الدماغ" كما أخبرني بارفيزي. يتموضع الطلل الأمامي  aPCu بالقرب من بنية الدماغ التي تعتبر عقدة رئيسة في شبكة الوضع الافتراضي. لكنها ليست جزءًا من تلك الشبكة، على الرغم من أنها تتواصل معها على نطاق واسع.

"التحفيز الكهربائي لشبكة الوضع الافتراضي لا يؤثر بأي شيء على الإطلاق في شعور / إحساس المرء بذاته (احساسه بوعيه = الوعي بأبسط تعاريفه هو الشعور / الإحساس أو الدراية بوجوده الداخلي والخارجي(7)"] حسبما قال بارفيزي.

قال بارفيزي: "إن شعور المرء بالذات الجسدية يمثل كيانه الحي الحاضر [لا المستقبل]، بوجهة نظر معينة خاصة بالشخص نفسه، أى وجهة نظره  الشخصية فيما يجري حوله. لا أحد يشاركه في ذلك" ، كما قال بارفيزي. "قد لا يكون هذا الشخص مدركًا لـ (واعيًا بـ) وجهة نظره. ولكنه سيدرك ذلك لو عُطلت شبكة الوضع الافتراضي مصدر ذلك الادراك (الوعي). سيبدو مكانه بالنسبة لما حوله فجأة وكأنه مكانًا غير حقيقي (وهميًا)."

سبر الدماغ

يدلي بارفيزي بملاحظاته عن مرضاه الذين كان يجري  تقييمًا لحالتهم  لاحتمال حاجتهم إلى علاج جراحي لنوبات الصرع المتكررة المستعصية على  العلاج التي يعانون منها. تحت تأثير التخدير، يغرس جراح الأعصاب إبر دقيقة تعمل كأقطاب كهربائية في الدماغ. يبقى المرضى تحت المراقبة وذلك عبر  جهاز مراقبة لعدة أيام، بينما تلتقط الأقطاب الكهربائية النشاط الكهربائي داخل الدماغ وترسل تقريرًا إلى الكمبيوتر. في نهاية المطاف، هذه العملية تجس النوبات المتكررة للشخص التي لا يمكن  تفاديها، مما يعطي أطباء الأعصاب فرصة لتحديد الموضع الدقيق في دماغ كل مريض الذي تصدر منه هذه النوبات.  عدد كبير من المرضى تعافى من هذه النوبات المتكررة نتيجة لهذا التدخل العلاجي الباضع.

بموافقة هؤلاء المرضى، مرر بارفيزي نبضات تيار كهربي ضعيفة عبر كل قطب من سلسلة أقطاب كهربائية مغروسه في دماغه، مما حفز أو عطل النشاط في مواضع (بقع) صغيرة محددة من مادة الدماغ وراقب ما يحدث. (العملية آمنة ولا يشعر الدماغ بأي ألم).

في أحد الأيام قال له أحد المرضى: "في كل مرة أعاني فيها من نوبة، ينتابني شعور بتبدد الشخصية والاغتراب عن الواقع(8). كل شيء يبدوا وهمًا، ولا أشعر به".

تبين أن نوبات المريض تصدر من الطلل الأمامي aPCu. راغبًا في معرفة المزيد عما حدث في الدماغ ، وجد بارفيزي وزملاؤه ثمانية مرضى آخرين لديهم أقطاب كهربائية مزروعة تمر عبر الطلل الأمامي aPCu لكل مريض. وافق المرضى على السماح له بتعطيل نشاط هذه البنيوية الدماغية بنبضات كهربائية.

قال بارفيزي بعد تعطيل هذه البنيوية الدماغية ، "أفادنا كل مريض منهم عن  شيء غريب حدث لشعوره بالذات الجسدية. في الواقع، أفاد ثلاثة منهم عن شعور واضح بتبدد الشخصية والاغتراب عن الواقع(8)، كما لو كان قد تناول  أدوية مهلوسة(9)".

لكن هذا الشعور بالاغتراب عن الواقع لم تكن تجربة خروج من الجسد(10).

"في تجربة الخروج من الجسد(10)، يرى الشخص نفسه من الأعلى" كما يقول بارفيزي. "لم يبلغنا أحد من مرضانا عن تجربة الخروج  تلك على الإطلاق. ما زال المرضى  يشعرون وكأنهم داخل أجسادهم. لكنهم أبلغوا كالمعتاد عن تغير في شعورهم بمواضع أجسادهم  وتوجههم [بالنسبة للمكان والزمان والجغرافيا(11)]. وعندما حفزنا كهربيًا الجانب الأيمن من أدمغتهم  شعروا بالدوار (بالدوخة)؛  وعندما حفزنا الجانب الأيسر ، شعروا كما لو كانوا يسقطون من أعلى. وعندما نظروا حولهم ، لم يبدو أن ذلك كان له معنًى . إذ لا ينبغي أن يشعروا بالدوار  أو السقوط ، لكن يبدو أنهم كانوا  يشعرون بذلك."

من الغريب أن تقارير المرضى عن شعورهم بالدوار مصحوبًا بمشاعر إيجابية نسمقابل شعورهم بالسقوط المصحوب بمشاعر سلبية ، وذلك بحسب ما إذا كان  التحفيز الكهربائي قد أُجري للطلل الأمامي  aPCu الأيمن أو الأيسر. (كما العديد من بنيويات الدماغ ، الطلل الأمامي aPCu موجود في كل من نصفي الدماغ.)

قال بارفيزي "لماذا تحدث هذه الظاهرة ، ليس لدي أي فكرة". "أنا في حيرة من أمري تمامًا لماذا يؤدي تحفيز الجانب الأيسر من الدماغ مقابل تحفيز الجانب الأيمن منه  إلى تأثيرين متعاكسين ، لكننا سنكتشف ذلك في المستقبل."


مصادر من داخل وخارج

1- https://scopeblog.stanford.edu/2012/10/23/metamorphosis-at-the-push-of-a-button-a-familiar-face-becomes-a-strange-one/


2- https://med.stanford.edu/news/all-news/2013/04/scientists-pinpoint-brains-area-for-numeral-recognition.html


3- https://www.cell.com/neuron/pdf/S0896-6273(23)00386-0.pdf


4- https://ar.wikipedia.org/wiki/طلل


5 "شبكة الوضع الإفتراضي  default mode network في الدماغ: في علم الأعصاب، شبكة الوضع الافتراضي (DMN)، أو الشبكة الافتراضية أيضًا، أو شبكة الحالة الافتراضية، هي عبارة عن شبكة دماغية واسعة النطاق  في مناطق الدماغ  التفاعلية المعروفة أن لها نشاطًا يرتبط ارتباطًا وثيقًا ببعضها البعض ومتميزة عن الشبكات الأخرى في الدماغ. ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان :

https://en.m.wikipedia.org/wiki/Default_mode_network

 


6- https://ar.wikipedia.org/wiki/مشروع_الكونيكتوم_البشري


7- https://ar.wikipedia.org/wiki/وعي


8- "اضطراب تبدد الشخصية هو اضطراب عقلي يشعر فيه الشخص باستمرار أو بشكل متكرر بمشاعر تبدد الشخصية  أو الاغتراب عن الواقع.  يوصف تبدد الشخصية بالشعور بالانفصال عن الواقع أو الذات.  قد يبلغ الأفراد عن شعورهم كما لو كانوا أنفسهم يراقبون أفكارهم أو أجسادهم من الخارج، وغالبًا ما يبلغون عن شعورهم بفقدان السيطرة على أفكارهم أو أفعالهم.  يوصف الاغتراب عن الواقع بأنه انفصال المرء عن محيطه.  قد يبلغ من يعاني من الاغتراب عن الواقع عن إدراكهم للعالم من حولهم على أنه ضبابي، أو يشبه الحلم / سريالي، أو مشوه بصريًا."  مقتبس ببعض التصرف من نص ورد على هذا العنوان: 

https://ar.wikipedia.org/wiki/اضطراب_تبدد_الشخصية 


9- https://ar.wikipedia.org/wiki/عقار_مخل_بالنفس


10- https://ar.wikipedia.org/wiki/الخروج_من_الجسد


11- https://ar.wikipedia.org/wiki/توجه_(علم_النفس)


المصدر الرئيس

https://scopeblog.stanford.edu/2023/06/14/where-in-the-brain-is-my-sense-of-self/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق