14 أغسطس 2023
المترجم : عدنان أحمد الحاجي
المقالة رقم 237 لسنة 2023
How our tastes influence our creativity
August 14, 2023
كلما كان اعجابنا بأفكارنا أكثر، كلما استطعنا تجسيدها على أرض الواقع أسرع. لكن لكي نكون مبدعين، نحتاج إلى التركيز على التفكير خارج الصندوق... هذا ما أثبتته أليزي لوبيز-بيرسيم Alizée Lopez-Persem وإيمانويل ڤولي Emmanuelle Volle، باحثتان من معهد البحوث الصحية والطبية (Inserm) في معهد باريس للدماغ، في دراسة جديدة(1) نشرت في مجلة السايكولوجي الأمريكي American Psychologist. وبفضل دراسة سلوكية ونمذجة حوسبية لمحاكاتها المكونات المختلفة للعملية الإبداعية، تشرح الباحثتان كيف تؤثر تفضيلات الفرد [تفضيل خيار على آخر، المعتمدة على مدى تقييم الأفكار في مرحلة التصور (التخيل) الابداعي(1، 2)] على سرعة انبثاق الأفكار الجديدة ودرجة إبداعها [مستويات الابداع تتكون من الاكتشاف والاختراع والخلاقية(3)]. تحدد هذه التفضيلات أيضًا أي الأفكار نختار لاستغلالها وإيصالها للآخرين.
ما هذ العوامل التي تدفعنا إلى طرح أفكار جديدة بدلاً من القبول بالأساليب / الطرق والعمليات المألوفة؟ ما هي دوافع رغبتنا في الابتكار بغض النظر عن تضحياتنا بوقتنا وجهدنا وسمعتنا لو فشلنا فشلًا ذريعًا في هذه العملية؟ الإبداع مستند إلى آليات معقدة بدأنا للتو في فهمها والتي يلعب فيها الدافع دورًا محوريًا. لكن السعي لتحقيق هدف من الأهداف لا يكفي لتفسير سبب تفضيلنا بعض الأفكار على أفكار أخرى، وما إذا كان هذا الاختيار ينفع في نجاح جهودنا.
"يمكن تعريف الإبداع بأنه القدرة على إنتاج أفكار أصيلة (مبتكرة) وذات صلة بسياق معين، لحل مشكلة أو تحسين وضع قائم. ويعتبر الآبداع مهارة أساسية للتكيف مع التغيير أو استثارته، كما توضح أليزى لوبيز-بيرسيم، الباحثة في علم الأعصاب المعرفي. فريقنا مهتم بالآليات الذهنية التي تمكِّن من إنبثاق أفكار إبداعية، آملين أن نعرف كيف نوظفها بفطنة.
ويتفق الباحثون في الوقت الراهن على أن العملية الإبداعية تتكون من مرحلتين متتاليتين: توليد أفكار جديدة وتقييم إمكانياتها المرتقبة. لكنهم لم يعرفوا بعد كيف يجرون هذا التقييم وما هو دافعنا إلى الاحتفاظ ببعض الأفكار دون غيرها. تقول لوبيز-بيرسيم: "نحن بحاجة إلى تقييم أفكارنا لاختيار أفضلها. ومع ذلك، لا يوجد ما يشير إلى أن هذه العملية تتوافق مع تقييم عقلاني وموضوعي نحاول من خلاله تثبيط تحيزاتنا المعرفية التي تقف حجرة عثرة في طريقنا لاتخاذ أفضل خيار ممكن. ولذلك أردنا أن نعرف كيف نعيِّن هذه القيمة وما إذا كانت تعتمد على الخصائص الفردية [مختصة بالشخص نفسه].
تشييء الحركة الداخلية لازدهار الأفكار
نمذجة العملية الإبداعية باعتبارها سلسلة من العمليات التي تنطوي على شبكات دماغية معينة لا تتوافق مع المفهوم الشائع عن الإبداع، والذي يُمثَل عادة كقوة دافعة تستحوذ علينا وتحركنا وتتجاوزنا. وعلى العكس من ذلك، يعتقد فريق إيمانويل ڤول أن الإبداع له ثلاثة أبعاد أساسية يمكن نمذجتها باستخدام أدوات رياضية وهي كالتالي: الاستكشاف، الذي يعتمد على المعرفة الشخصية والتي تمكِّن الشخص من تخيل (تصور) الخيارات الممكنة؛ والبعد الثاني هو التقييم، والذي يتكون من معرفة خصائص الفكرة؛ والبعد الثالث هو الاختيار، الذي يساعدنا على اختيار المفهوم الذي سيُصار الي طرحه في شكله المكتوب.
لفهم العلاقات المتبادلة بين هذه الأبعاد الثلاثة، قام الباحثون بمحاكاتها في نمذجة حسابية، وقارنوها بالسلوك الفعلي للأفراد الذين تم حشدهم كمتطوعين لهذه الدراسة. ومن خلال منصة PRISME التابعة لمعهد باريس للدماغ، تمت دعوة 71 مشاركًا لإجراء اختبارات التداعيات الضمنية (وتسمى أيضًا اختبارات الترابط الضمني)(4)، والتي تتكون من مطابقة الكلمات بأكثر الطرق جرأة ممكنة. ثم طُلب منهم تقييم مدى إعجابهم بترابط الأفكار هذه وما إذا كانت تبدو أصيلة وذات صلة بالسياق.
تقول إيمانويل ڤولي، طبيبة أعصاب: "تشير نتائجنا إلى أن التقييم الشخصي للأفكار يلعب دورًا مهمًا في الإبداع". «لاحظنا وجود علاقة بين سرعة توليد الأفكار الجديدة ومستوى تقدير المشاركين لهذه الأفكار. بمعنى آخر، كلما كان حبك لـ (اعجابك بـ) الفكرة التي كونتها في ذهنك، كلما كنت أسرع في التوصل إليها وصياغتها. تخيل، على سبيل المثال، طباخًا ينوي إعداد صلصة: فكلما أستهوته توليفة النكهات في ذهنه، كلما كان أسرع في التوصل الى مكوناتها وإعدادها! اكتشافنا الآخر هو أن هذا التقييم يجمع بين معيارين غير موضوعيين: أصالة الفكرة وأهميتها (صلتها بالسياق).
ما هي التفضيلات الفردية التي تبعث على الإبداع؟
أثبت الفريق أن أهمية هذين المعيارين تختلف بين الأشخاص. "كل هذا يتوقف على خبرته وشخصيته وربما بيئته". يفضل البعض أصالة الفكرة على أهميتها (صلتها بالسياق)؛ أما بالنسبة للآخرين، فعلى العكس تمامًا. ومع ذلك، فإن تفضيل الأصالة أو الأهمية / الصلة بالسياق له دور في التفكير الإبداعي: فقد أثبتنا أن الذين يميلون إلى توليد الأفكار الأصيلة يقترحون مفاهيم أكثر إبداعًا.
أخيرًا، النموذج الحوسبي الذي طوره الفريق تنبأ بسرعة وجودة المقترحات الإبداعية للمشاركين بناءً على تفضيلاتهم التي قيست في مهمة مستقلة. تسلط هذه النتائج الضوء على الطبيعة الميكانيكية للدوافع الإبداعية.
على الأمد الطويل، أشار الباحثون أيضًا إلى إمكانية وصف آليات الإبداع بدقة على المستوى الحوسبي العصبي وربطها بركيزتها العصبية... متحدين في ذلك الصورة النمطية القائلة بأن التفكير الإبداعي هو عملية غامضة ليس لدينا سيطرة عليها على الإطلاق. [المترجم: الركيزة العصبية مصطلح يستخدم في علم الأعصاب للإشارة إلى جانب من الجهاز العصبي المركزي (أي الدماغ والحبل الشوكي) الذي يكمن وراء سلوك معين أو عملية ذهنية أو حالة نفسية (5).
"في المستقبل، نريد أن نعرِّف خصائص إبداعية مختلفة تتعلق بمجالات أنشطة الناس المختلفة. هل لديك تفضيلات إبداعية مختلفة في حال كونك مهندسًا معماريًا أو مهندس برمجيات أو رسامًا أو فنيًا؟ تضيف أليزي لوبيز-بيرسيم. أي البيئات ترعى وتعزز الإبداع، وأي منها تحد منه؟ هل يمكننا تعديل أو إعادة تأهيل السمات الإبداعية بممارسة التمارين الذهنية لتتناسب مع طموحاتنا أو احتياجاتنا الشخصية؟ كل هذه الأسئلة ظلت مفتوحة، ولكننا عازمون على الإجابة عنها.
مصادر من داخل وخارج النص
1- https://ar.wikipedia.org/wiki/تفضيل
2- https://psycnet.apa.org/fulltext/2023-97695-001.html
3- ‘اختبار التداعيات الضمنية أو اختبار الترابط الضمني (implicit-association test، واختصارًا آي إيه تي (IAT) هو مقياس في علم النفس الاجتماعي مُصمَّم للكشف عن قدرة تداعي الأفكار بحالة ما دون وعي الشخص بين التمثيلات الذهنية للأشياء (المفاهيم) في الذاكرة. يُطبَّق عادةً لتقييم الصور والقوالب النمطية الضمنية التي تشملها موضوعات الاختبار، مثل ربط أسماء شخصيات من ذوي البشرة السوداء يكون لدى المُختبَرين صورةً نمطيةً لا واعية عنهم، بكلمات ترتبط بالصور النمطية للسود. تصميم الاختبار متعدد الجوانب على نحوٍ كبير، قد استُخدم لاستقصاء التحيزات في المجموعات العرقية والجنسية والعمرية والدينية، بالإضافة لتقييم تقدير الذات." مقتبس ببعض التصرف من نص ورد على هذا العنوان:
https://ar.wikipedia.org/wiki/اختبار_التداعيات_الضمنية.
المصدر الرئيس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق