الجمعة، 12 يناير 2024

لا يوجد وباء التوحد. بل وباء الحاجة إلي دعم المصابين


بقلم جون إلدر روبيسون ودينا غاسنر


23 مارس 2023



المترجم:  عدنان أحمد الحاجي



المقالة رقم 10 لسنة 2023



There is no epidemic of autism. It’s an epidemic of need

By John Elder Robison and Dena Gassner


March 23, 2023




أعلنت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، الخميس 23 مارس 2023، عن ارتفاع آخر في معدل انتشار التوحد بين الأطفال. في تقريرين جديدين - أحدهما يركز على الأطفال بسن 8 سنوات(1). والآخر على الأطفال بسن 4 سنوات(2). - وجدت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أن 1 من كل 36 طفلاً مصاب بالتوحد. وهذه تعتبر زيادة كبيرة عن تقديرات عام 2021 حيث كان المعدل  1 من كل 44 طفلًا مصاب بالتوحد، والتي تعتبر أيضًا قفزة كبيرة من معدل عام 2006  الذي بلغ  حينها 1 من كل 110 طفل(3).

قد تبدو هذه الزيادة مخيفة. لكن كوننا راشدين (كبار) مصابين بالتوحد وكآولياء أمور أطفال مصابين بالتوحد، ننصحكم بالإطمئنان أن هذه الزيادة لا تعني وجود  "وباء توحد". ولكن ما نواجهه هو وباء الحاجة إلى الدعم، بحسب ما قال المؤلفان جون إلدر روبيسون John Elder Robison ودينا غاسنر Dena Gassner. 

مصدر الصورة(5)


السبب الرئيس وراء اكتشاف المزيد من حالات التوحد بسيط: هناك تحسن لدى الأطباء في أدوات التشخيص لاكتشاف ما هو موجود أصلًا(4).. لا يوجد فحص بسيط للتوحد(5).، لذا فإن تشخيصه يتطلب تدريباً أساسيًا على الطرق الرصدية. ونتيجة لذلك، يمكن أن يتباين التشخيص بشكل معتبر بحسب المجموعة [الأثنية أو بين الذكور والإناث أو بين المناطق وما ألى ذلك] المرصودة  وجدارة الأطباء.  تفيد مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها  إلى وجود تباينات معتبرة في معدلات الإصابة بالتوحد من ولاية أمريكية إلى أخرى وحتى من منطقة تعليمية إلى أخرى. ومع ذلك، لا يوجد سوى القليل من الأدلة البيولوجية لتفسير وتبرير ذلك التباين. وفي مثال آخر على التباين، وجدت التقارير السابقة المزيد من الإصابة بالتوحد لدى الأطفال البيض.

وفي التقارير الجديدة، حدث انزياح لهذا الفرق  في النسبة بين المصابين من أثنيات مختلفة، مع زيادة المشخصين بالتوحد بين الملونين. وجدنا أن ذلك يعتبر تحسنًا، ولكن لا يزال أمامنا طريق طويل في هذا المجال، خاصة عندما يتعلق الأمر بتشخيص التوحد في الفتيات والنساء، لدى من لا تظهر عليهم أعراض قابلة،للملاحظة. وجد تقرير جديد لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها  أن نسبة المشخصين من الذكور إلى الإناث بلغت 4 إلى 1 . ولكننا نشكك في هذه النسبة، التي لم تتغير إلا بشيء بسيط لا يكاد يذكر  طوال العقد الماضي، حتى مع ارتفاع معدل انتشار التوحد الإجمالي. في دراستنا الأكاديمية، وجدنا أن عدد الطالبات المصابات بالتوحد غالبًا ما يفوق عدد الطلاب الذكور المصابين بالتوحد في طلاب الجامعة. لاحظ  أحد باحثينا الأخصائي الاجتماعي أن النساء غالبًا ما يُشخصن في وقت متأخر من حياتهن،  في كثير من الأحيان كأمهات وجدات. يشير هذا إلى أنه حتى يومنا الحاضر الكثير من الإناث يتجاوزهن التشخيص في مرحلة الطفولة.

هناك ميل لمقارنة النساء المصابات بالتوحد بالرجال المصابين بالتوحد. ولكن عندما يتعلق الأمر بالظهور البارز لأعراض التوحد، فمن المفيد مقارنة النساء المصابات بالتوحد بنساء غير مصابات بالتوحد. ونعتقد أن شيئًا مشابهًا يحدث مع الأطفال حيث تُقارن فئة الأطفال الإناث بالأطفال الذكور، مما يؤدي إلى إخفاق  مستمر في اكتشاف الفتيات المصابات بالتوحد. طوال التاريخ الحديث، كلما سمعنا عن مجموعة من الإناث  "لا توجد فيها مصابات بالتوحد"، كشفت دراسات في نهاية المطاف أن فيها مصابات بالتوحد ولكن  أخفته عوامل ثقافية، وتجاهله أخصائيو التشخيص.

قد يبدو تشخيص التوحد في المصابين بالتوحد أسهل من المصابين بالتوحد ممن  لديهم مستويات عالية للحاجة إلى الدعم - الذين تتجاوز  أثار  أعراض التوحد لديهم  وتلخق الأذى أو الضرر بغيرهم (exterliizng) في شكل عنف وعناد ومشكلات سلوكية أخرى(6).[المترجم:  الاضطرابات ذات الأعراض المضمرة internalizing، هي تلك التي لا تظهر أعراضها للعلن نسبيًا ولا تتجاوز آثارها الشخص المصاب إلى غيره، وكثير منها عقلي أو داخلي بالنسبة للكبار، أو يصعب ملاحظتها نسبيًا. أما  الاضطرابات التي تكون أعراضها ظاهرة للعيان externalizing  وتتجاوز آثارها إلى خارج المصاب ويمكن ملاحظتها بشكل كبير سواء بشكل مباشر أو غير مباشر (كما هو الحال في نتائج بعض السلوكيات غير المحابية  للمجتمع كالعنف والعناد وغيرها من التجاوزات السلوكية(7)]،  ولكن الأخطاء التشخيصية لا تزال تتكرر. في بعض الأحيان اضطرابات مصاحبة، مثل اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة أو القلق أو صعوبات التعلم أو حتى الأعراض الثانوية  لأدوية الصرع والسلوك يمكن أن تتسبب في انخفاض درجات معدل الذكاء الطبيعي IQ، مما يوحي  بوجود إعاقة ذهنية غير موجودة أصلًا [وذلك بسبب خطأ التشخيص]. وقد يؤدي خطأ التشخيص هذا إلى وضع الطفل في صفوف مدرسية أو مدارس منفصلة عن تلك التي للأطفال الطبيعيين(8). مما يجعلهم عرضة لانخفاض في مستوى طموحاتهم  وحرمانهم من فرص التعلم.

المصابون الآخرون بالتوحد لديهم أعراض أكثر إضمارًا(7).  قد يبدون "هادئين وخجولين" لكن ليسوا "غير طبيعيين أو معاقين ذهنيًا". ومن الصعب تشخيص حالات التوحد فيهم، لذلك قد يستغل الأطباء السمات الأكثر بروزًا حتى لو لم تكن أعرض توحد (مثل أعراض القلق أو مشكلات الانتباه) ويفشلون في التعمق أكثر في الكشف عن تركيبة السمات الدالة على التوحد. هذه مشكلة متكررة: مشكلات الانتباه واضطراب الوسواس القهري، والاكتئاب وإيذاء النفس واضطراب الأكل، والقلق، وغيرها من الحالات المتزامنة (المصاحبة)، عندما تشخص بمعزل عن بعضها بعض (9).، يظل إطار الدعم غير مكتمل. وقد ينتهي الأمر بهؤلاء معزولين  منفصلين عن المجتمع الجامع للجميع سواء أكانوا طبيعيين أو يعانون من اضطرابات عصبية، كالتوحد وغيره، .

الفهم الأفضل للتباينات قد يساعدنا أيضًا على التعرف على مواضع فشلنا في أنظمة التشخيص الحالية. عدد كبير جدًا من المهمشين  لا يشخصون بسبب  أدوات الفحص غير الفعالة  المستخدمة لتشخيص الملونين [من غير ذوي البشرة البيضاء] ومن ذوي الاختلافات الثقافية. ومع تحسن الأدوات والخبرة، ستستمر عمليات التشخيص في الازذياد.

وهذا أمر بالغ الأهمية، لأن التوحد غير المدعوم يساهم في التشرد، وسوء المعاملة، وإيذاء النفس، وغيرها من الأضرار التي يمكن الوقاية منها. كلما زاد عدد المشخصين بالتوحد، كلما زاد عدد الذين يمكننا مساعدتهم.

أبلغ معظم المصابين بالتوحد عن تعرضهم للتنمر ليس فقط من الطلاب ولكن أيضًا من المعالجين والمعلمين. لا ينبغي أن يفاجأ أحد بأن معدلات التخرج لدى المصابين بالتوحد ضعيفة. في مرحلة الرشد (الشباب)، يواجه المصابون بالتوحد البطالة المقنعة / البطالة الحقيقية وعدم كفاية المساعدة من وكالات إعادة التأهيل. ينتهي الأمر بالعديد من المصابين بالتوحد من الملونين في الانتقال من المدرسة إلى السجن بدلاً من تلقي التشخيص المناسب وما يترتب على ذلك من التأكد من فهم أنهم مصابون بالتوحد وما يحتاجونه من  خدمات أساسية. يعيش المصابون بالتوحد الشباب  تحت ضغط الامتثال لـ (مسايرة) عالم [غير مصابين بالتوحد] قد لا يفهمونه، وهو لا يفهمهم.

وحتى بعد التشخيص الصحيح، فإن القلق والاكتئاب والتفكير في الانتحار يشكل تهديدات محتملة مستمرة لهؤلاء المصابين. من الناحية الطبية، المصابون بالتوحد هم أكثر احتمالًا للمعاناة من اضطرابات معوية ونوبات صرع وغيرها من الحالات المرضية. في بعض الأحيان تكون  هذه المعاناة نتيجة لعوائق تتعلق بالتواصل، سواء أكان  المصاب لا يتكلم أو غير قادر على الاستخدام  اللغة بالشكل المطلوب. هناك نقاط ضعف أخرى لدى المصابين بالتوحد لها أسباب وراثية أو عوامل مجهولة السبب. ومهما كانت الأسباب، فإن الكثير من المصابين بالتوحد يموتون في وقت مبكر من حياتهم لأسباب يمكن الوقاية منها.

 التوحد لا يختفي، كما يتضح من أعداد الكبار الذين يُشخصون حاليًا  وهم في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من عمرهم. في الواقع، فإن أكثر المصابين بالتوحد نجاحًا (وفقًا لمعايير غير المصابين بالتوحد) لا ينجحون بتجاوز حالتهم التوحدية بل بالتعود عليها والتعايش معها وتعلم استخدام استراتيجيات للنجاح وتحقيق أهدافهم. ولكن حتى أولئك الذين يتعايشون باستخدام استراتيجيات مكتسبة غالبًا ما ينجحون ويحققون أهدافهم في الحياة ولكن  بتكاليف باهظة. على سبيل المثال، العديد من البيئات  تشجع علي  إخفاء الأعراض (ممارسة إخفاء المصاب بالتوحد أعراضه) على الرغم من الأبحاث التي أثبتت الضرر الذي يحدث عندما لا يتمكن المصابون بالتوحد من العيش حياتهم الطبيعية كما هي. قد لا يكون المصابون بالتوحد على دراية بإمكانياتهم، ويعانون بلا داع، ولا يتمكنون من تحقيق أهداف حياتهم الشخصية.

على الرغم من أهمية التشخيص، فإن الدعم يكون مفيدًا بشكل أفضل لو ركز على الاحتياجات.  كثير من الناس يفترضون أن الخدمات ضرورية فقط لأولئك الذين لديهم أعلى احتياجات الدعم وأكثرها وضوحًا للعيان. في الواقع، توجد قيود وظيفية لجميع المصابين بالتوحد، ويجب أن تحدد تلك الاحتياجات نوع الخدمات التي يحتاجونها. سيحتاج بعض المصابين بالتوحد إلى دعم على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع بالإضافة إلى إمكانية الاستفادة من الموظفين المؤهلين، الذين ينبغي تدريبهم ودفع رواتبهم  لتوفير رعاية مستمرة. بالنسبة للمصابين الآخرين، الدعم المنزلي لمدة 10 ساعات أسبوعيًا قد يؤدي إلى تعزيز الصحة العامة والتوازن النفسي، حتى يتمكنوا من العودة إلى أعمالهم أو الدخول إلى سوق العمل. وينبغي أن تكون الرعاية متاحة حسب الحاجة، مع وجود فروق فردية في شدة الاضطراب وانتشاره . المرونة ضرورية لأن التعايش مع التوحد هو عملية ديناميكية. باب الدعم مدى الحياة يجب أن يكون مفتوحًا  لدخول المحتاجين إليه وخروج غير المحتاجين منه  في حال وجود تغيرات في  في حالة الاصابة.

في سعيهم لمساعدة أطفالهم، يضحي أولياء الأمور (عادة الأمهات) بوظائفهم وسمعتهم، ويسعون لطلب المساعدة من أجهزة الخدمات من أجل أطفالهم المصابين بالتوحد. وليس كل شخص لديه القدرة على تعلم  هذه الأنظمة أو يستطيع ترك وظيفته ليصبح مقدم رعاية طوال اليوم.

في مواجهة هذه الاحتياجات الملحة، حان الوقت لمجتمعنا أن يقف بقوة ويساند الخدمات اللازمة لأنفسنا ولعائلاتنا. لا ينبغي أن تكون الثروة أو العرق أو الامتيازات الذهنية  والتعليمية هي العوامل التنبؤية الحاسمة التي تحدد من يتجاوز  ويتعايش مع حياة التوحد. معدلات الإصابة بالتوحد المتزايدة التي قدمتها مراكز  السيطرة على الأمراض والوقاية منها هي بمثابة دعوة لدق جرس الإنذار لنا جميعًا - هناك الكثير من المصابين، وما يزيد بالفعل هو تكلفة تجاهل احتياجات هؤلاء. وهي تكلفة تعتبر مرتفعة لنا كأفراد وعائلات، بل تعتبر أعلى بالنسبة للمجتمع.

نبذة عن المؤلفين

جون إلدر روبيسون John Elder Robinson  مصاب بالتوحد وباحث في التنوع العصبي في كلية ويليام وماري ومستشار التنوع العصبي في كلية لاندمارك ومختبر لورانس ليڤرمور الوطني. 

دينا غاسنر Dena Gassner مصابة بالتوحد وأستاذ مساعد في جامعة توسون Towson كلا المؤلفين لديهما أبناء مصابين بالتوحد.


مصادر من داخل وخارج النص

1- https://www.cdc.gov/mmwr/volumes/72/ss/ss7202a1.htm?s_cid=ss7202a1_w


2- https://www.cdc.gov/mmwr/volumes/72/ss/ss7201a1.htm?s_cid=ss7201a1_w


3- https://edition.cnn.com/2009/HEALTH/12/17/autism.new.numbers/index.html


4- https://www.statnews.com/2022/08/18/genetic-research-provides-new-clarity-about-whys-of-autism/


5- https://www.statnews.com/2022/02/10/theres-no-autism-epidemic-but-there-is-an-autism-diagnosis-epidemic/


6- https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fpsyg.2023.1182309/full


7- https://www.sciencedirect.com/topics/social-sciences/internalizing-disorder


8-  https://policytoolbox.iiep.unesco.org/glossary/segregation


9- https://www.jahonline.org/article/S1054-139X(23)00001-0/pdf



المصدر الرئيس

https://www.statnews.com/2023/03/23/autism-epidemic-cdc-numbers/


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق