الأحد، 17 مارس 2024

الحدس هو سر التمثيل المتميز كما أنه سر العديد من المهارات الأخرى


بقلم فاليري فان مولوكوم، أستاذ مساعد زائر في علم النفس، جامعة كوفنتري


11 مارس 2024


المترجم : عدنان أحمد الحاجي



المقالة رقم 70 لسنة 2024



Intuition is the secret to great acting and many other skills – here’s how to train it

Valerie van Mulukom , Visiting Lecturer in Psychology, Coventry University


March 11, 2024 


مصدر الصورة: medical express


في حفل توزيع جوائز الأوسكار لعام 2024  كُرمت العديد من العروض التمثيلية المذهلة، بما فيها تجسيد الممثل الإيرلندي كيليان ميرفي Cillian Murphy لشخصية عالم الفيزياء روبرت أوبنهايمر Robert Oppenheimer [المترجم: يطلق عليه أبو القنبلة الذرية الأمريكية]، مما أدى إلى حصول كيليان على جائزة أفضل ممثل. ولكن ماذا كان سبب الوصول إلى مثل هذه الذروة في الأداء التمثيلي؟ عندما يجسد الممثل الشخصية بشكل تام(1) إلى الحد الذي يخلق عالمًا خياليآ آسرًا ومستدامًا، حينها نقول إن الممثل قام حدسيًا بدوره التمثيلي.

لا تقتصر مثل هذه الآداءات على التمثيل فحسب، فقد نشاهد مثل هذا الحدس(2)  في الرياضة والموسيقى أيضًا. ولكن الأمر أوسع من ذلك. التصرف حدسيًا هو شيء يفعله الجميع. فهو أي نوع من الحالات التي في لحضتها يعرف المرء ما يتوجب عليه فعله - مما يسمح له بأن نكون أفضل نسخة من نفسه.

فكيف يمكننا التأكد من أننا نتصرف حدسيًا، عندما تتطلب الحالة ذلك؟ وهل يمكننا توطيد هذه القدرة على الحدس؟ تشير أحدث أبحاثنا(3)، المنشور في مجلة علم نفس الجماليات والإبداع والفنون Psychology of Aesthetics, Creativity, and the Arts، إلى أنه يمكن التدرب لتوطيد القدرة  على الحدس(2) وأنه قد يكون من الأفضل فهمه باعتباره "حالة ذهنية متجسدة" مدعومة بالقدرات المعرفية المتمثلة في إدراك الذات(4) والانغماس في نشاط أو حالة من الحالات.

ماذا تعني الحالة الذهنية المكتسبة؟ اقترح ويليام جيمس، المعروف عمومًا بأنه مؤسس علم النفس الحديث، أن هناك جانبين لإدراك الذات،  ("أنا I" الفاعلة و "أنا Me" المفعولة)،  الجانب النشط لإدراك الذات(4) هو "الـ أنا"الفاعلة - وهو جزء شعورنا المستمر  - يشار إليه أحيانًا باسم "الذات التجريبية [نظام الحدس التجريبي](2، 5)". الجانب الأكثر سلبية من الوعي هو "أنا المفعولة" - هذا الجانب الذي يراقب أفعالنا أو يتأمل فيها. يمكننا أن نسمي هذا الجانب بـ الذات العقلانية  [نظام الحدس العقلي](2، 5).

لقد عُرف هذا التمييز بين النظاميين منذ فترة طويلة في أبحاث علم الأعصاب. على سبيل المثال، أثبتت الدراسات أن تناول الأدوية المخدرة والشعور بالرهبة أو الدهشة يمكن أن يقلل من نشاط شبكة الوضع الافتراضي(6)، وهي شبكة دماغية ذاتية المرجعية تقوم على إدراك الذات.

علاوة على ذلك، أشارت دراسة حديثة(7) إلى أن التأمل الذهني قد يساعدنا على الانتقال من الذات العقلانية (الحدس العقلي) إلى الذات التجريبية (الحدس التجريبي)  وذلك  بالتدرب على الانتباه.

الانغماس مع الحفاظ على الإدراك الذاتي(4)

يعتمد حدسنا على العديد من العمليات اللاشعورية التي تدعم علياتنا العقلية cognition [أو عملية اكتساب المعرفة والفهم من خلال التفكير والخبرة والحواس]  وإدراكنا الحسي (عبر الحواس الخمس] وتفاعلنا مع المحيط. هذا الحدس يتطلب منا أن نستوعب الكثير من ذلك، ولكن أيضًا ألا نفقد أنفسنا في غمرة مدخلات حواسنا. بمعنى آخر، نحن بحاجة إلى الحفاظ على المستويات المناسبة من الوعي أثناء الانغماس.

نحن ندرك العالم حسيًا بكامل جوانب أجسامنا وبجميع حواسنا(8) - من البصر إلى "الاحساس بالحرارة(9)" (استشعار درجة الحرارة) و"استقبال الحس العميق [الحاسة السادسة(10)]" (وهي معرفة موضع أي عضو من الـجسم دون  الحاجة إلى النظر اليه). وهذا يسمح لنا بالتفاعل مع المحيط من حولنا بطرق آمنة ونافعة. في النهاية، يحدث الحدس عندما نكون متناغمين مع ما يحدث في أجسامنا وما يحدث حولنا.

لكن كوننا على دراية كبيرة بذواتنا وبيئتنا لا يمكن أن يفسر الحدس بشكل تام. عندما نتعامل مع حدسنا، فإننا نتصرف بناءً على ما نشعر به. ولكن قد يكون  الحفاظ على ادراكنا الذاتي إذا انخرطنا بشكل كامل [المترجم: انغمسنا أو تقمصنا الدور] في بعض المهام المحددة التي تستخدم فيها الحدس. ولهذا السبب هناك حاجة إلى قدرة أخرى: القدرة على الانغماس [أو تقمص تام للدور في العمل التمثيلي].

القدرة على الانغماس أو الاستيعاب تعني أنه يمكنك البقاء منغمسًا تمامًا في مهمة ما وذلك بإيلاء انتباه مركز. وهذا مشابه جدًا لما يسمى بـ "الإتغماس(11، 12)".

لكن إذا انغمست بشكل مفرط، ألن تفقد إدراكك لذاتك ومحيطك؟ ولهذا السبب نقترح أنك بحاجة إلى وعي الوعي (إدراك الإدراك أو ما وراء الإدراك أو ماهو غير منطقي) meta-awareness هو تركيز هادف (على مستوى الوعي): وهو الوعي بأن لديك وعي لا فقط اعتباز حقيقة أن لديك وعي . بمعنى آخر، عليك أن تكون في حالة تجريبية وليس حالة عقلانية؛ أنت تحس وتشعر، لا تفكر.

خذ على سبيل المثال التمثيل. المسرحي عندما لعبنا دورًا في مسرحية مدرسية، ربما كنا موفقين في تمثيلنا لـ جولييت، حتى أدركنا أن الجميع كانوا ينظرون إلينا حين بدأنا في التلعثم. ثم تحولنا من الوعي الذاتي التجريبي - الذي جسدنا فيه جولييت - إلى الوعي الذاتي العقلاني، حيث فكرنا (أكثر من اللازم) فيما كنا نفعله. هذا النوع من "التعثر" أثناء الأداء التمثيلي  شائع أيضًا في الألعاب الرياضية.

يمثل الممثل حدسيًا عندما يدخل في حالة انغماس [أو تقمص تام] أثناء تخيله، بانتباه تام إلى تخيله ووعيه بعملية التخيل، بالإضافة إلى وعيه التام بنفسه وبمحيطه. لقد أصبح منغمسًا تمامًا في الوعي الداتي التجريبي.

لكن لا ينبغي لنا أن نخطئ في الاعتقاد بأن طريقة التمثيل تنطوي على غمر الشخص بعمق لدرجة أن الممثلين لم يعودوا هم أنفسهم. يجب عليهم الحفاظ على وعي الوعي في الآخرين لتجنب مشاكل الاصابة  بالصحة العقلية مثل الانفصال العاطفي عن المحيط(13) وما هو أسوأ.

كيف تنمي حدسك

إذا كان الحدس حالة معرفية متجسدة متجذرة  وليس ظاهرة عابرة قد تحدث بالصدفة، فهل هذا يعني أنه يمكن تنميته؟

غالبًا ما يُتعامل مع الحدس على أنه شيء وصل إلينا من آلهات الإلهام [مخلوقات إلهية  - حوريات - عُرفن بأنهن مصدر إلهام في التأليف المسيقي](14)، مثل الكثير من ومضات (انقداحات) إبداعية ذهنية أو تبصر. ومع ذلك، فقد وجد بحثنا أنه يمكن التدرب على الحدس. للقيام بذلك، نحتاج إلى تدريب القدرات الأساسية: الوعي بعالمنا الداخلي والخارجي، جنبًا إلى جنب مع الانغماس.


مصادر من داخل وخارج النص

1- https://www.screendaily.com/features/cillian-murphy-explains-how-he-transformed-from-cowardly-irishman-to-atomic-bomb-father-in-oppenheimer/5188692.article


2- "الحدس intuition لغة، هو الظن والتخمين والتوهم والنظر الخفي، أما اصطلاحاً فهو شكل خاص من أشكال النشاط المعرفي، أو المقدرة على فهم الحقيقة مباشرة دون استدلال منطقي تمهيدي. حيث يُدرك به ما هو معقول وما هو وراء العقل meta-reason، أي ما هو منطقي وما هو غير منطقي. ويُطلق الحدس على عملية إطلاع النفس إطلاعاً مباشراً على ما يمثله لها الحس الظاهر أو الحس الباطن من صور حسية أو نفسية، أو على كشف الذهن عن بعض الحقائق بوحي مفاجئ لا على سبيل القياس ولاعلى سبيل الاستقراء أو الاستنتاج، ولكن على سبيل المشاهدة التي ينبلج فيها الحق انبلاجاً. ويمكن الحديث عن حدس تجريبي وحدس عقلي وحدس فلسفي وحدس صوفي."مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:

https://arab-ency.com.sy/ency/details/4687/8


3- https://psycnet.apa.org/record/2024-52558-001


4- https://ar.wikipedia.org/wiki/إدراك_ذاتي


5- https://ar.wikipedia.org/wiki/النظرية_المعرفية_التجريبية_الذاتية


6 "شبكة الوضع الإفتراضي  default mode network في الدماغ: في علم الأعصاب، شبكة الوضع الافتراضي (DMN)، أو الشبكة الافتراضية أيضًا، أو شبكة الحالة الافتراضية، هي عبارة عن شبكة دماغية واسعة النطاق  في مناطق الدماغ  التفاعلية المعروفة أن لها نشاطًا يرتبط ارتباطًا وثيقًا ببعضها البعض ومتميزة عن الشبكات الأخرى في الدماغ. ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان :

https://en.m.wikipedia.org/wiki/Default_mode_network

 


7- https://academic.oup.com/scan/article/2/4/313/1676557


8- https://aeon.co/videos/aristotle-was-wrong-and-so-are-we-there-are-far-more-than-five-senses


9- https://ar.wikipedia.org/wiki/إحساس_حراري


10- https://ar.wikipedia.org/wiki/استقبال_الحس_العميق


11- https://theconversation.com/why-does-experiencing-flow-feel-so-good-a-communication-scientist-explains-173505


12- https://ar.wikipedia.org/wiki/تركيز_(علم_النفس)


13- https://ar.wikipedia.org/wiki/تفارق_(علم_النفس)


14- https://ar.wikipedia.org/wiki/إلهات_الإلهام


المصدر الرئيس 

https://theconversation.com/intuition-is-the-secret-to-great-acting-and-many-other-skills-heres-how-to-train-it-225310

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق