الأربعاء، 16 أكتوبر 2024

هل للتعاطف الوجداني حدود؟

 

بقلم داريل كاميرون أستاذ علم النفس في معهد روك للأخلاقيات، جامعة ولاية بنسلفانيا

 

المترجم: عدنان أحمد الحاجي 


المقالة رقم 232 لسنة 2024



Does empathy have limits?


Daryl Cameron Professor of Psychology and Research Associate in the Rock Ethics Institute, Pennsylvania State University

 

 

March 2, 2017

 

 

 


هل ممكن أن ينضب التقمص الوجداني (1) (المواساة)؟ على خلفية تظاهرة قام بها بعض الأمريكيين مواساةً للمرأة والمهاجرين، اعترض بعض باحثي علم النفس على هذا التعاطف الوجداني، قائلين بأنه مبالغ فيه، وليس له أهمية، والأسوأ من ذلك أنه خطير. وتوصلوا إلى هذه التوصية لأن التعاطف الوجداني يبدو محدودًا ومتحيزًا وإشكالي من الناحية الأخلاقية. واقترحوا بأن الحدود المفروضة على التعاطف الوجداني تُعتبر ظاهرة أكثر من أن تكون حقيقة. بالرغم من أن التعاطف الوجداني محدود، فهذه المحدودية تعكس أهدافنا وقيمنا وخياراتنا. لا محدودية التعاطف الوجداني نفسه.

 

'الجانب المظلم' اللتعاطف الوجداني

على مدى السنوات القليلة الماضية، جادل عدد من الباحثين (2)، بما فيهم باحثو علم النفس (3)  والفلاسفة (4)، بأن التعاطف الوجداني إشكالية من الناحية الأخلاقية. على سبيل المثال، في الكتاب المثير للتفكير الذي نشر بعنوان، "ضد التعاطف الوجداني (5)،" باحث علم النفس بول بلوم Paul Bloom  سلط الضوء على لماذا غالباً ما يوصف التعاطف الوجداني بنتائجه الإيجابية، وقد يكون له تحيزات وحدود تجعله مرشداً غير جيد للحياة المعاشة (6).

 


ما ذا يفسر  مشاعر تعاطفنا الوجداني تجاه البعض دون البعض الآخر؟


يدعي بلوم أن التعاطف الوجداني هو عبارة عن مورد محدود القدرات، كفطيرة محدودة أو وقود أحفوري ينضب بسرعة. ويقترح بأن وجهات النظر هذه تتردد على ألسنة باحثين آخرين كذلك. على سبيل المثال، باحث علم النفس بول سلوڤيك Paul Slovic يشير الى "اننا مجبولون نفسيًا على مساعدة شخص واحد فقط في المرة الواحدة."

 

"نحن لسنا مؤهلين نفسياً للشعور بما يعانيه شخص غريب كما نشعر بما يعانيه شخص قريب. نحن لا نتمكن من الشعور مليون مرة بمعانة مليون شخص كما نشعر بمعاناة شخص قريب (7).

 

وبالمثل، فقد قال الفيلسوف جيسي برينز Jesse Priz أن التعاطف الوجداني متحيز (8) ويؤدي إلى "قصر نظر أخلاقي (9)،" مما يجعلنا نعمل أكثر بإيجابية تجاه الناس الذين نتعاطف معهم وجدانيًا حتى ولو كان هذا التصرف لا يتسم بالإنصاف.

 

لنفس السبب، يشير عالم النفس آدم وايتز Waytz أن الموساة قد "تؤدي إلى محدودية أخلاق (3)." سلوڤيك، في الواقع، يشير إلى أن "قدرتنا على الشعور بالشفقة على الناس الذين هم في موضع حاجة تبدو محدودة (10)، وهذا النوع من عبء الشفقة [أي التعب النفسي والجسدي والمشاعري الذي يتحمله المرء عند مساعدته الآخرين (11) قد يؤدي إلى الفتور والتراخي."

 

هل هناك حدود للتعاطف الوجداني؟

التعاطف الوجداني الذي يناقش الباحثون أعلاه ضده هو التقمص الوجداني: والمعروف علميًا بـ "تبادل المشاعر اجتماعيًا" [أي تعبير المرء عما ينتابه من مشاعر إلى طرف آخر (12)]، والذي يعرف بأنه تقمص مشاعر الآخرين.

 

ويُعتقد أن مشاعر (انفعالات) التعاطف الوجداني هذه محدودة لسببين رئيسيين: أولا، يبدو التعاطف الوجداني أنه أقل حساسية تجاه أعداد الضحايا الكبير [كالما زاد عدد الضحايا قلت شدة ذلك التعاطف الوجداني تجاههم] (13)، كما هو الحال في جرائم الإبادة الجماعية والكوارث الطبيعية. ثانيا، التعاطف الوجداني يبدو أنه أقل حساسية تجاه معاناة الناس لو كانوا من خلفيات عرقية أوعقدية مختلفة عن عاداتنا وتقاليدنا. وبعبارة أخرى، من وجهة نظرهم، يبدو ان التعاطف الوجداني متمحور حول ضحية واحدة رؤيتها أو تفكيرها اتوافق مع رؤيتنا أو تفكيرن (14).

 

التعاطف الوجداني خيار

 اتفقنا على أن التعاطف الوجداني غالبًا ما يكون أضعف حيال المعاناة الجماعية وحيال الناس المختلفين عنا. ولكن التعاطف الوجداني من الناحية العلمية يقترح في الواقع سبباً مختلفاً لظهور هذه القصور.


كما أثبتت طائفة متزايدة من الأدلة، انه ليس لأننا غير قادرين على الشعور بالتعاطف الوجداني حيال المعاناة الجماعية أو أشخاص من جماعات أخرى (غير جماعتنا)، بل أنه في بعض الأحيان "نختار"ألا نشعر بالتعاطف الوجداني ذلك.  وبعبارة أخرى، المرء هو من يقرر مقدار شعوره بالتعاطف الوجداني حيال أي طرف (15).



التعاطف الوجداني خيار


هناك دليل على أننا نقرر اين نضع حدودًا لتعاطفتا الوجداني. على سبيل المثال، بالرغم من أن الناس عادة لا يشعرون بتعاطف وجداني حيال ضحايا كثُر (مقابل لو كانت ضحية واحدة)، هذا الاتجاه يمكن عكسه (16) لو تم إقناع الناس بأن التعاطف الوجداني لن يتطلب تبرعات مالية مكلفة أو بذل وقت. وبالمثل، لا يتعاطف الناس وجدانيًا حيال المعاناة الجماعية عندما يعتقدون ان مساعدتهم لن تحدث أي فرق أو تأثير، ولكن هذا التفكير يغيب لو اعتقدوا بأن بإمكانهم أن يحدثوا فرقًا (17).


يختلف هذا الاتجاه أيضا بحسب معتقدات الفرد الأخلاقية (18). على سبيل المثال، 


الذين يعيشون ضمن "ثقافات جماعية،" مثل البدو (19)، لا ينقصهم الشعور بالتعاطف الوجداني حيال المعاناة الجماعية. ولعل هذا هو لأن الناس في مثل هذه الثقافات يقدِّرون مدى المعاناة الجماعية.

 

 نناقش أنه إذا كان هناك فعلًا حد للتعاطف الوجداني حيال المعاناة الجماعية، فلا ينبغي أن نختلف بناءً على التكاليف والنجاعة أو القيم. لكن يبدو أن التأثير يتغير بناءً على رغبة الناس فيما يريدون أن يشعروا به. نرى أن نفس الفكرة تنطبق على الميل إلى الشعور بعدم التعاطف الوجداني حيال الناس المختلفين عنا: وسواء وسعنا مدى التعاطف الوجداني ليشمل الناس المختلفين عنا يعتمد على ما نرغب في أن نشعر به (20).

 

وبعبارة أخرى، فإن نطاق التعاطف الوجداني مرن. يبدو أن حتى الناس الذين يُعتقد أنهم يفتقرون إلى التعاطف الوجداني، كالمرضى النفسيين، قادرون على التعاطف الوجداني إذا رغبوا في ذلك

 

لماذا نرى حدود التعاطف الوجداني على انها تمثل إشكالية

نقَّاد التعاطف الوجداني عادة لا يتحدثون عن الخيار بطريقة متسقة من الناحية المنطقية. أحيانًا يقولون أن الناس هم من يقدم على اختيار التعاطف الوجداني بشكل مباشر، ولكنهم قالوا في أحايين اخرى: ليس لدنا سيطرة على حدود التعاطف الوجداني.

 

هذان ادعاءان مختلفان ولهما تبعيات أخلاقية مختلفة.

 

نقترح أن التعاطف الوجداني يبدو فقط على انه محدود. وليس كما يبدو أنه مبني على عدم اكتراث بالمعاناة الجماعية وأن النَّاس الآخرين المختلفين عنا ليسوا عنصرًا من عناصر التعاطف الوجداني، بل يعكس الخيارات التي نتخذها. هذه الحدود هي نتيجة المفاضلة العامة التي يتخذها الناس عندما يوازنون بين أهداف معينة وبين أهداف آخرى

 

نقترح توخي الحذر في استخدام مصطلحات مثل "الحدود" و"القدرة" عندما نتحدث عن التعاطف الوجداني. هذا الخطاب يمكن أن يخلق نبوءة محققة لذاتها [أي فرضية أولية خاطئة تؤدي إلى أين-أبات تجعل من تلك الفرضية الخاطئة حقيقة، كما ورد في بعص النصوص]: عندما يعتقد الناس أن التعاطف الوجداني هو مورد ناضب، ؤآنه عفويًا، وعليه لا يبذلون جهدًا ليتعاطفوا وجدانيًا (21)، بل ينخرطون في المزيد من التجرد من الإنسانية (22). لذلك، تأطير التعاطف الوجداني كمسألة غير مرنة يعتبر تأطير خاطيء – من الناحيتين العلمية والعملية.

 

ما هي البدائل؟

حتى لو قبلنا أن للتعاطف الوجداني حدودًا ثابته - والتي لا نتفق عليها، نظرًا للأدلة العلمية - ما هي العمليات النفسية الاخرى التي يمكننا أن نعتمد عليها حتى نكون صناع قرار فعالين؟

 

هل الشفقة أقل تخيرًا من التعاطف الوجداني


يرى بعض الباحثين (23) أن الشفقة ليست مكلفة أو متحيزة كالتعاطف الوجداني (24)، وهكذا ينبغي ان تعتبر أكثر جدارة بالثقة. ومع ذلك، يمكن ألا تكون الشفقة أيضا حساسة حيال المعاناة الجماعية (25) وحيال الناس من جماعات أخرى غير جماعتنا (26)، تمامًا كالتعاطف الوجداني.

 

سبب آخر هو الاستدلال المنطقي الذي ينبغي أن يكون خالياً من التحيزات الانفعالية. ربما، المداولات غير الساخنة بشأن التكلفة والفائدة (المنفعة)، التي تتوافق مع التبعات الطويلة الأمد، قد تكون فعالة. ولكن هذا الرأي يتغاضى عن مدى معقولية المشاعر (26) والاستدلال المنطقي يمكن أن يكون مدفوعاً لدعم الاستنتاجات المرجوة.

 

نلاحظ هذا الأمر في المعاملات السياسية، حيث يوظف الناس المبادئ النفعية (27) بشكل مختلف بناءً على معتقداتهم السياسية، مما يعني ان المباديء يمكن أن تكون متحيزة جدًا. على سبيل المثال، وجدت دراسة أن المحافظين (من الناحية الحزبية) كانوا أكثر استعدادا لقبول تبعات مقايضة أرواح مدنيين فقدت أثناء الحرب عندما كانت اعراقيين لا لأمريكين (28). الاستدلال المنطقي قد لا يكون موضوعياً وغير متحيز كما يدَّعي نُقاد التعاطف الوجداني.

 

اي معيار أخلاقي نستخدم؟

حتى لو كان الاستدلال المنطقي موضوعياً ولم يفضل أحداً على أحد، هل هذا ما نريده من الأخلاق؟ تشير الدراسات إلى أنه بالنسبة للكثير من الثقافات (29)، يمكن أن يكون أمراً غير أخلاقي لو لم يكن التركيزعلى العدد القليل ممن يشاركوننا مباشرةً في المعتقد أو في الدم. على سبيل المثال، وجدت بعض الدراسات أنه على الرغم من أن الليبراليين يتعاطفون وجدانيًا مع الغرباء، فان المحافظين هم أكثر احتمالاً لقصر التعاطف الوجداني على عائلاتهم وأصدقائهم. بعض الناس يعتقدون أن الأخلاق لا ينبغي أن ترجح أحداً على أحد. لكن آخرين يعتقدون أن الأخلاق يجب أن تتمحور بشكل وثيق على العائلة والأصدقاء،

 

لذلك، حتى لو لم يكن للتعاطف الوجداني حدود ثابتة، فإنه لا يعني أن هذا يجعله إشكاليًا من الناحية الأخلاقية.  الكثير ممن يرى الحياد مُثلاً عليا، ولكن الكثير لا يرون ذلك، ولذلك يتبنى التعاطف الوجداني مجموعة محددة من الأهداف لو أُعطي خياراً معيارياً.

 

بالتركيز على عيوب ظاهرة في التعاطف الوجداني وليس البحث عميقاً في كيفية ظهوره، فإن الحجج ضد التعاطف الوجداني تنتهي باستنكار الشيء الخطأ. الاستدلال المنطقي البشري معيب في بعض الأحيان، وأنه في بعض الأحيان يضللنا. هذا هو الحال خاصة في حال تحملنا لتبعات مالية.

 

هذا التحليل يجعل وقوف المرء ضد التعاطف الوجداني يبدو سطحيًا. الحجج ضد التعاطف الوجداني تعتمد على الازدواجية التي عفا عليها الزمن بين العاطفة المتحيزة والمنطق الموضوعي. ولكن التعاطف الوجداني من الناحية العلمية يشير إلى أن ما له أهمية أكثر هو قيمنا وخياراتنا.  قد يكون التعاطف الوجداني محدوداً في بعض الأحيان، ولكن فقط لو رغبت أن يكون كذلك.

 

 

مصادر من داخل وخارج النص

1- https://ar.wikipedia.org/wiki/تقمص_وجداني

 

2- https://www.cambridge.org/core/journals/judgment-and-decision-making/article/if-i-look-at-the-mass-i-will-never-act-psychic-numbing-and-genocide/0E55D099E133068F9ACD5A0DBBE1E4E2

 

3- https://hbr.org/2016/01/the-limits-of-empathy

 

4- https://onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1111/j.2041-6962.2011.00069.x

 

5- https://www.harpercollins.com/products/against-empathy-paul-bloom?variant=32122194821154

 

6- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S1364661316301930

 

7- https://books.google.com.sa/books?id=op67CwAAQBAJ&printsec=frontcover&dq=against+empathy&hl=en&sa=X&redir_esc=y

 

8- https://www.nytimes.com/2015/12/06/opinion/the-arithmetic-of-compassion.html?_r=0

 

9- https://onlinelibrary.wiley.com/doi/abs/10.1111/j.2041-6962.2011.00069.x

 

10- https://journals.plos.org/plosone/article?id=10.1371/journal.pone.0100115

 

11- https://www.webmd.com/mental-health/signs-compassion-fatigue

 

12- https://ar.wikipedia.org/wiki/المشاركة_الاجتماعية_للمشاعر

 

13- https://psycnet.apa.org/record/2010-26912-001

 

14- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S002210311400095X

 

15- https://www.nytimes.com/2015/07/12/opinion/sunday/empathy-is-actually-a-choice.html

 

16- https://psycnet.apa.org/doiLanding?doi=10.1037/a0021643

 

17- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0749597816303405?via=ihub

18- https://sjdm.org/journal/13/13321a/jdm13321a.pdf

 

19- https://psycnet.apa.org/doiLanding?doi=10.1037/a0039708

 

20- https://www.pnas.org/doi/abs/10.1073/pnas.1514539112

 

21- https://psycnet.apa.org/record/2014-34128-006

 

22- https://journals.sagepub.com/doi/abs/10.1177/1948550615604453

 

23- https://psycnet.apa.org/record/2016-46141-001

 

24- https://academic.oup.com/scan/article/9/6/873/1669505?login=false

 

25- https://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=1592459

 

26- https://journals.sagepub.com/doi/abs/10.1207/s15327957pspr0901_1

 

27- https://journals.sagepub.com/doi/abs/10.1177/1754073912445820

 

28- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0079742108004106

 

29- https://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=2184440

 

 

 

المصدر الرئيس:

 

https://theconversation.com/does-empathy-have-limits-72637

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق