الأحد، 6 أكتوبر 2024

العلاج الأول في العالم بخلايا من متبرع يساعد على انحسار أعراض أمراض المناعة الذاتية


نجاح علاج ثلاثة مرضى يبعث على الأمل في إنتاج كميات بالجملة من علاجات CAR T المتقدمة جدًا.


04 أكتوبر 2024


المترجم: عدنان أحمد الحاجي 


قدم له غسان علي بوخمسين، صيدلاني أول، مستشفى جونز هوبكنز



المقالة رقم 223 لسنة 2024



World-first therapy using donor cells sends autoimmune diseases into remission


 October 04, 2024


المقدمة

أمراض المناعة الذاتية (autoimmune disease) هي مجموعة أمراض تحدث نتيجة لفشل الجهاز المناعي لجسم الكائن الحي على التعرف على أعضائه وأجزائه الداخلية، حيث لا يستطيع معرفة البصمة الوراثية الخاصة بخلايا الجسم، فيتعامل معها وكأنها غريبة عنه، ويبدأ بمهاجمتها باستخدام خلايا المناعة والأجسام المضادة.  وهذا يسبب أضراراً شديدة للجسم، قد تتركز في مكان واحد أو عضو واحد، أو قد تهاجم مجموعة من الأعضاء، فيسبب مرضاً أو مجموعة أمراض؛ فقد يهاجم الجهاز المناعي جزءً معيناً من جدار الأعصاب، مسبباً حالة تسمى التصلب المتعدد وهي تؤدي إلى حدوث شلل في الجسم كله. وفي حالة مهاجمة الجهاز المناعي لمكان اتصال الأعصاب بالعضلات (neuromuscular junctions) يحدث ضعف وارتخاء شديد في العضلات، ويسمى حينئذ وهن العضلات الوخيم myasthenia gravis) وقد يهاجم الجهاز المناعي صمامات القلب، كما في حالات الحمى الرثوية (rheumatic fever أو يهاجم الجلد ويسبب احمراراً في الوجه، في شكل جناحي فراشة على الخدين، كما في حالات الذئبة الحمراء  lupus erythematosus ويهاجم الجهاز المناعي أحياناً المفاصل مسبباً الداء الرثياني (rheumatoid arthritis وقد يهاجم جهاز المناعة أكثر من عضو في الجسم، مثل الجلد، والقلب، والكبد، والكلى، والطحال، كما في مرض الذئبة الحمراء الجهازية ( systemic lupus erythematosus)

هناك أكثر من 80 مرضًا ناجمًا عن المناعة الذاتية. وتشير بغض التقديرات إلى أن أمراض المناعة الذاتية هي من أبرز 10 أسباب للوفاة بين النساء في جميع الأعمار حتى 65 سنة. نسبة أمراض المناعة الذاتية لدى النساء كبيرة مقارنة بالذكور (حيث تصل إلى 4 :1)  حيّرت العلماء منذ وقت طويل، وحاول كثير منهم تقديم عدة تفسيرات لشرح سبب هذه  النسبة الفارقة، أحد هذه التفسيرات تربطها بالوراثة والجينات والكروموسومات X  حيث أن لدى الإناث كروموسوما X  ولدى الذكور كرموسوم X  واحد، ومنهم من ربط المرض بالهرمونات الأنثوية، وبعضهم أشار إلى وجود مركب خاص يدعى VGLL3  بنسبة أكثر بكثير لدى النساء مقارنة بالرجال، ربما يفسر هذا الاستجابة المناعية العدوانية اتجاه أنسجة المريضة، وكل هذه التفسيرات تشرح جزءً من الأحجية أو جزءً بسيطاً من العملية المعقدة التي تصف هذه المجموعة من الأمراض، فمن الواضح أنها علاقة متشابكة ومعقدة جداً بين الجهاز الهرموني والمناعي والعصبي immune neurohormonal pathway.

خطة العلاج الدوائي لأمراض المناعة الذاتية قد تكون معقدة وشديدة الأثر على المريض، فقد تحتوي على الكورتيزون ومثبطات المناعة المختلفة، والتي تسبب اعراضاً جانبية عديدة اهمها خفض المناعة وتعريض المريض للالتهابات الجرثومية العديدة الى جانب المشاكل الصحية العديدة الأخرى. برز في العقدين الأخيرين، العلاجات البيولوجية التي تتداخل مع الحهاز المناعي في جزء متخصص منه وتعطي الأثر المطلوب بالتحفيز او التثبيط، وتتميز بفعالية جيدة واعراض جانبية اقل بكثير من الأدوية السابقة، وقد أصبحت ركناً مهماً في علاج امراض المناعة الذاتية، ولكن قد يحتاجها المريض مدى الحياة؛ وبسبب سعرها المرتفع جداً، قد يتسبب ذلك في محدودية استخدامها على المريض، نظراً للارتفاع الكبير في لتكلفة العلاجية.

البحث المترجم أدناه يعطي أملاً واعداً، وذلك باستخدام طريقة علاجية جديدة توظف البيولوجيا الجزيئية وهندسة الخلايا المناعية وبتقنية ثورية، يمكن من خلالها التحكم في المرض وإبقاء المريض في حالة سكون من ثوران أعراض المرض لمدة الطويلة.

التجربة واعدة ومبشرة لتحقيق خط علاجي أفضل للمرضى، لكنها صغيرة الحجم واجريت على عدد محدود من المرضى وبحاجة إلى  المزيد من التجارب على عدد أكثر من المرضى لضمان سلامتها وفعاليتها.


الصورة:  الخلايا المناعية المهندسة (1)، والتي تسمى خلايا الـ CAR T (باللون الأصفر)، أحدثت ثورة في علاج بعض الأورام (باللون الوردي) وأظهرت نتائج واعدة في علاج أمراض المناعة الذاتية.


الدراسة المترجمة 

سيدة ورجلان مصابون بأمراض مناعية ذاتية (1) حادة دخلوا في حالة انحسار لأعراض هذه الأمراض بعد خضوعهم للعلاج بالخلايا المناعية المهندسة بيولوجيًا والمعدلة بتقنية كريسبر (3، 4). هؤلاء الثلاثة الصينيون المصابون باضطرابات المناعة الذاتية هم أول من خضع للعلاج بالخلايا المناعية المهندسة من خلايا منتزعة من متبرعين، وليست منتزعة من أجسام هؤلاء المرضى أنفسهم. هذا التقدم هو الخطوة الأولى نحو إنتاج بالجملة لمثل هذه العلاجات.

السيد غونغ رجل صيني من شنغهاي يبلغ 57 عاماً مصاب بمرض التصلب المجموعي (5)، الذي يؤثر في النسيج الضام (6) وقد يؤدي إلى تصلب الجلد وتضرر أو تلف الأعضاء. ويقول إنه بعد ثلاثة أيام من خضوعه للعلاج، شعر بأن جلده أصبح  مرتخٍ وتمكن من البدء في تحريك أصابعه واستطاع فتح فمه مرة أخرى. وبعد اسبوعين عاد الى عمله المكتبي. ويقول بعد مرور أكثر من سنة على خضوعه إلى العلاج: "أشعر أنني لا زلت بحالة جيدة جدًا."

الخلايا المناعية المهندسة، والتي تسمى الخلايا التائية لمستقبل المستضد الخيميري (CAR T) (7) ثبت أن لها نتائج واعدة جدًا في علاج سرطانات الدم (8) - اعتُمدت ست منتجات في الولايات المتحدة (9) - والتي هي عبارة عن علاج واعد لأمراض المناعة الذاتية مثل مرض الذئبة (11 ،10) والتصلب المتعدد (13 ،12)، حيث تفرز الخلايا المناعية المتمردة أجسامًا مضادة ذاتية (14) تهاجم أنسجة الجسم. لكن العلاج يعتمد عادةً على الخلايا المناعية للشخص، وهذا النوع من العلاج التخصيصي [للشخص نقسه] يجعله مكلفًا ويأخذ وقتًا طويلاً.

ولهذا السبب بدأ الباحثون في ابتكار علاجات الخلايا التائية لمستقبل المستضد الخيميري  CAR T من خلايا مناعية من متبرع. وإذا نجحت، فإنها ستمكن شركات الأدوية بتوسيع نطاق الانتاج، مما قد يؤدي إلى خفض التكاليف (15) وتقصير أوقات الإنتاج. فبدلاً من إجراء علاج واحد لشخص واحد، بهذه الطريقة يمكن إجراء علاج لأكثر من مائة شخص من خلايا تائية متبرعٍ واحدٍ، كما يقول لين شين Lin Xin، باحث في علم المناعة بجامعة سينغوا Tsinghua في بكين. استخدمت خلايا CAR T المنتزعة من متبرع لعلاج المصابين بالسرطان، ولكن بنجاح محدود حتى الآن (16).

أمراض المناعة الذاتية

وتعد هذه التجربة، التي أجراها شو هوجي Xu Huji، اخصاصي الروماتيزم في جامعة الطب للقوات البحرية في شنغهاي، أول تجربة تعلن عن نتائج علاج أمراض المناعة الذاتية منشورة في مجلة الخلية (17) Cell في سبتمبر 2024. وبعد أكثر من ستة أشهر من تلقي العلاج، بقي الخاضعون للعلاج في حالة انخفاض أو انحسار لأعراض الأمراض (18). ويقول شو إن عشرين شخصًا آخرين خضعوا للعلاج المنتزع من متبرعين ومنتجًا معدلاً بشكل طفيف. وكانت النتائج إيجابية إلى حد كبير، كما قال شو.

يقول لين شين Lin Xin، الذي قاد تجربة منفصلة باستخدام خلايا الـ CAR T المنتزعة من متبرع لعلاج مرض الذئبة: "كانت النتائج السريرية التي حصلنا عليها مذهلة".

يبدو نجاح العلاج وسلامته علاجًا واعدًا، لكن لا يزال هناك حاجة إلى أن يُجرى على عدد أكبر من المرضى قبل أن يتمكن الباحثون من استخلاص استنتاجات بخصوص مدى تطبيقه على نطاق أوسع، كما تقول كريستينا بيرجمان Christina Bergmann، أخصائية الروماتيزم في مستشفى جامعة إرلانغن Erlangen في ألمانيا.

ولكن لو نجحت هذه الطريقة في التطبيق على عدد أكبر من المرضى واستمرت فاعلة لمدى زمني أطول، فإنها "قد تكون بمثابة نقلة نوعية"، كما يقول دانييل بيكر Daniel Baker، باحث في علم المناعة من جامعة بنسلفانيا في فيلادلفيا. أكثر من 80 مرضًا من أمراض المناعة الذاتية مقترن بخلل وظيفي في الخلايا المناعية.

متبرع سليم

علاج الـ CAR-T ينطوي عادةً على انتزاع خلايا مناعية تُعرف بـ الخلايا التائية من الشخص الخاضع للعلاج. وتنمق هذه الخلايا ببروتينات الـ CAR التي تستهدف الخلايا البائية ثم تُسرب infused مرة أخرى إلى جسم المريض.

عملية إنتاج خلايا الـ CAR T من الخلايا المناعية المتبرع بها متشابهة. انتزع شو وزملاؤه خلايا تائية من امرأة تبلغ 21 عامًا، وقاموا بتنميقها بخلايا الـ CARs التي تتعرف على المستضد اللمفي البائي CD19، وهو مستقبل متواجد على سطح الخلايا البائية. استخدموا أداة تحرير الجينات CRISPR-Cas9 لاستئصال خمس جينات من الخلايا التائية، لمنع خلايا المتبرع من مهاجمة جسم المضيف (المريض الخاضع للعلاج) وجهازه المناعي من مهاجمة الخلايا المنقولة من المتبرع.

وكانت أول مريضة تخضع للعلاج، في مايو 2023، امرأة تبلغ 42 عامًا مصابة بنوع من أمراض المناعة الذاتية وهو اعتلال عضلي (19)، والذي يستهدف الأنسجة العضلية الهيكلية، مما يؤدي إلى ضعف وإعياء. كان السيد غونغ، ورجل آخر يبلغ 45 عاماً، مصابان بنوع شرس من مرض التصلب اللويحي. بدأ المريضان علاجهما في يونيو وأغسطس 2023.

بمجرد حقنها في المريضين، بدأت خلايا الـ CAR T بالعمل. تضاعفت أعداد الخلايا واستهدفت ودمرت جميع الخلايا البائية، بما فيها الخلايا المسببة للأمراض المرتبطة بأمراض المناعة الذاتية. بقيت الخلايا التائية المهندسة بيولوجيًا لأسابيع في هذين المرضيين قبل أن تختفي إلى حد كبير. وفي نهاية المطاف، نمت خلايا بائية جديدة وسليمة، وبدون الخلايا المسببة للأمراض. وقد لوحظت استجابة مماثلة لدى المصابين بأمراض المناعة الذاتية والذين خضعوا للعلاج بخلايا الـ CAR T المنتزعة من خلايا أجسامهم (20).

"اختفاء الأعراض تمامًا"

وبعد شهرين من العلاج، يقول الباحثون إن المرأة شُفيت شفاءً تامًا من الأعراض، وبقيت على هذه الحالة خلال فترة المتابعة التي استمرت ستة أشهر. قال بيكر إنه على الرغم من أنه ظهر على المرأة تحسن سريري واضح، إلا أنه كان حذرًا في وصف ذلك بالشفاء التام من الأعراض، نظرًا لقصر فترة التقييم. انخفضت الأجسام المضادة الذاتية لدى المرأة إلى مستويات غير قابلة للكشف [بمعنى أن نتيجة تحليلها كانت سلبية]، وتحسنت قوة عضلاتها وقدرتها على الحركة بشكل كبير.

وشهد الرجلان أيضًا تحسنًا ملحوظًا في أعراضهما، بما في ذلك بدأت أنسجة الندبات بالتكوِّن مرة أخرى، وانخفضت مستويات الأجسام المضادة الذاتية.

لم يعاني أي من هؤلاء المرضى الثلاثة من رد فعل التهابي شديد يُعرف بـ متلازمة إفراز السيتوكين، والذي لوحظ لدى بعض المصابين بالسرطان الذين خضعوا لعلاج CAR-T، ولم تكن هناك دليل على مهاجمة خلايا المتبرع لجسم المريض الخاضع للعلاج. لكن الباحثين ما زالوا يحاولون التعرف على ما إذا كان جسم المريض سيرفض خلايا المتبرع هذه بعد فترة.

أحد المخاوف الرئيسة المتعلقة بالسلامة والتي لوحظت لدى بعض المرضى الذين خضعوا لعلاج خلايا CAR-T لعلاج السرطان هو ظهور أورام سرطانية جديدة، على الرغم من أن الباحثين ما زالوا يحققون فيما إذا كانت هذه الخلايا السرطانية الجديدة لها علاقة بالعلاج. قال بيكر إنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان المصابون بأمراض المناعة الذاتية والذين خضعوا للعلاج بخلايا CAR T من متبرع سيواجهون هذا الاحتمال. "الوقت كقيل لإخبارنا بذلك."

يقول بيكر إن المسألة هي ما إذا كانت المقاربة نفسها ستنجح لو طُبقت على عدد كبير من المرضى، وما مدى ثبات  هذا العلاج. "هل سيبقى هؤلاء المرضى بدون أعراض على مدى سنوات؟"



مصادر من داخل وخارج النص 

1- https://fastercapital.com/arabpreneur/هندسة-الخلايا-والأنسجة-التطورات-في-هندسة-الخلايا-والأنسجة--نظرة-شاملة.html


2- https://altibbi.com/مصطلحات-طبية/علم-المناعة/مرض-المناعة-الذاتية

3- https://ar.wikipedia.org/wiki/تعديل_كريسبر


4- https://www.cell.com/cell/abstract/S0092-8674(24)00701-3?_returnURL


5- https://altibbi.com/مصطلحات-طبية/الامراض-الجلدية/تصلب-مجموعي


6- https://ar.wikipedia.org/wiki/نسيج_ضام


7- https://ar.wikipedia.org/wiki/مستقبل_مستضد_خيمري


8- https://www.nature.com/articles/d41586-022-00241-0


9- https://www.nature.com/articles/nature.2017.22304


10- https://www.nature.com/articles/d41586-024-00169-7


11- https://www.mayoclinic.org/ar/diseases-conditions/lupus/symptoms-causes/syc-20365789


12- https://www.nature.com/articles/d41586-024-00470-5


13- https://www.moh.gov.sa/HealthAwareness/EducationalContent/Diseases/Nervous-system/Pages/005.aspx


14- https://ar.wikipedia.org/wiki/ضد_ذاتي_(مناعة)


15- https://www.nature.com/articles/d41586-024-00809-y


15- https://www.nejm.org/doi/10.1056/NEJMoa2300709


16- https://www.cell.com/cell/abstract/S0092-8674(24)00701-3


17- https://my.clevelandclinic.org/health/articles/24673-cancer-remission


18- https://ar.wikipedia.org/wiki/اعتلال_عضلي


19- https://www.nejm.org/doi/10.1056/NEJMoa2308917


20- https://ar.wikipedia.org/wiki/متلازمة_إفراز_السيتوكين


المصدر الرئيس

https://www.nature.com/articles/d41586-024-03209-4


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق