بقلم أنتوني جياني ڤاكارو، باحث ما بعد الدكتوراه في علم النفس، كلية دورنسيف للآداب والفنون والعلوم التابعة لجامعة جنوب كاليفورنيا
المترجم: عدنان احمد الحاجي
المقالة رقم 265 لسنة 2024
Mixed emotions – neuroscience is exploring how your brain lets you experience two opposite feelings at once
Anthony Gianni Vaccaro , Postdoctoral Research Associate in Psychology, USC Dornsife College of Letters, Arts and Sciences
September 23, 2024
أعداد كبيرة من الآباء أو الأمهات من جميع أنحاء البلاد في بداية الدراسة مؤخرًا أخذت اولادها (الذكور والأناث) إلى الجامعات لأول مرة. قد تثير هذه النقلة زوبعة من المشاعر: ألم الفراق، والحزن على التغير الدائم الذي حدث لديناميكية الأسرة [بعد انتقال هؤلاء إلى السكن في حرم جامعاتهم زو بالقرب منه]، وعدم معرفة ما سيحدث في المستقبل - ولكن أيضًا ما تنطوي عليه هذه النقلة من مشاعر الفخر التي تنتاب أولياء الأمور حين يرون أولادهم ينتقلون نحو نوع من الاستقلالية والاعتماد على النفس. قد يصف البعض هذا الفراق بين العائلة وولدها بأنه فخر مشوب بألم الفراق، أو يقولون إنهم يشعرون بمشاعر مختلطة (مزيج من المشاعر الإيجابية والسلبية).
في هذا السيناريو، ماذا ستفعل لو طلبت منك تقييم شعورك تجاه هذا الفراق على مقياس من 1 إلى 9، حيث يمثل الرقم 1 الأكثر سلبية و9 الأكثر إيجابية؟ يبدو هذا السؤال سخيفًا نظرًا للظروف – كيف يمكن أن تقيّم هذا المزيج من الشعور المختلط؟ بيد أن هذا المقياس هو ما يستخدمه الباحثون في علم النفس غالبًا لعمل مسح استقصائي للمشاعر في الدراسات العلمية، حيث يتعاملون مع الانفعالات على أنها إما إيجابية أو سلبية، ولكن لا يتعاملون مع كليهما معًا.
أنا باحث في علم الأعصاب (1) أتناول بالدراسة كيف تُمثل المشاعر المختلطة في الدماغ. هل يشعر الناس بالفعل بمشاعر إيجابية وسلبية في الوقت نفسه؟ أم أننا ننتقل بسرعة من نوغ إلى آخر وهكذا دواليك؟
تأثير الإنفعالات
يُعرّف الباحثون أحيانًا الانفعالات بأنها حالات في الدماغ والجسم تدفع تجاه الأشياء أو بعيدًا عنها لتجنبها. عادة ما يشعر بها الناس على أنها إما انفعالات إيجابية أو سلبية.
لو كنت تمشي في وسط غابة ولاحظت دبًا، تتسارع معدلات دقات قلبك وتنفسك، مما يبعثك على الهروب - ويساعدك ربما على اتخاذ قرار من شأنه أن ينجيك يبقيك على قيد الحياة. قد يصف الكثير من الباحثين الاستجابة هذه بأنها انفعال "الخوف."
وبالمثل، فإن ما تشعر به من مشاعر دافئة (مشاعر مودة) تجاه أحبائك (أفراد عائلتك مثلًا) تجعلك ترغب في البقاء حولهم وتعزيز تلك العلاقة معهم، مما يساعد على تقوية شبكتك الاجتماعية (2) ونظام الدعم لك من العائلة والأصدقاء.
تساعد وجهة النظر هذه التي تعتمد على الإقبال على الانفعالات وتجنبها في ذات الوقت (انفعالات مختلطة بين الإيجابية والسلبية) في تفسير سبب تطور الانفعالات ومدى تأثيرها في عملية اتخاذ القرار. لقد استخدمها الباحثون (3) كمبدأ إرشادي عند محاولتهم اكتشاف البيولوجيا الكامنة وراء الانفعالات (4).
لكن المشاعر المختلطة لا تتناسب مع هذا الإطار. إذا كانت الأجهزة البيولوجية (5) المتضادة تثبط أو تمنع بعضها بعضًا، وإذا كانت الإنفعالات بيولوجية، فلن تتمكن من الشعور بالضدين في نفس اللحظة. هذا المنطق يعني أنه من المستحيل الاحتفاظ بانفعالين متضادين في وقت واحد؛ وأنما عليك أن تنتقل من انفعال إلى ضده جيئة وذهابًا. ومن ذلك الحين طرح الباحثون النظريات الأولى التي تناولت الأسس البيولوجية للانفعالات، وعليه وضعوا تصورًا للانفعالات المختلطة.
فك تشابك بيولوجيا الانفعالات المختلطة
لا تزال الأساليب السائدة لقياس المشاعر تتعامل مع الإيجابية والسلبية كجانبين متقابلين من طيف الانفعال (6). لكن الباحثين وجدوا أن المشاركين في دراساتهم عادة ما يبلغون عن انفعالات مختلطة.
على سبيل المثال، يشعر الناس من جميع الخلفيات الثقافية ببعض المشاعر، مثل الحنين إلى الماضي (7، 8) والذهول (الشعور بالرهبة) (9)، باعتبارها انفعالات إيجابية وسلبية في نفس الوقت.
وجدت إحدى المجموعات البحثية أن الاستجابات الفسيولوجية للمتطوعين - كـ معدل دقات القلب وموصلية (خاصية) الجلد الكهربية (10) - أظهرت أنماطًا فريدة خلال الانفعالات المثيرة للاشمئزاز المضحكة (11)، مقارنة لو كانت كلا النوعين من الانفعالات المثيرة للإشمئزاز والمثيرة للضحك على حدة. وهذا يعني أن انفعالات الاشمئزاز والانفعالات المضحكة حدثت بالفعل بالتزامن في في وقت واحد لتكوين انفعالات جديدة من الانفعالين المزبورين.
في نتيجة تبدو متناقضة، فإن الدراسة التي وظفت التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI، لدراسة استجابات الدماغ للفكاهة المثيرة للاشمئزاز (12)، لم تجد نمط (بصمة) نشاط الدماغ يتميز عن نمط الاشمئزاز الجلي. يبدو أن حالات الدماغ لدى الذين أبلغوا عن شعورهم بالاشمئزاز والبهجة في نفس الوقت تعكس الاشمئزاز فقط، وليس نمطًا فريدًا لنوع جديد من انفعالات مختلطة.
لكن دراسات الرنين المغناطيسي الوظيفي تعتمد بشكل عام على أخذ متوسط نشاط الدماغ في كل شخص على حدة في وقت معين. جوهر المسألة – الشعور واقعًا بانفعالات مختلطة مقابل المراوحة بين حالتي الانفعالات الإيجابية والسلبية – يتعلق بما يفعله الدماغ بمرور الزمن. من الممكن أنه بالنظر إلى متوسط نشاط الدماغ في وقت معين من الأوقات، انتهي الأمر بأن وحد الباحثون نمطًا يشبه إلى حد كبير انفعالًا واحدًا - في هذه الحالة، الاشمئزاز - لكنهم يفتقدون معلومات مهمة بخصوص كيف يتغير نشاط الدماغ أو يبقى على حاله من لحظة إلى أخرى..
انفعالات مختلطة في الدماغ
وللتعمق في هذا الاحتمال، أجريت دراسة لمعرفة ما إذا كانت الانفعالات المختلطة مرتبطة بحالة دماغية فريدة بقيت ثابتة بمرور الزمن (12).
أثناء وجودهم في جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي، شاهد المشاركون مقطع فيديو لرسوم متحركة قصير فيه متعة مشوبة بألم عن سعي فتاة صغيرة طوال حياتها، بدعم من والدها، لتصبح رائدة فضاء. ولتخريب مفاجئة المشهد: توفي والدها. بعد تصوير أدمغتهم بالرنين المغناطيسي الوظيفي، شاهد هؤلاء الأشخاص أنفسهم مقطع الفيديو نفسه وقاموا بوضع علامة على الأوقات المعينة التي شعروا فيها إما بانفعالات إيجابية، أو سلبية أو مختلطة.
بحث الباحثون عن مناطق الدماغ التي فيها نشاط أعلى من المتوسط (الملونة بالأحمر) أو أدنى من المتوسط (ملونة بالأزرق) خلال لحظات من مشاهدة مقطع من الفيلم إلكتروني "One Small Step" في ستوديو تيكو Taiko Studio والتي أثارت مشاعر مختلطة.
لقد اكتشفت أنا وزملائي أن الانفعالات المختلطة لا تظهر أنماطًا فريدة ومتسقة في مناطق الدماغ العميقة، مثل منطقة اللوزة الدماغية، التي تلعب دورًا مهمًا في الاستجابات السريعة للعناصر المهمة من الناحية الانفعالية (13). ومن المثير للدهشة للقشرة الجزيرية (14)، وهي منطقة من الدماغ تربط مناطق الدماغ العميقة (مثل اللوزة الدماغية) بالقشرة الدماغية، تظهر أنماطًا متسقة وفريدة من نوعها لكل من الانفعالات الإيجابية والسلبية، ولكن ليس للانفعالات المختلطة. لقد أخذنا هذه النتيجة على أنها تعني أن مناطق مثل اللوزة الدماغية والقشرة الجزيرية كانت تعالج الانفعالات الإيجابية والسلبية على أنهما حدثان غير متقاطعين.
لكننا لاحظنا أنماطًا فريدة ومتسقة في المناطق القشرية، مثل القشرة الحزامية الأمامية (15)، التي تلعب دورًا مهمًا في التحكم في الانفعالات (16)، وقشرة الفص قبل الجبهي البطني الأنسي، وهي مهمة للتنظيم الذاتي والتفكير المركب (17 - 19).
يبدو أن مناطق الدماغ هذه الموجودة في القشرة الدماغية والتي تقوم بوظائف أكثر تقدمًا تمثل حالات أكثر تعقيدًا، مما يسمح للشخص بالشعور بانفعالات مختلطة واقعًا. مناطق الدماغ، مثل القشرة الحزامية الأمامية وقشرة الفص قبل الجبهي البطني الإنسي، تدمج العديد من مصادر المعلومات، وهي ضرورية للقدرة على تكوين انفعالات مختلطة.
تتوافق النتائج التي توصلنا إليها أيضًا مع ما يعرفه الباحثون عن تطور الدماغ والانفعالات. ومن المثير للاهتمام أن الأطفال لا يبدأون في فهم الانفعالات المختلطة أو الإبلاغ عنها إلا في وقت متأخر من مرحلة الطفولة (20). يتوافق هذا الخط الزمني مع ما يعرفه الباحثون عن كيف يؤدي تطور مناطق الدماغ هذه إلى تنظيم وفهم الانفعالات بشكل أكثر تقدمًا (21).
ماذا يحدث لاحقَا
كشفت هذه الدراسة شيئًا جديدًا حول كيف تتشكل الانفعالات المركبة في الدماغ، ولكن لا يزال هناك الكثير مما ينبغي علينا تعلمه.
تعد الانفعالات المختلطة مثيرة للاهتمام، جزئيًا، بسبب دورها الممكن خلال أحداث الحياة المهمة. في بعض الأحيان، الانفعالات المختلطة تساعد على التعامل مع التغييرات الكبيرة وتحولها بعد ذلك إلى ذكريات عزيزة. على سبيل المثال، قد تشعر بمشاعر إيجابية وسلبية عندما يقيم أصدقاؤك حفلًا وداعيًا كبيرًا لك قبل انتقالك إلى مدينة أخرى لتباشر وظيفة أحلامك.
مقطع فيديو: https://youtu.be/IoVbd_dZYMk
وفي أحيان أخرى، تكون الانفعالات المختلطة سببًا قائمًا لضائقة تتعرض لها. حتى لو كنت تعلم أنك ستنفصل عن زوجك، فهذا لا يعني أن كل الانفعالات؛ الإيجابية تجاهه أو تجاهها ستختفي تلقائيًا، أو أن الانفصال لن يسبب بعض الألم.
ما سبب هذا الاختلاف في النتيجة؟ هل يمكن أن يكون لهذه الاختلافات علاقة بكيف يمثل الدماغ هذه الحالات الانفعالية المختلطة بمرور الزمن؟ فهم الانفعالات المختلطة بشكل أفضل قد يساعد الناس على التأكد من أن أنواع المشاعر القوية هذه تصبح ذكريات عزيزة تساعدهم على النمو والتعافي، بدلاً من ذكريات الوداع المؤلمة التي يخفقون في نسيانها وتجاوزها.
مصادر من داخل وخارج النص
1- https://scholar.google.com/citations?user=Ee2mE18AAAAJ&hl=en&oi=ao
2- https://ar.wikipedia.org/wiki/الشبكة_الاجتماعية
3- https://www.nature.com/articles/s41467-021-22730-y
4- https://www.nature.com/articles/379449a0
5- https://ar.wikipedia.org/wiki/جهاز_حيوي
6- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0065260108004048?via=ihub
7- https://ar.wikipedia.org/wiki/حنين
8- https://psycnet.apa.org/doiLanding?doi=10.1037/xge0001521
9- https://link.springer.com/article/10.1007/s42761-024-00243-3
10- https://ar.wikipedia.org/wiki/نشاط_جلدي_كهربي
11- https://onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1111/psyp.12064
12- https://academic.oup.com/cercor/article-abstract/34/4/bhae122/7639057?redirectedFrom=fulltext
13- https://www.nature.com/articles/35077083
14- https://ar.wikipedia.org/wiki/فص_جزيري
15- https://ar.wikipedia.org/wiki/قشرة_حزامية_أمامية
17- https://www.biologicalpsychiatryjournal.com/article/S0006-3223(17)32203-5/abstract
18- https://ar.wikipedia.org/wiki/تنظيم_انفعالي_ذاتي
19- https://mawdoo3.com/الفرق_بين_التفكير_البسيط_والمركب
20- https://journals.sagepub.com/doi/10.1111/j.1467-9280.2007.01870.x
21- https://link.springer.com/chapter/10.1007/978-3-030-17332-6_4
المصدر الرئيس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق