العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء: الطفولة القاسية قد قد تفجر عبقرية الطفل الإبداعية

بقلم كارلو فاليريو بيلييني، أستاذ طب الأطفال، جامعة سيينا

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

المقالة رقم 49 لسنة 2025

دراسة جديدة:

*الطفولة القاسية قد تفجّر عبقرية الطفل*

عدنان أحمد الحاجي

https://sobranews.com/sobra/316306

صحيفة صُبرة

How a troubled childhood can foster creative talent – new study

February 12, 2025

يعتقد الكثيرون أن إبداع الطفل لا يمكن أن يزدهر إلا في حضن أسرة دافيء تسوده المحبة والرعاية والدعم. رغم أن الموهبة الفنية ⁽¹⁾ قد تزدهر في بيئة مريحة، إلا أن الأبحاث أثبتت أن هذا ليس هو الحال دائمًا ⁽²⁾.

قد يبدو الأمر متناقضًا، لكن دراسة ⁽³⁾ وجدت أن الكثير من المبدعين الذين عاشوا مرحلة طفولة سلبية أو قاسية (يسودها سوء المعاملة والإهمال ويعاني منها الطفل بدنيًا أو نفسيًا أو عاطفيًا أو اجتماعيًا) ⁽⁴⁾. في الواقع، فإن الكثير من الفنانين المشهورين مدينون بعبقريتهم لأحداث مرحلة طفولة قاسية ⁽⁵⁾ هربوا منها بخلق عوالم ذهنية شعروا فيها بالحرية ساعدتهم على تنمية مواهبهم.

ومن ضمن الأمثلة الشهيرة عباقرة فنون مثل الرسام الهولندي فينسنت فان جوخ ⁽⁶⁾، والكاتب التشيكي فرانز كافكا ⁽⁷⁾، والكاتب والشاعر والناقد الأدبي الأمريكي إدغار آلان بو ⁽⁸⁾، والكاتبة الإنجليزية فيرجينيا وولف ⁽⁹⁾، وكاتبة الأغاني الأيرلندية سينيد أوكونور ⁽¹⁰⁾، الذين عاشوا جميعًا طفولة صعبة ولكنهم واصلوا تنمية مهاراتهم ومواهبهم الفنية العظيمة. ومن المؤسف، وربما ليس من المستغرب، الاضطرابات العصبية وغيرها من مشكلات الصحة العقلية التي عاشوها حدت في كثير من الأحيان من مواهبهم.

وقد لاحظ المبدعون هذا الأمر في بعضهم البعض. يصف الفيلسوف والكاتب والروائي والكاتب المسرحي والناقد الأدبي الفرنسي جان بول سارتر ⁽¹¹⁾ في سيرته الذاتية المطولة لطفولة الروائي الفرنسي غوستاف فلوبير ^{(12، 13}⁾ كطفل غير مرغوب فيه ومهمل، وكان والداه يعتبرانه متخلفًا عقليًا. عنوان كتاب سارتر يُظهر مدى أهمية هذا الأمر بالنسبة لهوية غوستاف: "غبي العائلة."

الهروب من المعاناة في مرحلة الطفولة

دراستي الأخيرة ⁽¹⁴⁾ تكشف عن مدى تطور الإبداع البشري، والذي قد يقتفي مسارين: قد يكون محاكاة لنماذج أبوية (أي ما يتعلق بالأم والأب أو بأحدهما) الهادئة واللطيفة والدمثة التي تمثل مصدر الهام لحث الطفل على النجاح والتحسن في الأداء، أو قد يكون الإيداع وسيلة للطفل لإدارة قلقه الناجم عن غياب النماذج الأبوية هذه.

وكما يبين الطبيب والمحلل النفسي الإنجليزي دونالد وينيكوت ⁽¹⁵⁾ في كتابه الرائد الصادر عام 1971 بعنوان "لعب وواقع" ^{(16، 17}⁾، أن الأطفال يخففون من قلق الانفصال المؤقت عن والديهم بمحاولتهم تهدئة أنفسهم بأشياء (تسمى "أشياء الراحة" التي من شأنها أن توفر لهم الراحة والشعور بالأمان ⁽¹⁸⁾) أو سلوكيات تحل مؤقتًا محل غياب عاطفة والديهم أو اهتمامهم وعنايتهم.

وإذا كان غياب والديهم طويلاً وصعبًا، فإن هذه السلوكيات تستمر، ويمكن أن تتطور من خلال التكرار إلى مهارة إبداعية. ولسوء الحظ، إلى جانب الإبداع، قد يواجه هؤلاء الأطفال أحيانًا صعوبات سلوكية قاسية، وصعوبات في العلاقات الاجتماعية.

وقد اقترح بعض الأكاديميين نموذجًا ⁽¹⁹⁾ لتفسير هذه الظاهرة. إلى مستوى معين من الانفصال عن الأبوين أو إهمالهما، تنمو القدرة على تنمية المواهب، ولكن بعد تجاوز حد معين، تنخفض هذه القدرة وتصبح التغيرات التي تطرأ على السلوك الاجتماعي أكثر حدة (أكثر عدوانية).

ولذلك فمن المرجح أن مواهبنا، التي سنفتخر بها عندما نكبر، تترسخ جذورها في الأشهر القليلة الأولى من حياتنا. نقضي بقية حياتنا في صقل هذه السلوكيات الإبداعية التي اكتسبناها، أو لجأنا إليها، عندما كنا أطفالًا.

بمراقبة الأطفال الصغار عن كثب، وجدت باحث علم النفس ماري أينسورث Mary Ainsworth أن أسلوب التعلق ⁽²⁰⁾ عند الإنسان يتحدد بالفعل في السنة الأولى من حياته. وقد توصلت دراسات أخرى إلى نبوغ مبكر مماثل لمهارات عقلية أخرى، ومن المرجح أن ينطبق هذا على الإبداع أيضًا. تخلي الوالدين المبكر عن الطفل أو اهمالهما له قد يكون له تبعات وخيمة، ولكنه قد يكون أيضًا مصدرًا لإبداعه، لأنه يساعده على البقاء على قيد الحياة.

تحديات تربية الأبناء في العصر الحديث

في يومنا هذا، العلاقات العاطفية الوجدانية بين الوالدين وأبنائهما أصبحت أكثر إشكالية بشكل متصاعد. غالبًا ما تعني التحولات الثقافية أن الوالدين، الذين يتبنون التربية الحديثة المستندة إلى العلم والمعلومات المثبتة علميًا ⁽²¹⁾، إما أن يكون لديهما افراط أو تفريط في تركيزهم على تربية طفلهما. وقد تغيرت عادات العمل أيضًا، مما يعني أنه من الشائع انفصال الطفل عن والديه في المراحل الأولى من حياته بسبب طبيعة عمل والديه.

ولذلك فمن غير المستغرب أن يلجأ الأطفال الصغار اليوم إلى عالم موازٍ يحل محل اهتمام وعناية والديهم لهم أو يكون مكملًا له، حيث يتيح لهم ذلك في كثير من الأحيان تطوير قدرات ومواهب إبداعية كبيرة، ومنها في علوم الكمبيوتر وألعاب الفيديو ⁽²²⁾. بيد أن وقت الشاشة مرتبط أيضًا بمستويات عالية من التوتر والقلق والعزلة ⁽²³⁾، خاصة عندما يكبر الأطفال ويصبحون مراهقين.

تشير الدراسات إلى أن الموقف الداعم مهم ابتداءً من سنوات المدرسة الأولى، ولكن الوالدين قد يكونا في كثير من الأحيان غائبين جسديًا أو بعيدين ذهنيًا أو مشتتي الانتباه عن أبنائهما. ويمكن أن يؤدي هذا إلى طيف من المشكلات المتعلقة بالصحة العقلية ⁽²⁴⁾، حيث تتشكل الخرائط الادراكية (الخرائط الذهنية ⁽²⁵⁾) الأولى والأكثر حسمًا للطفل في المراحل الأولى من الحياة - والتدخل المتأخر يكون حينئذ أقل فعالية.

والخبر السار هو أن هذا البحث يمكن أن يساعد في تحديد الحالات التي قد يعاني فيها الطفل من مصاعب ومشكلات في حياته، كما يساعد على التدخل في الوقت المناسب. كما أنه يسلط الضوء بشكل أكثر على الأهمية النفسية العميقة والفطرية لمواهب وإبداعات الأطفال، بل وحتى الكبار.

مصادر من داخل وخارج النص

1- "المواهب الفنّية artistic talent تشير إلى تمتُّع الفرد بالحِسّ الجمالي الفريد، والقدرة على التعبير عن نفسه بصريّاً، من خلال أعماله الفنّية، المهارات والقدرات الفنّية كثيرة، ومنها: موهبة الرسم بأنواعه المختلفة وفن النحت؛ والتصوير الفوتوغرافي؛ بالإضافة إلى التصميم الداخلي، وتصميم الأزياء؛ وفن الرسوم المُتحرِّكة؛ وموهبة الخطّ؛ وكتابة النصوص بصياغة سلسة كالقصص والمقالات؛ وموهبة التمثيل، والموسيقى، والإنشاد.” مقتبس بتصرف من نص ورد على هذا العنوان:

https://sharjah24.ae/ar/Articles/2024/10/10/NJ492

2- https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC10147018/

3- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/30802732/

4- https://ar.wikipedia.org/wiki/تجارب_الطفولة_السلبية

5- https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC5812101/

6- https://ar.wikipedia.org/wiki/فينسنت_فان_خوخ

7- https://ar.wikipedia.org/wiki/فرانس_كافكا

8- https://ar.wikipedia.org/wiki/إدغار_آلان_بو

9- https://ar.wikipedia.org/wiki/فرجينيا_وولف

10- https://ar.wikipedia.org/wiki/سينيد_أوكونور

11- https://ar.wikipedia.org/wiki/جان_بول_سارتر

12- https://ar.wikipedia.org/wiki/جوستاف_فلوبير