الجمعة، 3 مارس 2017

البِلوّرات الزمانية - كيف انشأ العلماء حالة مادة جديدة

٢١ فبراير ٢٠١٧

ترجمه ابو طه / عدنان احمد الحاجي



المقالة رقم ٩٥ لسنة ٢٠١٧ 

مقدمة المترجم 

 يقف الانسان متحيراً بل عاجزاً امام عزم وتصميم بعض العلماء في مطاردة ما يبدو وهماً حتى يصطادوا حقيقة . وعندها تكون المتعة كل المتعة اذا استطاعوا مسك هذه الحقيقة في اليد بل قد تكبر المتعة وتكبر بلا حدود  حينما يرى   اول تطبيق مادي  لها النور. هذا هو العلم الذي قال فيه كما يروى عنه  أمير المؤمنين:  "كفى بالعلم شرفا أن يَدّعيه من لا يُحسِنه، ويفرح به إذا نُسِب إليه، وكفى بالجهل ضِعةً أن يتبرأ منه من هو فيه ويغضب منه إذا ما نُسِب إليه". 

--- النص--



بعض التوقعات الأكثر عمقا في الفيزياء النظرية، كالموجات الثقالية لآينشتاين  وبوسون هيغز "، اخذت عقوداً  من التجارب لإثباتها . ولكن بين الحين والآخر، قد يرسخ التنبؤ  كحقيقة وواقع  بشكل مدهش في وقت قصير . هذا ما حدث مع "البلورات الزمانية"، حالة جمخديدة وغريبة للمادة التي وُضعت كنظرية ثم دحضت وبعد ذلك تم احياؤها وأخيرا تم ابتكارها  في خمس سنوات فقط منذ أن تنبأ بها  لأول مرة في عام ٢٠١٢.

البلورات، مثل الماس والكوارتز، مصنوعة من ذرات مرتبة في نمط متكرر مكانياً. في هذه البلورات الجديدة، تتبع الذرات أيضا  نمطاً  متكرراً، ولكنه زماني. بسبب هذه الخاصية الغريبة، يمكن أن تجد هذه البلورات في يوم ما  تطبيقات في مجال تكنولوجيات ثورية  كالحوسبة الكمومية.
قصة البلورات  الزمانية بدأت في عام ٢٠١٢ مع الحائز على جائزة نوبل فرانك ويلشيك WILCZEK من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. كعالم في الفيزياء النظرية والرياضيات، اتخذ  ويلشيك  خطوة حاسمة في نقل خاصية أساسية للبلورات المنتظمة - تدعى انكسار التناظر  - لإبتكار فكرة البلورات الزمانية.
لفهم ما هو كسر التناظر، تصور  الماء السائل. في قطرات الماء، الجزيئات حرة في التحرك ويمكن أن تكون في أي مكان داخل السائل.  السائل  هو نفسه في أي اتجاه، وهذا يعني أن لديه درجة عالية من التناظر. إذا تجمد الماء ليكون جليداً، قوى التجاذب بين الجزيئات تجبرها على إعادة ترتيب نفسها في بلورات، حيث تكون الجزيئات مرتبة على مسافات منتظمة. ولكن هذا الانتظام يعني أن البِلوّرة  ليست متناظرة   كالسائل، لذلك نقول تم كسر تناظر  السائل عندما يتجمد السائل الى ثلج.
انكسار التناظر هو واحد من أكثر المفاهيم العميقة في الفيزياء. وهو من وراء تشكل البلورات، ولكنه أيضا يظهر في العديد من العمليات الأساسية الأخرى. على سبيل المثال، فإن ميكانيزم  هيغز الشهيرة، والتي تفسر كيف تتجمع لتشكل الجسيمات دون الذرية  الكتلة، هي  عملية كسر التناظر.
مرة أخرى في عام ٢٠١٢، جاء ويلشيك بفكرة محيرة. وتساءل عما إذا،  بنفس الطريقة التي تكسر فيه البلورة التناظر في الحيّز ، فإنه سيكون من الممكن ابتكار  انكسار بلوري   يعادل التناظر  في الزمن. وكانت هذه هي المرة الأولى التي جيء  بفكرة بلورة الزمان.

ومثل هكذا جسم لديه تناسق زماني جوهري، أي  يعادل النمط المنتظم للبورة  في الحيّز . لبلورة الزمان، فإن النمط يكون متغيراً باستمرار  ذهابا وإيابا في واحدة من خصائصه الفيزيائية،  نوع  ضربات القلب  المتكررة  بلا نهاية ، تشبه قليلاً  آلة الحركة الأبدية.
آلات الحركة الأبدية، والتي  يمكن أن تعمل لأجل غير مسمى من دون مصدر طاقة،  والتي هي غير ممكنة بموجب القوانين الفيزيائية.  ويلشيك عرف  هذه الشذوذ  لنظرية الكريستال الزمانية التي ابتكرها، و في عام ٢٠١٥، أظهرت مجموعة أخرى من علماء الفيزياء النظرية  ان بلورة الحركة الأبدية  هي في الواقع مستحيلة.
ولكن هذا لم يكن نهاية القصة. ففي عام ٢٠١٦، أظهر بحث جديد أن البلورات الزمانية قد لا تزال موجودة من الناحية النظرية، ولكن فقط لو كان هناك بعض القوة الدافعة الخارجية. وكانت الفكرة أن التناسق الزماني سيكون ساكناً بعض الشيء، بعيدا عن الأنظار، وأن إضافة القليل من الطاقة من شأنه ان يحيه ويكشفه للعيان . وهذا يحل التناقض للحركة الأبدية، ويأتي بآمال  جديدة لوجود بلورات الزمان.
ثم، في صيف عام ٢٠١٦، الظروف لصنع ومراقبة  بلورات الزمن قد  أرشف  كورقة   على الانترنت، ونشر لاحقا في مجلة فيزيكال ريڤيو المحكمة . ودرس الباحثون كيف تكون الخصائص الخاصة للجسيمات المعروفة باسم الدوران المحوري  الكمومي   يمكن عكسه  بشكل متكرر بقوة خارجية على فترات منتظمة. فقد تنبأوا أنهم إذا فعلوا ذلك  بمجموعة من الجسيمات فإن التفاعلات بين الجسيمات سوف تنتج تذبذبات خاصة بها في الدوران المحوري، منشئاً  بلورة زمنية مدفوعة.
في غضون أشهر، اخذت مجموعتان تحربيتان    مختلفتان التحدي على عاتيقيهما لصنع  بلورات زمانية في المختبر. أطلق أحد الفرق نبضات الليزر على  قطار من ذرات الإيتربيوم التي اتنتجت تذبذبات في خصائص الذرات، في فترات مختلفة من النبضات. وهذا يعني أن ذرات الإيتربيوم تتصرف  كبلورة الزمان.
وركز الفريق الآخر على نظام مختلف تماما، يتألف من شوائب في بلورة الماس. استخدموا أفران ميكروويف لبعثرة  الشوائب على فترات محددة مسبقة بعناية ، ولاحظوا نفس النوع من تذبذبات بلورة الزمان  كما حصل عليه الفريق الأول. وفي النهاية،  بلورات الزمان تم استخداثها والأفكار الرئيسية للبرفسور ويلشيك قد أثبت صحتها.
مستقبل البلورة 
التنبؤ وادراك  واكتشاف بلورات الزمان تفتح فصلا جديدا في ميكانيكا الكم، مع تساؤلات عن خصائص  حالة المادة هذه التي  اوجدت حديثا من المسألة، وعما إذا كانت  بلورات الزمان قد تحدث في الطبيعة.
 خصائص كسر التناظر للبلورات العادية  قد أدت الى انشاء  مواد فوتونية وضوئية استثنائية الخصائص، ومواد مصممة عن قصد  تتحكم بشكل انتقائي بالتذبذبات الصوتية والضوء التي يمكن أن تستخدم لتعزيز أداء الأطراف الاصطناعية، أو لزيادة كفاءة الليزر  والالياف البصرية. وبالتالي فإن كسر خصائص  بلورات الزمان من المرجح أن تجد طريقها إلى مجالات جديدة  على قدم المساواه،  كمواد استثنائية الخواص متزامنة  للحوسبة الكمومية، والتي تستخدم الخصائص الكامنة في الذرات لتخزين ومعالجة البيانات.
بدأت قصة بلورات الزمان بفكرة جميلة من قبل عالم الفيزياء النظرية، والآن وقد توجت فصلها الأول بدليل عملي حاسم بعد خمس سنوات فقط. بعيدا عن الاقتراب  من النهاية كما يثبت العلماء نظرياتهم الكبيرة، تبدو الفيزياء انها  أكثر حيوية  من أي وقت مضى.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق