٦ يوليو ٢٠١٧
ترجمه ابو طه / عدنان احمد الحاجي
Facts versus feelings isn’t the way to think about communicating science
المقالة رقم ٢٩٨ لسنة ٢٠١٧
في عالم حيث كانت كلمة "ما بعد الحقيقة" هي كلمة عام ٢٠١٦، بدأ كثير من الناس يشككون في نجاعة الحقائق. هل يمكن للعلوم أن تعطي معنى لرفض العلم وما بعد الحقيقة ؟ وبشكل أعم، كيف يمكننا أن نفهم ما الذي يدفع بمعتقدات وقرارات وسلوكيات الناس؟
فقد وضع العلماء العديد من النظريات لوصف كيف يعالج ويفكر الناس في المعلومات. لسوء الحظ، هناك اتجاه متزايد لرؤية الناس كمخلوقات تعتمد آلياتهم المنطقية إلى حد كبير على مجموعة ضيقة من العمليات. على سبيل المثال، احدى النظريات المعروفة تشير إلى أنه إذا قمنا بمجرد تبليغ المعلومات بأكثر دقة للناس، فإن سلوكهم يتغير وفقا لذلك. وتشير نظرية آخرى إلى أن الناس سيرفضون الدليل إذا كان يهدد آراءهم الثقافية السائدة الراسخة والمشاعر المرتبطة بها.
من المهم أكثر من أي وقت مضى أن تكون مقاربتنا للتبليغ قائمة على الأدلة ومبنية على أساس نظري قوي. العديد من هذه النماذج تسهم في رؤى قيمة ويمكن أن تساعدنا على تصميم تبيليغ بشكل أفضل، ولكن كل منه غير مكتمل لوحده. ويميل مبلغوا العلوم إلى التبسيط، مركزين على نموذج واحد وتجاهل النظريات الأخرى.
نحن نقترح أن هذه ممارسة خطيرة وأقل فعالية من وجهة نظر أكثر دقة وشمولية. الخيار الواضح بين "الحقيقة" و "المشاعر"، أو بين "الإدراك" و "الثقافة" هي اشكالية كاذبة. في الواقع، كلاهما يرتبط ويعالج اجزاءاً مختلفة من لغز (عملية) اتخاذ القرار.
التفكير مقابل المشاعر
احدى النظريات المعروفة حول كيف يستوعب الناس الحقائق الجديدة هي "نموذج فقر المعلومات". الفكرة الرئيسية هنا واضحة: لو ألقيت المزيد من الحقائق على الناس، فإنهم سوف يجتمعون في نهاية المطاف حول قضية ما.
ويتفق معظم علماء العلوم السلوكية على أن هذا النموذج من التفكير والسلوك البشري غير مكتمل بشكل واضح - يعتمد الناس على مجموعة من النماذج الأخرى إلى جانب الحقائق في توجيه مواقفهم وسلوكهم. على سبيل المثال، في بعض الأحيان نتصرف ببساطة على أساس ما نشعر به عن قضية ما. وللأسف، فإن الحقائق لا تقنع دائما.
ولكن مصطلح "فقر المعلومات" يثير مشاكل أيضا. الناس يميلون إلى امتلاك معلومات محدودة في معظم مجالات الحياة. على سبيل المثال، نحن في كثير من الأحيان لا نعرف أفكار ومشاعر الآخرين الذين نثق بهم ونحمل لهم قيمة. وبالمثل، قد يكون لدينا معرفة محدودة حول المعايير الثقافية المناسبة عند السفر إلى بلد جديد، وهلم جرا. فقر المعلومات ليس مصطلحا مفيدا جدا لاستخدامه لوضع نظرية عن التفكير البشري.
نظرية أخرى عن التفكير البشري تسمى "الإدراك الثقافي". وباختصار، فإنها تشير إلى أن قيمنا الثقافية ووجهات النظر السائدة تشكل كيف نفكر في العلوم والمجتمع.
فإنه من السهل أن تكون مخدوعاً في التفكير ان الدماغ البشري هو كالإسفنجة تمتص فقط المعلومات التي تريد أن تصدق بها. على سبيل المثال، تشير النظرية إلى أن موقف الناس من القضايا المثيرة للانقسام كتغير المناخ لا يسترشد بالأدلة العلمية بل بالأحرى بالالتزام القوي لجماعاتهم السياسية وأيديولوجياتهم. والفكرة هي حماية وجهات نظرنا الثقافية السائدة، ونحن نرفض بشكل فعال الأدلة التي تهددها - فكر في شخص يخشى أن يقوض عمل الحكومة على تغير المناخ السوق الحرة.
وباختصار، تبدو هذه السردية جذابة على السطح، حيث ينظم البشر نفسه في مجموعات، وقد أظهرت الكثير من الأبحاث النفسية أننا نستمد جزءا من هوياتنا الاجتماعية من انتماءات المجموعة التي نحافظ عليها.
ومع ذلك، فإن تركيزه ضيق للغاية، وهناك مغالطة منطقية في مفهوم التفكير البشري هذا. نحن ننتمي إلى العديد من المجموعات في أي وقت من الأوقات، ونتقاذف العديد من الهويات العامة والخاصة المختلفة. السؤال الحقيقي هو حول الفروق الدقيقة. متى وتحت أي ظروف يكون شخص ما مدفوعاً لرفض الحقائق العلمية لصالح رؤيتهم الثقافية السائدة ؟
إما ان تصيب أو ان تخطيء الهدف
ان نرمي كل بيض نشر الحقيقة الذي عندنا في احدى السلال النظرية او في الأخرى هو امر مفرط في التبسيط ويحرمنا من رؤى هامة.
يدرك المنظور الأكثر دقة بأن الوقائع والمعلومات متضمنة في السياقات الاجتماعية والثقافية. على سبيل المثال، تصور الناس لإجماع الخبراء مهم كثيراً، وخاصة على القضايا المتنازع عليها، وغالبا ما توصف بأنها اعتقاد يؤثر على مجموعة من المواقف الأخرى من قضية ما. إن التوافق شبه المجمع عليه في أن اللقاحات لا تسبب التوحد أو أن تغير المناخ يسببه الإنسان كلها حقائق علمية. وفي الوقت نفسه، فإن معلومات الإجماع هي أيضا اجتماعية بطبيعتها: وهي تصف مدى الاتفاق داخل مجموعة مؤثرة من الخبراء.
وكثيرا ما يرغب الناس في أن يكونوا دقيقين في آرائهم، وفي عالم غير مؤكد يحده الوقت والجهد المحدودين، نحن نعلق رهانات استراتيجية على المعلومات التي يجب أخذها في الاعتبار. أفعال الإجماع باعتباره حدس مهني طبيعي ( تعريف من خارج النص :حدس المهني:( heuristic) هو مصطلح يشير إلى الطرق المستخدمة في حل المشاكل الإنسانية والالية باللجوء إلى التجارب أو الخبرات التقنية.ويعرف معجم اللغة العربية في القاهرة الحدس المهني بأنه المقدرة النامية للفرد لحل المشاكل عن طريق الخبرة الطويلة.)، أو الاختصار العقلي لقضايا علمية معقدة. وقد وجدت دراسات عديدة أن تسليط الضوء على التوافق العلمي بشأن الاحترار العالمي الناجم عن الإنسان يمكن أن يساعد على تحييد وتقليل وجهات النظر المتضاربة بشأن تغير المناخ.
وبالمثل، في حين أن بعض الدراسات وجدت تأثيراً محدوداً للمعرفة على الرأي، فعندما تبحث أعمق في البيانات، تظهر صورة أكثر دقة وثاقبة. على سبيل المثال، تدعي بعض الدراسات أن الفقر في "المعرفة" العلمية لا يفسر سبب انقسام الناس حول القضايا المتنازع عليها كتغير المناخ. ولكن ما يجري قياسه في هذه التجارب مهم.
والواقع أن مؤشرات مثل مدى فهم الناس للأعداد أو معارفهم العلمية - وهو ما تحدده بعض هذه الدراسات فعلا - تختلف اختلافا قاطعاً عن قياس معارف محددة لدى الناس حول موضوع كتغير المناخ. وفي الواقع، خلص مسح أجري في ستة بلدان إلى أنه عندما يفهم الناس أسباب تغير المناخ، يزداد قلقهم وفقا لذلك، بصرف النظر عن قيمهم. وبالمثل، تظهر دراسات أخرى أن التفسيرات المتعلقة بآليات تغير المناخ يمكن أن تقلل من التقييمات المنحازة للأدلة فضلا عن الاستقطاب السياسي.
باختصار، الحقائق مهمة.
كيف يفكر الناس معقد ودقيق
في الواقع، ليست هناك حاجة لرمي الطفل بماء الحمام. وبدلا من ذلك، نحن بحاجة إلى تبديد الثنائيات الكاذبة وعلم النفس الشعبي حول التفكير البشري الذي يهيمن حاليا على وسائل الإعلام. تكرار قصة ان الناس لا يهتمون بالحقائق تواجه خطر أن تصبح نبوءة محققة لذاتها. وجهة النظر الشمولية تسلم أن الناس يعتمدون على الاختصارات الإدراكية وعلى العواطف ويهتمون بالأعراف الاجتماعية وهويات المجموعة، وأحيانا مدفوعون في منطقهم، ولكنه يعترف أيضا بالبحوث التي تبين أن معظم الناس يريدون أن يحملوا بشكل أساسي تصورات دقيقة عن العالم.
ويكتسي هذا أهمية خاصة نظرا لأن الجمهور يعرقله حاليا الإخبار المضللة والمزيفة. وفي دراستين منفصلتين، وجدنا أن المعلومات الخاطئة عن تغير المناخ لها تأثير غير متناسب على مواقف ورأي العامة. ومع ذلك، وجدنا أيضا أن تحصين الناس ضد الدعاوى الكاذبة تحيد تأثير التضليل عبر الطيف السياسي. وفي الأساس ، تعليم الناس ما هي الدعاوى الكاذبة التي يمكن نشرها تساعدهم في التغلب على التحيز الثقافي. وتظهر دراسة آخرى بالمثل أن تسييس العلم يمكن مواجهته بالتحصين.
فالناس معقدون واجتماعيون ويتأثرون بمجموعة متنوعة من التأثيرات تبعا للوضع. نحن نريد أن نحافظ على وجهات نظر دقيقة، ولكن العاطفة وهويات المجموعات والأهداف المتضاربة يمكن أن تقف في الطريق. إن دمج هذه الأفكار المختلفة في التفكير الإنساني يثري فهمنا عن كيف يشكلون الناس الآراء ويتخذون القرارات.
ويتطلب تبليغ العلوم الفعال نهجا شاملا وجامعاً لدمج تصورات العلوم الاجتماعية المختلفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق