كتبته إليزابيث بينيسي
١٣ يوليو ٢٠١٧
ترجمه ابو طه / عدنان احمد الحاجي
المقالة رقم ٣٠٤ لسنة ٢٠١٧
كلنا يعرف كم هو صعب يمكن ان يكون تأخير الإشباع . ولكن الحضارة الإنسانية بُنيت حول قدرتنا الفريدة المفترضة على التخطيط - لاستباق الاحتياجات المستقبلية والتضحية الآن لجني الثمار في المستقبل. القرود اطاحتنا من عليائنا الخاصة قبل ما يقرب من عقد من الزمان عندما أظهرت أنها، أيضا، يمكنها أن تخطط للأحداث المستقبلية. الآن، دراسة جديدة عن استخدام الأدوات والمبادلة في الغربان تكشف أن هذه الطيور الذكية قد انضمت إلى النادي - مما يشير إلى أن القدرة على التخطيط للمستقبل يجب أن تكون قد نشأت مرتين على الأقل.
يقول ماركوس بوكل، عالم الأحياء المقارن في جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة الذي لم يشارك في العمل: "توفر هذه التجربة قطعة من اللغز مهمة لفهم تطور السلوك الذكي.
التخطيط هو القدرة على التفكير خلال الأحداث المستقبلية التي تجري في مكان مختلف. قبل عشر سنوات، صمم ماثياس أوسفاث، عالم الأحياء الادراكية في جامعة لوند في السويد، سلسلة من الاختبارات لقياس ما إذا كانت الرئيسات الأخرى مخطِطات.
القرود العليا كالشمبانزي نجحت. وقرود السعادين فشلت. وتقريباً في نفس الوقت، لاحظ الباحثون أن الطيور المعروفة باسم الغرابيات corvids، والتي تشمل القيق ( ابو ازريق) والغربان وغربان الغاق - أظهرت أيضا علامات على التخطيط. وقد كشفت الدراسات التي أُجريت على مدى السنوات ال ٢٠ الماضية أن هذه الطيور يمكنها استخدام الأدوات وإخفاء مخابيء الطعام عن قصد . رأى العديد من العلماء أوجه تشابه وثيقة بين الإنسان والقرد ودماغ الطائر . لكن النقاد يناقشون بأن التخزين المؤقت للأغذية هو سلوك متخصص لا يمثل قدرة تخطيط عامة. لإثبات أن هذه القدرة عامة، اراد (العلماء) ان يظهر الحيوان أن بإمكانه أن يخطط حتى في الوضع الذي لا بواجهه في العادة.
لذلك ابتدأ أوسفاث وطالبه في الدراسات العليا كان كابادائي للجواب على هذا السؤال عن طريق اختبار الطيور بنفس الطريقة التي تُختبر بها القرود، وهذه المرة تم التأكد من أنهم أدرجوا سلوكيات لا تظهر على الطيور عادة. على سبيل المثال، الغربان ليست من مستخدمي الأدوات في العادة، وأنها لا تتقايض مع بعضها البعض، مثل بعض طيور ابو زريق أو غربان الغاق. لذا قام الباحثون أولا بتعليم خمسة غربان بإستخدام حجر مستطيلة كأداة لفتح صندوق فيه طعام كلب مطحون. وتعلمت الطيور أيضا تبادل تلك الأداة بمكافأة - وهي غطاء زجاجة من البلاستيك - من شأنه أن يمكنها من الخصول على مكافأة أفضل. على مدى عدة تجارب قام الباحثون بتبديل قواعد اللعبة، والتغيير عندما كانت المكافآت موجودة وما كان على الطيور القيام به للحصول عليها.
الغربان تختار دائما الأداة المناسبة ليس فقط عندما كان صندوق مكافأة موجوداً، ولكن أيضا عندما كان الصندوق غير موجود لمدة تصل إلى ١٧ ساعة، كما نشر كابادائيKabadayi واسڤاث Osvath هذا اسبوع (١٣ يوليو) في مجلة العلوم. في احدى التجارب، عُرضت على الطيور مكافأة فورية بالإضافة إلى الأداة والعديد من الأشياء الأخرى. وقد اختار ما يقرب من ثلاثة أرباع الطيور هذه الأداة، على الرغم من أنها اضطرت إلى الانتظار لمدة ١٦ دقيقة لاستخدامها للحصول على قطعة أكبر. ومن حيث ضبط النفس، "يمكن أن تفعل هذه الطيور مثل أو أفضل من القرود العليا"، كما يقول أوسفاث.
ثم، بين الباحثون أن الطيور كانت تفكر في نتيجة تأخير الإشباع هذا وهدا ما ثبت حتى الآن فقط في الناس. عندما كان على الطيور أن تنتظر بضع ثوان فقط للوصول إلى صندوق المكافأة، اختارت الانتظار ١٠٠٪ من الوقت، كما افاد الباحثان. و"عندما كان لديها تأخير قصير، كانت الغربان أفضل بكثير في ضبط النفس"، كما يقول اوسفاث.
يقول ناثان ج. إيمري، عالم الأحياء الادراكية في جامعة لندن الذي لم يشارك في البحث: "إنه أوضح برهان على التخطيط المستقبلي في كائن غير إنسان".
وتظهر هذه الاختبارات أن الغربان لديها القدرة على التعرف على وتذكر الأداة، وتوقع فائدتها، وتظهر ضبط النفس في وجه الإغراءات الأكثر إلحاحا، والتي تمثل جميع العناصر الرئيسية من عناصر التخطيط. ويقول أوسفاث: "الغربان يدمجون هذه المهارات بطريقة مماثلة للقردة العليا". ومع ذلك، ولأن النتيجة النهائية فقط هي نفسها لا يعني أن الطيور والقردة تمر من خلال نفس العمليات الادراكية .
وتظهر هذه الاختبارات أن الغربان لديها القدرة على التعرف على وتذكر الأداة، وتوقع فائدتها، وتظهر ضبط النفس في مواجهة الإغراءات الأكثر إلحاحا، وجميع المكونات الرئيسية للتخطيط. يقول أوسفاث: "يجمعون هذه المهارات بطريقة مماثلة كالقردة العليا". ومع ذلك، يضيف، فقط لأن النتيجة النهائية هي نفسها لا يعني أن الطيور والقردة تمر من خلال العمليات المعرفية نفسها.
هذا هو رأي جوناثان ريدشاو، عالم نفس المقارن في جامعة كوينزلاند في بريسبان، أستراليا. فمن الممكن، على سبيل المثال، أن تنشأ هذه النتائج لمجرد أن الغربان تعلمت ربط الأداة أو المكافأة المميزة بالجائزة المعينة ودائما ما تختارها، كما يقول. هذا ليس هو نفسه التخطيط المعقد للمستقبل،
حيث يُظهر المخطِط المرونة في اتخاذ الإجراءات لتلبية المطالب المستقبلية. ويقترح على الفريق في السويد معرفة ما إذا كانت الغربان تواصل اختيار نفس الأداة بعد رؤية صندوق المكافأة مدمراً. فلو تخلىت عن اختيار الأداة، فهذا من شأنه أن يظهر أنها كانت تخطط للمستقبل وليس فقط في عادتها من اختيار الأداة المناسبة للحصول على المكافأة. وإذا ما أثبتت الطيور وجود هذه القدرات، فإن التخطيط المستقبلي لا بد انه قد نشأ مرتين على الأقل، كما يقول أوسفاث. وذلك لأن الطيور والثدييات بدأت تطور طرقها المنفصلة قبل نحو ٣٢٠ مليون سنة. وقال أليكس تايلور، وهو عالم نفسي مقارن في جامعة أوكلاند في نيوزيلندا، إنه لم يكن "تطوراً حدث لمرة واحدة بسبب منعطف تاريخي حاد". إجراء المزيد من الدراسات في علوم الطيور والثدييات من شأنه أن يساعد الباحثين على اكتساب فهم أفضل لما يتطلبه - في ما يخص تشريح الدماغ ووظيفته - من أجل توقع واعتبار ما قد يحدث بعد ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق