الأربعاء، 13 ديسمبر 2017

ماذا لو لم يكن الوعي هو الذي يسير العقل البشري ؟


٢٢ نوفمبر ٢٠١٧
كتبه: ديفيد اوكالي،البرفسور الفخري في السايكلوجيا في جامعة كاليفورنيا في لوس انجليس
وبيتر هالليقان، البرفسور المبجل في السايكلوجيا العصبية في جامعة كارديف 
المترجم؛ ابو طه/ عدنان احند الحاجي 
المقالة رقم ٥٣٤ لسنة ٢٠١٧
التصنيف : ابحاث الدماغ 

November 22, 2017 

الجميع يعرف ما يعني  أن تمتلك  وعياً: انه إحساس  بديهي  بالوعي الشخصي، والذي يعطينا الشعور بالملكية والسيطرة على الأفكار والعواطف والممارسات  التي لدينا   يومياً.
يعتقد معظم الخبراء أن الوعي يمكن تقسيمه إلى قسمين: ممارسة الوعي (أو الوعي الشخصي)، ومحتويات الوعي، والتي تشمل أشياء مثل الأفكار والمعتقدات والأحاسيس والتصورات والنوايا والذكريات والعواطف.
من السهل أن نفترض أن محتويات الوعي هذه تُختار بطريقة أو بأخرى أو ناجمة عن  أو مُتحكم فيها من قبل وعينا الشخصي - بعد كل شيء، الأفكار لا وجود لها حتى نفكر فيها. ولكن في ورقة بحثية جديدة في مجلة فرونتيرز او سايكلوجيFrontiers of Psychology، نحن  ندلل على أن هذا خطأ.
نرى  أن وعينا الشخصي لا ينشأ أو يسبب أو يختار معتقداتنا أو مشاعرنا أو تصوراتنا. ولكن،  محتويات الوعي تُولّد . "وراء الكواليس" من خلال أنظمة سريعة وفعالة وغير واعية في أدمغتنا. كل هذا يحدث دون أي تدخل من وعينا الشخصي، الذي يجلس بشكل غير فعال  ( خامل) في مقعد الراكب  ( اعليق من المترجم: استعارة لطيفة لمن لا يمسك بدفة القيادة) حين تحدث هذه العمليات.
ببساطة، نحن لا نختار  أفكارنا أو مشاعرنا بشكل واعٍ - نحن نصبح على بينة منها.
ليس مجرد إيحاء
إذا كان هذا يبدو غريباً، تصور كيف نستعيد  وعينا بلا جهد  كل صباح بعد فقدانه في الليلة السابقة. كيف حضرت الأفكار والعواطف - أكان مرحباً بها أو خلاف ذلك -   المتكونة  بالفعل في أذهاننا. كيف تنشأ الألوان والأشكال التي نراها في  أشياء  ذات مغزى أو وجوه لا تُنسى بلا  أي جهد أو مدخلات من عقلنا  الواعي .
تصور   أن جميع العمليات العصبية النفسية المسؤولة عن حركة جسمك أو استخدامك كلمات لتشكل جُملاً  تجري دون إشراكك وعيك الشخصي.  نعتقد أن العمليات المسؤولة عن توليد محتويات الوعي تقوم بالشيء نفسه.
تفكيرنا قد أُثّر عليه  بالأبحاث في الاضطرابات العصبية والنفسية العصبية، neuropsychological and neuropsychiatric disorders وكذلك  من دراسات علم الأعصاب المعرفي الأحدث باستخدام التنويم المغناطيسي. وتظهر الدراسات التي تستخدم التنويم المغناطيسي أن مزاج الشخص وأفكاره وتصوراته يمكن أن تتغير بشكل عميق بالإيحاء.
في مثل هذه الدراسات، يمر المشاركون   خلال عملية حث أثناء التنويم المغناطيسي، لمساعدتهم على دخول حالة مركزة وإستغراق ذهني. ثم تُقدم لهم  الإيحاءات  لتغيير تصوراتهم وخبراتهم.
على سبيل المثال، في إحدى الدراسات، سجل الباحثون نشاط الدماغ للمشاركين عندما قاموا برفع ذراعهم عمداً، وعندما رُفعت بواسطة بكرة، وعندما تحركت استجابة لإحياء  أثناء التنويم المغناطيسي على انها مرفوعة بواسطة بكرة  .
وكانت مناطق مماثلة في الدماغ نشطة أثناء الحركة غير الطوعية والحركة الإيحائية "الغريبة"، في حين كان نشاط الدماغ للفعل المتعمد مختلفاً. لذلك، يمكن النظر إلى الإيحاء أثناء التنويم  المغناطيسي  كوسيلة لتوصيل فكرة أو اعتقاد  حيث ، عند قبولها، لديها القدرة على تغيير تصورات الشخص أو سلوكه.
السرد الشخصي
كل هذا قد يترك المرء يتساءل أين أفكارنا، والعواطف والتصورات تأتي في الواقع. ونحن نرى أن محتويات الوعي هي مجموعة فرعية من التجارب والعواطف والأفكار والمعتقدات التي يتم إنشاؤها من خلال عمليات غير واعية داخل أدمغتنا.
هذه المجموعة الفرعية تأخذ شكل سرد الشخصية، والتي يتم تحديثها باستمرار. والسرد الشخصي موجود بالتوازي مع وعينا الشخصي، ولكن هذا الأخير ليس له أي تأثير على السابق.
السرد الشخصي مهم لأنه يوفر المعلومات المحفوظة  في ذاكرة سيرتك الذاتية  (القصة التي تحكيها  لنفسك عن نفسك)، ويعطي البشر وسيلة لتوصيل الأشياء التي تصورناها ومارسناها  الى الآخرين.
وهذا بدوره يسمح لنا بتوليد استراتيجيات البقاء؛ على سبيل المثال، من خلال التعلم للتنبؤ بسلوك الآخرين. والمهارات الشخصية مثل هذه تدعم تطوير البنيويات الاجتماعية والثقافية، التي عززت بقاء النوع البشري لآلاف السنين.
لذا، فإننا نرى أن القدرة على توصيل  محتويات السرد الشخصي للواحد - وليس الوعي الشخصي - يعطي الإنسان ميزة تطورية فريدة من نوعها.
ما هي الفائدة؟
إذا كانت ممارسة الوعي لا تضفي أي ميزة معينة، فإنه ليس من الواضح ما هو الغرض منه. ولكن كملازمة خاملة لعمليات غير واعية، نحن لا نعتقد أن ظاهرة الوعي الشخصي لها غرض، بنفس الطريقة التي  عليها قوس قزح .  قوس قزح ببساطة يأتي من انعكاس وانكسار وتشتت أشعة الشمس  خلال قطرات الماء - لا يخدم أي منها غرضاً معيناً.
وتثير استنتاجاتنا أيضا تساؤلات حول مفاهيم الإرادة الحرة والمسؤولية الشخصية. إذا كان وعينا الشخصي لا يسيطر على محتويات السرد الشخصي الذي يعكس أفكارنا ومشاعرنا وعواطفنا وأفعالنا وقراراتنا، فلعلنا لا نتحمل المسؤولية عنها.
وردا على ذلك، نرى أن الإرادة الحرة والمسؤولية الشخصية هي مفاهيم شيدها المجتمع. على هذا النحو، فهي مبنية في الأسلوب  الذي نرى ونفهم أنفسنا كأفراد، وكأنواع. وبسبب هذا، فهي ممثلة في العمليات غير الواعية التي تصنع سردياتنا الشخصية، وفي الطريقة التي نوصل  بها تلك السرديات للآخرين.
فقط لأن الوعي قد وضع في مقعد الراكب، لا يعني أننا بحاجة إلى الاستغناء عن المفاهيم اليومية الهامة مثل الإرادة الحرة والمسؤولية الشخصية. في الواقع، فهي جزء لا يتجزأ من عمل نظم دماغنا غير الواعية . ولها غرض قوي في المجتمع ولها تأثير عميق على الطريقة التي نفهم بها أنفسنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق