الثلاثاء، 16 يناير 2018

العمى العقلي :لماذا لا يستطيع بعض الناس ان يتخيلوا الصور.



١١ يناير ٢٠١٨ 

المترجم : ابو طه/ عدنان احمد الحاجي 

المقالة رقم ٢٢ لسنة ٢٠١٨

التصنيف: ابحاث الدماغ 


January 11, 2018

تخيل تفاحة عائمة أمامك. الآن انظر إذا ما  كان بإمكانك ان تديرها في عقلك. انظر اليها من الأعلى والأسفل - هل فيها  أي عيوب؟ ما مدى الوضوح التي تراها  به؟

بعض الناس يرون التفاح بتمامه،  كما يشاهدون فيلماً، في حين أن آخرين يرون صورة مرتبكة وسيئة جداً . على الرغم من أنه قد يكون من الصعب أن نعتقد، ان نسبة قليلة من الناس الأصحاء أفادوا بأنه   لا يوجد   لهم شعور بصري على الإطلاق. وبعبارة أخرى،  عقولهم عمياء  تماماٌ - مهما بذلوا من   جهود  في  محاولة رؤية التفاح   لا يبدو أنهم يرونه .

في الواقع، غالباً ما يشعر هكذا أفراد بالذعر ان يجدوا  ناساً لا يتحدثون بالمجاز ( بالاستعارات ) عندما يقولون: "أتصورها  في عين عقلي". هذه الظاهرة من العمى العقلي  أُعطيت مؤخرا اسماً مناسباً  - الأفانتازيا  aphantasia الخلقية (تعريف من خارج النص:  الفانتازيا هي حالة عصبية مفترضة حيث أن الشخص لا يستطيع استخدام عين العقل ).


بعض الناس ليس لديهم القدرة على التخيل البصري

العمي العقلي 

 أدرك أحد مصممي  متصفح الإنترنت فايرفوكس، بليك روس Ross، أن شعوره  بالتخيل  البصري كانت مختلفة إلى حد كبير عن معظم الناس عندما قرأ عن رجل فقد قدرته على التصور بعد عملية جراحية. وفي تعليق له  على الفيسبوك، قال روس:
"ماذا تعني ب" فقد "قدرته؟ [...] ألا ينبغي أن نكون مندهشين من  أنه كانت  عنده  تلك القدرة؟ "

لقد سمعنا من العديد من الناس الذين عانوا من لحظة تجلي مماثلة لما عليه روس. كما استغربوا أن يكتشفوا أن افتقارهم الكامل إلى القدرة على التخيل البصري كان مختلفاً عن القاعدة.

 الخيال  البصري في العديد من المهام اليومية، كتذكر الماضي والملاحة ( التجوال - وهو معرفة من اين والى اين مكانياً)  والتعرف على الوجوه، على سبيل المثال لا الحصر. وتشير التقارير القصصية التي وردت من المشاركين المعانين من الأفانتازيا إلى أنه في حين أنهم قادرون على تذكر أشياء من ماضيهم، إلا أنهم لا يشعرون  بهذه الذكريات بنفس الطريقة التي يشعر بها شخص يتمتع بخيال قوي. وكثيراً ما يصفون هذه الأشياء  كقائمة مفاهيمية للأشياء التي وقعت وليس شريط فيلم  يشاهدونه  في أذهانهم.

كما يصف روسRoss ذلك، فإنه يمكن أن يتأمل في "مفهوم" شاطئ ما. وهو يعرف أن هناك رملاً وماءًا وغيرهما من الحقائق عن الشواطئ. لكنه لا يستطيع استحضار الشواطئ التي زارها في ذهنه، كما أنه ليس لديه قدرة على خلق صورة ذهنية عن الشاطئ.

الفكرة في أن بعض الناس يولدون غير قادرين تماماً على التخيل ليست جديدة. ففي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ، أجرى العالم البريطاني السير فرانسيس غالتون أبحاثا وطلب من الزملاء وعموم المجتمع وصف جودة  خيالهم الداخلي. غير أن هذه الدراسة اعتمدت على تقارير ذاتية ذات طابع شخصي.  وتعتمد على قدرة الشخص على تقييم العمليات الذهنية الخاصة به - والتي تسمى بالتأمل.

ولكن كيف يمكنني أن أعرف أن ما تراه في ذهنك  يختلف عما أراه أنا ؟ ربما نرى نفس الشيء ولكننا نصفه بشكل مختلف. ولعلنا نرى أشياء مختلفة ولكن نصفها بنفس الوصف.

وقد اقترح بعض الباحثين ان الأفانتازيا قد تكون في الواقع حالة من التأمل الباطني الضعيف. وأن الأفانتازيين  في الواقع بكونون نفس الصور في أذهانهم وربما أنت وأنا نقوم بذلك، ولكن  وصفهم إياها  هو الذي  يختلف. فكرة أخرى هي أن الألفانتازيين يخلقون صوراً داخلية تماماً مثل أي شخص آخر، ولكن ليسوا واعين لها. وهذا يعني أنه ليس لديهم عمىً عقلي، ولكنهم يفتقرون إلى وعي داخلي لهذه الصور.

وفي دراسة حديثة بدأنا  للتحقق في ما إذا كان الأفانتازيون واقعاً  لديهم "عمىً عقلي" أو إذا ما اذا كان لديهم صعوبة في التأمل الداخلي  بشكل موثوق.

تقنية تنافس العينين

لتقييم الخيال البصري بشكل موضوعي، دون الحاجة إلى الاعتماد على قدرة شخص ما على وصف ما يتخيلونه، استخدمنا تقنية تُعرف باسم تنافس العينين  Binocular rivalry - حيث التصور  يتناوب بين صور مختلفة قدمت واحدة تلو الأخرى لكل عين. للحث على ذلك، ارتدي المشاركون نظارات ثلاثية الأبعاد  3D  حمراء -خضراء، حيث  ترى واحدة من العينين صورة حمراء والعين الأخرى ترى صورة خضراء. وعندما يتم وضع الصور متراكبة فوق النظارة،  لم نتمكن من أن نرى كلا  الصورتين  في وقت واحد، لذلك دماغنا يبدل  باستمرار من الصورة الخضراء  إلى الصورة الحمراء.

ولكن يمكننا أن نؤثر على أي من الصور الملونة التي سيراها شخص   في عرض تقنية تنافس العينين . إحدى الطرق هي ان يتخيل  المشاركون  صورة  واحدة من الصورتين مسبقاً. على سبيل المثال، لو طلبت منك أن تتخيل صورة خضراء، فسوف تكون أكثر احتمالاً  أن ترى  الصورة الخضراء عندما تلبس نظارة  ثلاثية الأبعاد. وكلما كان خيالك أقوى  كلما كانت الوتيرة التي ترى فيها الصورة  التي تخيلتها  أكثر .

استخدمنا  عدد المرات التي  رأى  الشخص الصورة التي تخيلها كمقياس للخيال البصري  الموضوعي . لأننا لا نعتمد على تقييم المشاركين لحيوية الصورة في أذهانهم ، ولكن على ما يرونه مادياً ( بشكل طبيعي - في الواقع)  في عرض تقنية تنافس  العينين، فإنه يزيل الحاجة إلى التأمل الباطني الذاتي ( الشخصي) .

في دراستنا، طلبنا من وصفوا  أنفسهم بانهم من الألفانتازيين  تخيل ( تصور)   إما دائرة حمراء بخطوط أفقية أو دائرة خضراء  بخطوط عمودية لمدة ست ثوان قبل أن تقدم في عرض لتقنية متنافس العينين  أثناء ارتداء النظارة. ثم بعد ذلك أشاروا إلى أي صورة  شاهدوها. وكرروا ذلك لما يقرب من ١٠٠ محاولة.

وجدنا أنه عندما حاول الأفانتازيون تشكيل صورة ذهنية،  محاولتهم على  الصورة المتخيلة ليس لها أي تأثير على ما رأوه في خدعة متنافس العينين. وهذا يشير إلى أنه ليس لديهم مشكلة مع التأمل الباطني، ولكن يبدو أنه ليس لديهم أي تخيل  بصري.

لماذا بعض الناس لديهم عمىً عقلي

تبين الأبحاث  في عموم المجتمع  أن الخيال  البصري  ينطوي على شبكة من النشاط الدماغي يمتد من القشرة الأمامية وصولا إلى المناطق البصرية في الجزء الخلفي من الدماغ.

النظريات الحالية تشير الى  أنه عندما نتخيل شيئا، فإننا نحاول إعادة تنشيط نفس النمط من النشاط في دماغنا كما لو أننا رأينا  الصورة من قبل. وكلما كنا قادرين على القيام بذلك، كلما كان خيالنا البصري أقوى. قد يكون الأفراد الأفانتازييون غير قادرين على إعادة تنشيط هذه الآثار بما فيه الكفاية لممارسة الخيال البصري، أو أنهم يستخدمون شبكة مختلفة تماماً عندما يحاولون ان  يكملوا  المهام التي تنطوي على الخيال البصري.

ولكن قد يكون هناك بطانة فضية لعدم الإستطاعة  على التخيل بصرياً. ويعتقد أن التخيل البصري المفرط النشاط يلعب دوراً في الإدمان والرغبة ( الشهوة) الشديدة، فضلا عن تطور اضطرابات القلق  كإضطراب ما بعد الصدمة. ربما   عدم القدرة على التصور يجعل  الناس مرتكزين في الوقت الحاضر ويسمح  لهم بالعيش بشكل تام  في هذه اللحظة.

إن معرفة سبب عدم تمكن بعض الناس من انشاء هذه الصور في الذهن  قد يسمح لنا بزيادة قدرتهم على تخيلها، وربما يساعدنا أيضا على الحد من التخيل في أولئك الذين أصبح عندهم  فرط نشاط في عملية  التخيل  .

المصدر 
http://neurosciencenews.com/imagination-pictures-8298/?utm_source=feedburner&utm_medium=feed&utm_campaign=Feed%3A+neuroscience-rss-feeds-neuroscience-news+%28Neuroscience+News+Updates%29

للمواضيع المترجمة السابقة يرجى زيارة المدونة على هذا العنوان؛
 https://adnan-alhajji.blogspot.com/?m=1


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق