الكاتبة ليز مينيو، من هارفارد
٩ يناير ٢٠١٨
المترجم : ابو طه/ عدنان احمد الحاجي
المقالة رقم ٢٣ لسنة ٢٠١٨
التصنيف: ابحاث الاجتماع
Liz Mineo Harvard Staff
Writer
January 9, 2018
مقدمة المترجم
ربما يتجاهل أكثرنا دور الجغرافيا في كثير من القضايا بما فيها السلوكية والدومغرافبا والعلاقات البينية وحتى السياسية. ومع ان هذا الكتاب يتناول مصاديق من الواقع الامريكي إلاّ انني ارى بوضوح انعكاساته على يلدن العالم وربما اصبحتُ انا الآن أكثر تفهماً لأسباب صعوبة التعايش بين الناس من خلفيات مختلفة سيما في أعقاب التنقلات التي ربما كانت بسبب أهداف ومنها السعي وراء لقمة العيش . ولعل بعض هذه الصعوبة يراها بعض الناس واضحة حتى بين احياء وحواري المدن التي تقطنها نفس الأثنية
**النص**
إن معرفة الجغرافيا أمر أساسي لمعرفة العالم، يقول راين إنوس، الأستاذ المساعد في الحكومة وأخصائي في السياسة الأمريكية. الناس في كثير من الأحيان يصنفون الأماكن أو الأحياء ببساطة بمن يسكن فيها، كما يقول، ويشيّدون ولاءاتهم من خلال سؤالهم عن ، "هل هم منا؟"
في كتابه الجديد "The Space Between Us - الفاصل الذي بيننا"، يناقش إينوس التأثير القوي للجغرافيا الاجتماعية على السايكلوجيا والسلوك والسياسة، ويشرح كيف يمكن ربط ذهنية "نحن مقابل هم" ارتباطا وثيقا بالنموذج المكاني "هنا مقابل هناك" . وأجرت صحيفة هارفرد Harvard Gazette مقابلة مع إنوس، وهو متخصص في السياسة العرقية والإثنية، حول كتابه وتحدث عما يمكن أن يفعله الناس للتغلب على قوة ( سلطة) الجغرافيا على العقل من أجل زيادة الاندماج في المدن الأمريكية، والتي كثير منها فصلت عن بعضها بشكل متزايد من خلال التجدد.
الصحيفة: أحد النقاشات الرئيسية التي تناولتها في كتابك هي أن الجغرافيا تؤثر على سلوك الناس وسياساتهم. هل يمكنك أن توضح ما هي الجغرافيا الاجتماعية وكيف تعمل؟
إنوس: الجغرافيا الاجتماعية هي أماكن مجموعات من الناس على سطح الأرض. إنها طريقة لتنظيم عالمنا وهي جزء مهم لكيف نفهم العالم لأنها تؤثر على الطريقة التي ندرك بها مجموعات من الناس، وكيف نرتبها في أذهاننا، وما إذا كنا نعتقد أن هذه المجموعات متشابهة فيما بينها أو مختلفة عن بعضها .
وهناك مثال بارز جدا يوضح كيف تؤثر الجغرافيا الاجتماعية على الطريقة التي يصوت فيها الناس تضمنت كيف كان على الأمريكيين البيض في عامي ٢٠٠٨ و ٢٠١٢ ان يختاروا ما إذا كانوا سيصوتون لصالح رجل أسود للرئاسة. إنني أرى أن هناك طريقة واحدة لتفسير كيف صوتوا من خلال تأثير الجغرافيا الاجتماعية، لأنهم كانوا سيقولون: "لو كنتُ شخصا أبيضاً، هل يعيش السود بالقرب مني؟" لو كانت الإجابة ب لا، فقد يفترضون في أذهانهم
بشكل لاواعي أن السود كانوا مختلفين عنهم، وأن هذا الرجل الأسود لم يكن ممثلاً عنهم.
الصحيفة : لقد قمت بتجربة في بوسطن حيث وجدت أن مواقف الناس تجاه الهجرة تتغير عندما تتغير الجغرافيا الاجتماعية. هل يمكن أن تخبرنا عن المزيد عن التجربة؟ ما الذي كنت تحاول أن تثبته؟
إنوس: ما حاولت القيام به هو ان تغير الجغرافيا الاجتماعية وتنظر كيف تتغير سلوكيات الناس. أرسلنا اثنين من المتحدثين بالإسبانية إلى مدينة غرافتون Grafton وغيرها من الأماكن التي يسكنها بيض فقط وطلبنا منهم الوقوف في محطات القطار التي تم اختيارها عشوائيا والتحدث بالإسبانية لبضع دقائق كل يوم. ما أردنا معرفته هو كيف يتفاعل الناس مع التغيير في الجغرافيا الاجتماعية، وما إذا كان ذلك يؤثر على طريقة تفكيرهم في السياسة.
لقد قمنا بمسح آراء الأشخاص الذين ينتظرون القطار الذين هم من علية القوم واللبراليين البيض، قبل وبعد التجربة، عن سياساتهم وآرائهم بشأن الهجرة. ما وجدناه هو أن الناس الذين التقوا بهذين المتحدثين بالإسبانية - اللذين لم يفعلا أي شيء غير عادي، وفقط كانا يتحدثان الإسبانية ويقضيان بضع دقائق في محطة القطار كل يوم - هؤلاء الناس قد غيروا آراءهم تجاه الهجرة. وأصبحوا اقصائيين بشدة، وقالوا إنهم يريدون ابعاد المهاجرين خارج البلاد. كانت التجربة عشوائية تماما، ولم يتغير أي شيء آخر، وكان مجرد وجود هؤلاء الرجلين الآخرين، وهذا ما غير في الجغرافيا الاجتماعية، التي غيرت آراءهم حول السياسة.
الصحيفة: هل فاجأتك النتائج ؟
إنوس: في بعض النواحي، فقد صدمت. واحدة من الأشياء التي تعلمناها، وهذه هي إحدى النقاشات التي تناولتها في الكتاب، وهي أن هذه الاتجاهات متجذرة بعمق في السايكلوجيا ، وأن المساحة النفسية بيننا تزداد عندما تتضاءل المساحة الجغرافية بيننا. وبوصفنا سكان ماساتشوستس ( في امريكا)، فإننا نميل إلى الاعتقاد بأن موقفنا المناهض للمهاجرين أو كراهية الأجانب شيء لا نفعله في هذا الجزء من البلد. هذا ليس صحيحا. أي شخص يمكن أن يخضع لهذه الأنواع من السلوكيات، وأعتقد أن هذا هو درس مهم لأن ما يظهر لنا هو أنه إذا أردنا أن يكون هناك مجتمع متناغم مع استمرار البلاد في التنوع، حتى أماكن مثل ماساتشوستس تحتاج إلى العمل على ذلك. نحن بحاجة إلى التأكد من أننا نتخذ خطوات مع وصول المزيد من المهاجرين إلى مكان مثل ماساتشوستس للتأكد أن الناس تستطيع التعايش معهم.
الصحيفة: ما هي تلك الخطوات؟ ما الذي يمكن لصناع السياسة القيام به؟
إنوس: أمر مهم أود ان اتعرض له هو أننا وصناع السياسات وعامة الناس، لا نفكر في الجغرافيا الاجتماعية عندما نفكر في الإندماج. نحن نفكر بالفعل في الإندماج من حيث مؤسساتنا، وربما في مدارسنا، أو في بعض الأحيان في مؤسسات النخبة جدا مثل الجامعات أو في بعض الشركات التي توظف مجموعة متنوعة جدا من الناس. ولكن هذا لا يلمس شريحة كبيرة من السكان.
وحتى لو دمجنا المدارس، وذلك لرسوخ الجغرافيا الاجتماعية في عقولنا، وإذا نظرنا عبر مدننا، والناس لا يزالون يعيشون في أجزاء منفصلة من المدينة، وهذا سيؤثر على قوة انتمائهم ببعضهم البعض، وما اذا يمكن ان يكونوا متفقين سياسيا. وأعتقد أن ما يحتاج إليه صناع القرار حقا هو التركيز على كيف نبني مدناً شاملة ( مندمجة)، حيث لا نتشارك فقط في الأماكن العامة - التي هي مهمة أيضا - كالمتنزهات والمتاحف، ولكن أيضا أن نتشارك في المساحة السكنية. هذا تحدٍ حقيقي لأن أجزاء معينة من المدن هي بأسعار متزايدة يستطيع ان يتحملها نوع واحد فقط من الأشخاص، ويمكننا أن نرى هذا خصوصا في أماكن مثل مدينة بوسطن التي أصبحت أكثر وأكثر تكلفة.
فقط الأغنياء، الذين غالبا ما تكون مجموعة عرقية معينة، يمكن أن يعيشوا في أجزاء معينة من بوسطن أو كامبريدج. كامبريدج في بعض النواحي أصبحت أقل تنوعا، وأحد المجالات التي يلعب فيها واضعو السياسات دورا كبيرا هو ما إذا كان بإمكانهم القيام بالأمور المتعلقة ببناء مساكن بأسعار معقولة لشريحة أكبر من السكان، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تحلل الإنفصال بين التجمعات. إن وجود مدن مدمجة ، وليس مدن منفصلة، أمر مهم للمستقبل.
الصحيفة: لقد عشت في شيكاغو، حيث عملت مدرسا في المدرسة الثانوية على الجانب الجنوبي. بين بوسطن وشيكاغو، أي جانب كان منفصلاً أكثر ؟
إنوس: كلاهما منفصل جدا. شيكاغو بالعديد من المقاييس مدينة أكثر من بوسطن. ولكن في بعض النقاط تصل المدن إلى نقطة من الفصل حيث تصبح هذه الفروق غير مهمة إلى حد ما. فإذا سألت شخصا أبيضا في بوسطن، على سبيل المثال، إذا ما يعرف اين يجد اللاتينيين أو الأمريكيين من أصل أفريقي، يمكنه أن يخبرك بسهولة اين يتواجدون . ترى نفس الشيء في شيكاغو. الناس يعرفون ما هو الجانب من المدينة الذي لهم وما هو الجانب من المدينة الذي ينتمي إلى مجموعة أخرى. هذه ظاهرة موجودة في الكثير من المدن الكبرى في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وهذه هي الجغرافيا الاجتماعية التي اهتم بها. لا يجب ان تعيش في مكان مثل بوسطن لفترة طويلة جدا حتى تعرف أن ذلك يؤثر على سياستنا وهذا يؤثر على كيف نفكر في الآخرين.
الصحيفة: المدن الكبرى في جميع أنحاء الولايات المتحدة تتغير مع التجدد . ما هو الأثر العام للتجدد على الجغرافيا الاجتماعية؟
إنوس: إن خطر التجدد ھو أنه یتمکن من إعادة فصل مدننا. وفي بعض النواحي، أحرز مجتمعنا تقدما طويلا وبطيئا نحو كسر الفصل عن ذروته منذ ٥٠ عاماً، وهناك خوف حقيقي كلما تجددت المدن فإننا سنعود أساسا إلى الفصل الذي كان لدينا في السابق .
كان الفصل حينئذ ظاهرة حيث كان الناس من الملونين يعيشون في المدن الداخلية والبيض يعيشون في الضواحي، وهذا قد يتبدل مع تجدد المدن، حيث الفقراء من الملونين يجري نقلهم من المدن والبيض يعيشون في المدن. وهذا يمكن أن يؤدي فعلاً إلى مشكلة قد تكون أسوأ من المشكلة السابقة، لأن الناس في الضواحي ينسون بأكثر سهولة . الناس يذهبون إلى المدن للعمل ويشاركون في مؤسسات مثل الأحداث الرياضية، والتسوق، وما إلى ذلك، ولا يريدون أن يذهبوا إلى الضواحي، وعليه يمكننا من تخيل نمط من الفصل العكسي، كما يمكنك تسميته، والذي قد يحدث بسبب تجدد المدن.
الصحيفة: في كتابك، قمت أيضا بتحليل مدينتي فينيكس و توسان، المدينتين اللتين تعاملتا مع الهجرة ولكن بمواقف مختلفة تجاه المهاجرين. هل يمكن أن تفسر دور جغرافيا الإجتماعية في النتائج المختلفة؟ لماذا فينيكس هي معارضة للمهاجرين أكثر، بينما توسان هي الى حد كبير مع المهاجرين؟
أنوش: أحد العوامل الرئيسية هو مستوى الإندماج ، ما إذا كان الناس منفصلين أو مندمجين مكانياً. في أريزونا، ٣٠ في المائة من السكان هم من الاتينيين ( ممن يتحدثون الاسبانية من وسط وجنوب امريكا اللاتينية) . في مدينة توسان، الناس عاشوا مع بعض إلى حد كبير لأجيال، الأنْجلُوسَكْسُونيون و اللاتينيون، عاشوا بطريقة أكثر اندماجا . وفي مدينة فينيكس، يعيش الناس في نفس منطقة المتروبوليتان، ولكن الأنْجلُوسَكْسُونيين و اللاتينيين منفصلون جدا عن بعضهم البعض، و وجود مجموعات كبيرة ومنفصلة عن بعضها يعد أسوأ حالة ممكنة للجغرافيا الإجتماعية .
وهذا هو ما يؤدي بالناس الى الإعتقاد أن تلك المجموعات منفصلة جداً عن بعضها وليس بينها شيء مشترك، وهذا في نهاية المطاف يؤثر على السلوك السياسي بطريقة تجعلهم متصادمين و على خلاف مع بعضهم البعض. في كتابي، أحاول تخيل سيناريواً حيث باقي مدينة أريزونا ستكون مشابهة أكثر لمدينة توسان، حيث تعلمت هذه المجموعات، وعلى مدى أجيال، ان تتعايش معا، بحيث، في هذا السيناريو، ٣٠ في المائة من أصل لاتيني قد لا يعني ذلك للأنْجلُوسَكْسُونيبن كثيراً. ولكن في الوقت الراهن هذا ليس هو الحال الذي عليه مدينة فينيكس، وكما ترى أن هذا ينعكس على السياسة في فينيكس .
الصحيفة: قلت إن نتائج الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠١٦ يمكن تفسيرها بالجغرافيا الاجتماعية وأن خطاب دونالد ترامب يظهر التأثير القوي للجغرافيا الاجتماعية. هل يمكنك ان تتوسع في ذلك؟
إنوس: نحن نعرف أن هناك ديمقراطيين صوتوا لصالح ترامب. بعض الأماكن التي رأينا فيها هذه الظاهرة كانت أماكن شهدنا فيها أكبر التغيرات في الجغرافيا الاجتماعية. إذا نظرت عبر الولايات المتحدة واذا نظرت في المقاطعات التي شهدت، في السنوات ال ١٥ الماضية أو نحو ذلك، نمواً سريعاً للسكان اللاتينيين، نحن نرى أن تلك كانت الأماكن التي فيها الناخبون ، حتى الناخبون الديمقراطيون، الذين صوتوا سابقا لباراك أوباما، تحولوا إلى ترامب. لا يمكننا أن نعرف على وجه اليقين، ولكن دعواي هي أن هذا يبدو كثيرا كالتجربة التي حدثت في بوسطن. ولعل ما حدث هو أنه عندما تغيرت الجغرافيا الاجتماعية، أصبح هؤلاء الناخبون أكثر عرضة للخطر من قبل هؤلاء المهاجرين، مما أثر على الطريقة التي صوتوا بها، مما دفعهم للتصويت لصالح ترامب. وأصبح ترامب مرشحاً جذاباً لهم بسبب الخطاب المناهض للمهاجرين الذي كان يروج له.
الصحيفة: ما الذي تريد أن يستفيده القراء من كتابك؟
إنوس: الفائدة الرئيسية هي أن طريقة الجغرافيا الإجتماعية والطريقة التي نتوزع بها مكانياً في مدننا ومقاطعاتنا، تؤثر على ما نعتقده عن الآخرين. ولأنه يؤثر على ما نعتقده في الآخرين، فإنه يؤثر في وقت لاحق على سياستنا وما إذا كنا نستطيع أن نكون مجتمعاً متناغماً.
نحن بحاجة إلى التفكير في أمرين. الأول هو السياسة العامة لتغيير الجغرافيا الاجتماعية والعيش في مجتمع جامع أكثر ، والأمر الآخر ينطوي على سلوكنا الشخصي، سواء تمكنا من استخدام تلك الجغرافيا الاجتماعية للتواصل مع الناس الذين يختلفون عنا والتعرف على هؤلاء الناس، مما يتيح لنا التغلب على السلطة التي للجغرافيا الاجتماعية على عقولنا.
المصدر:
https://news.harvard.edu/gazette/story/2018/01/new-book-explores-the-impact-of-geography-on-politics-psychology-behavior/
للمواضيع المترجمة السابقة يرجى زيارة المدونة على هذا العنوان؛
https://adnan-alhajji.blogspot.com/?m=1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق