الكاتب: ماركوس ليما
١٥ فبراير ٢٠١٨
المترجم : ابو طه/ عدنان أحمد الحاجي
المقالة رقم ٦٧ لسنة ٢٠١٨
التصنيف : ابحاث الذكاء الإصطناعي
Marcos Lima
Updated February 15, 2018
لا، هذا ليس عنوان ٢٠١٨ عن السيارات ذاتية القيادة أو واحد من حواسيب آي بي إم الفائقة الجديدة . ولكنه موضوع نشرته صحيفة الديلي ميرور في عام ١٩٥٥، عندما أخذ جهاز الكمبيوتر مساحة بحجم مطبخ كبير وكانت قوته اضعف من آلة حاسبة جيب. كان يطلق عليها "العقول الإلكترونية" في ذلك الوقت، وأثارت الأمل والخوف. وبعد مرور أكثر من ٢٠ عاماً، لم يطرأ أي تغيير يذكر: في عام ١٩٧٨ برنامج بي بي سي الوثائقي عن رقائق السيليكون، قال أحد المعلقين "إنها هي السبب التي جعلت اليابان تتخلى عن بناء السفن وستكون السبب في أن أطفالنا سيكبرون ولن بحصلوا على وظائف".
الدعاية عن الذكاء الاصطناعي ليست امراً جديداً
إذا كان أحد أنواع "الذكاء الاصطناعي" (AI) على كتب غوغل"نغرام بوكس ڤيوار" Google Books’ Ngram Viewer - وهو أداة تمكننا من التحقق من كم مرة طُبعت عبارة ما في كتاب ما بين عامي ١٨٠٠ و ٢٠٠٨ - يمكننا أن نرى بوضوح أن دعاية العصر الحديث والتفاؤل والقلق العميق من الذكاء الإصطناعي كل ذلك بأي حال من الأحوال ليس جديداً.
تاريخ الذكاء الاصطناعي AI هو سلسلة طويلة من الإرتفاع والهبوط ( الإزدهار والكساد) . أول "ربيع للذكاء الإصطناعي " وقع بين عامي ١٩٥٦ و ١٩٧٤، مع رواد مثل الشاب مارفن مينسكي. وأعقب ذلك "الشتاء الأول للذكاء الاصطناعي " (١٩٧٤-١٩٨٠)، عندما أدت خيبة الأمل من الفجوة بين التعلم الآلي والقدرات المعرفية البشرية أولاً إلى سحب الاستثمارات وعدم الاهتمام بموضوع الذكاء الإصطناعي . وتبعتها طفرة ثانية (١٩٨٠-١٩٨٧) ثم ب "شتاء" آخر (١٩٨٧-٢٠٠١). ومنذ الألفينيات صار هناك تحسن ثالث " ربيع ذكاء اصطناعي".
هناك الكثير من الأسباب للاعتقاد بأن هذه الموجة الأخيرة من الاهتمام بالذكاء الإصطناعي ستكون أكثر دواماً. ووفقاً ل "غارتنر ريزارتش"، فإن التقنيات تنتقل عادة من "ذروة توقعات متضخمة" عبر "الإنهيار نحو القاع " حتى تصل أخيرا إلى "مرحلة من الإنتاجية المستقرة". التقنيات المكثفة كالمساعدين الإفتراضيين virtual assistants, وإنترنت الأشياء والروبوتات الذكية واكتشاف البيانات المعززة augmented هي على وشك الوصول إلى القمة. ومن المتوقع أن يصل التعلم العميق والتعلم الآلي ومستشارو الخبراء المعرفيون cognitive expert advisors إلى مستوى مستقر من التطبيقات السائدة في سنتين إلى خمس سنوات.
الذكاء الضيق
ويبدو لنا في النهاية أن لدينا قدرة حوسبة كافية لتطوير ما يسمى "بالذكاء الإصطناعي الضيق" ،بمصداقية والتي تعتبر جميع التكنولوجيات المذكورة آنفا مثالا على ذلك. ولا ينبغي الخلط بينها وبين "الذكاء الاصطناعي العام(AGI)"، الذي دعاه عالم وأخصائي المستقبل راي كورزويل "الذكاء الاصطناعي القوي". بعض من أنظمة الذكاء الإصطناعي الأكثر تقدما حتى الآن، مثل كمبيوتر IBM العملاق واتسون أو جوجل ألفاغو Google’s AlphaGo, هي أمثلة على الذكاء الإصطناعي الضيق. ويمكن تدريب هذه الأنظمة على أداء مهام معقدة كالتعرف على أنماط سرطان الجلد أو لعب اللعبة الاستراتيجية الصينية القديمة الغُو GO . لكنها بعيدة جدا عن القدرة على القيام بمهام الذكاء اليومية العامة مثل البستنة أو الجدل أو ابتكار قصص للأطفال.
إن النبوءات التحذيرية من حالمين ك إلون موسك، وبيل غيتس و ستيفن هوكينغ ضد الذكاء الإصطناعي هي فعلاً بمثابة تحذير مبكر ضد مخاطر الذكاء الإصطناعي العام AGI ولكن هذا ليس شيئا سيواجه أطفالنا. وسيكون شركاؤهم المباشرون من نوع الذكاء الإصطناعي الضيق. ويتوقف مستقبل العمال على مدى تجهيزنا اياهم لاستخدام الحواسيب كشركاء معرفيين.
معاً أفضل
غاري كاسباروف - مدرب الشطرنج الذي هزم من قبل كمبيوتر ديب بلو IBM’s Deep Blue computer التابع ل آي بي إم في عام ١٩٩٧ - دعا هذا التعاون بين الإنسان والآلة " الذكاء المعزز augmented intelligence". وقارن هذا "التعزيز augmentation" الى صورة القنطور (centaur - سنتور- نصف آدمي ونصف حصان ) الأسطورية : اجمع بين القوة الحصانية ( هورس بور) لحيوان رباعي الأقدام مع حدس العقل البشري. لتوضيح إمكانات القنطورات (centaurs) ، وصف بطولة الشطرنج الحرة في عام ٢٠٠٥ والتي كان فيها أي مزيج من الفرق البشرية والآلية انها ممكنة.
ويمكن للشراكات المعرفية بين الإنسان والآلة أن تضخم ما يفعله كل شريك على أفضل وجه: فالبشر رائعون في اتخاذ قرارات بديهية وخلاقة قائمة على المعرفة، في حين أن الحواسيب جيدة في غربلة كميات كبيرة من البيانات لإنتاج معلومات من شأنها أن تغذي المعرفة البشرية وصنع القرار. نحن نستخدم هذا الجمع بين الذكاء الإصطناعي الضيق والمهارات المعرفية والحركية البشرية الفريدة من نوعها كل يوم، وغالبا دون أن يُدرك ذلك. وهنا بعض الأمثلة:
• استخدام محركات البحث على الإنترنت للعثور على محتوى (أشرطة الفيديو وصور ومقالات) التي سوف تكون مفيدة في التحضير لواجب مدرسي. ثم الجمع بينها بطرق مبتكرة في عرض شرائح الوسائط المتعددة
• باستخدام خوارزمية الترجمة لإنتاج مسودة أولى من وثيقة بلغة مختلفة، ثم بعدها يقوم شخصياً بتحسين أسلوب وقواعد اللغة في الوثيقة النهائية.
• قيادة السيارة إلى وجهة غير معروفة باستخدام تطبيق GPS على التلفونات الذكية للتنقل عبر طرق بديلة على أساس معلومات حركة المرور في الوقت الحقيقي.
• الاعتماد على منصة بث الأفلام لإختصار قائمة الأفلام التي تنوي أن تفضلها على أساس خبرتك الجديدة . مما يجعل الاختيار النهائي على أساس المزاج، والسياق الاجتماعي والصدفة.
تُعد شركة نيتفليكس Netflix مثالاً رائعاً على هذا التعاون في أفضل حالاته. باستخدام خوارزميات التعلم الآلي لتحليل عدد المرات ومدة مشاهدة الأشخاص لمحتوى افلامها، يمكنهم تحديد مدى جاذبية كل مكون من مكونات القصة لجمهور معين. يتم استخدام هذه المعلومات من قبل كتاب السيناريو والمنتجين والمديرين لفهم أفضل لما ينتجونه وكيف ينتجونه من محتوى جديد. تتيح تقنية الواقع الافتراضي لواضعي المحتوى لتجربة منظورات السرد القصصي المختلفة قبل تصوير اي مشهد.
وبالمثل، يمكن للمهندسين المعماريين الاعتماد على أجهزة الكمبيوتر لضبط الجوانب الوظيفية لعملهم. ويمكن لمهندسي البرمجيات التركيز على الهيكل العام للأنظمة في حين توفر الآلات مقتطفات من الكودات codes الجاهزة للاستخدام والمكتبات لتسريع العملية. يعتمد المسوقون على البيانات الكبيرة وأدوات التصور لتحديد كيف تُفهم احتياجات العملاء بشكل أفضل وتطوير منتجات وخدمات أفضل. ولا يمكن لهذه المهام ان تنجز بالذكاء الإصطناعي بلا أي توجيهات بشرية. وعلى العكس من ذلك، فقد يـُعزز الإبداع والإنتاجية البشرية بشكل كبير بدعم من الذكاء الإصطناعي، مما يسمح بتحقيق حلول بجودة أفضل وبتكاليف أقل.
الخسائر والمكاسب
ومع تسارع الإبتكار ، ستختفي الآلاف من الوظائف، كما حدث في الدورات السابقة للثورات الصناعية. الآلات التي تعمل بواسطة خوارزميات الذكاء الإصطناعي الضيق يمكن أن تؤدي بالفعل مهام ثلاثية أبعاد 3D معينة ("مملة وقذرة وخطيرة") أفضل بكثير من البشر. وقد تسبب ألما هائلا بالنسبة لأولئك الذين سيفقدون وظائفهم خلال السنوات القليلة القادمة، خاصة إذا لم يكتسبوا مهارات كومبيوترية تمكنهم من إيجاد المزيد من الفرص الإبداعية. وعلينا أن نتعلم من الموجات السابقة من التدمير الإبداعي ( تعريف من خارج النص :هو مفهوم في علم الاقتصاد. عرفه عالم الاقتصاد جوزيف شومبيتر بعملية الطفرة الصناعية التي تُحدِث ثورة مستمرة في البنية الاقتصادية من الداخل، من خلال تدمير البنية القديمة مع خلق بنية أخرى جديدة، بطريقة مستمرة) إذا أردنا أن نخفف من المعاناة الإنسانية و عدم المساواة المتزايد.
فعلى سبيل المثال، تشير بعض الإحصاءات إلى أن ما يصل إلى ٣ في المائة من السكان في البلدان المتطورة يعملون كسائقين. عندما تصبح السيارات الآلية حقيقة واقعة في السنوات ال ١٥ الى ٢٥ المقبلة، يجب أن نقدم للأشخاص الذين سيكونون "عاطلين عن العمل هيكليا" نوعا من الدخل التعويضي والتدريب وفرص اعادة توظيفهم في غير مكان.
لحسن الحظ، موجات شومبيتر للتدمير الإبداعي ( انظر التعريف في الفقرة السابقة) أيضا خلقت فرص عمل. وقد أثبت التاريخ أن التدمير الإبداعي ليس دائما لعبة صفرية. وعلى المدى الطويل، يمكن أن يكون لفقدان الوظائف ذات القيمة المضافة المنخفضة لصالح الآلات أثر إيجابي في نوعية الحياة العامة لمعظم العمال. إن مفارقة الصراف الآلي ATM ( للمزيد من المعلومات عن هذه المتناقضة يرجى زيارةhttp://www.aei.org/publication/what-atms-bank-tellers-rise-robots-and-jobs/) هي مثال حي لهذه الحركة. ومع انتشار استخدام آلات الصراف الآلي في الثمانينيات والتسعينات، توقع الكثيرون حدوث بطالة هائلة في القطاع المصرفي. وبدلاً من ذلك، استحدثت أجهزة الصراف الآلي المزيد من الوظائف حيث انخفضت تكلفة فتح الوكالات الجديدة. وتضاعف عدد الوكالات، وكذلك ارتفعت حافظات المنتجات المصرفية. وبفضل الأتمتة، فإن الذهاب إلى البنك اصبح يقدم تجربة للعملاء أفضل بكثير مما كان عليه الحال في العقود السابقة. وأصبحت الوظائف في الصناعة أفضل أجوراً ونوعية.
وحدثت ظاهرة مماثلة مع صناعة الغزل والنسيج في القرن التاسع عشر. وأدى تحسين التنسيق بين الإنسان والآلة إلى زيادة الإنتاجية وخلق قيمة للعميل، وزيادة الحجم الإجمالي للسوق واستحداث فرص عمل جديدة. وبالمثل، قد نتنبأ بأن الوظائف ذات الجودة المنخفضة استمرت في الإختفاء، وستظهر الوظائف المساعدة بالذكاء الإصطناعي لتلبية الطلب المتزايد على المنتجات الإنتاجية والإيكولوجية والإبداعية. زيادة الإنتاجية قد تعني أسابيع عمل أقصر ومزيداً من الوقت للعائلة والترفيه، مما قد يؤدي إلى استحداث أشكال من القيمة المُضافة ، وفي نهاية المطاف المزيد من فرص العمل.
التكيف مع المستقبل
بيد أن هذا السيناريو المتفائل يفترض أن النظم التعليمية ستعمل على تحسين إعداد أطفالنا لكي يصبحوا أفضل بالنظر فيما يفعله البشر: من التفكير الإبداعي والناقد. وتعلم اقل اعتماداً على الحفظ عن ظاهر قلب (بعد كل شيء، معظم المعلومات يمكن البحث عنها في جوجل ) وأكثر التعلم سيكون عن طريق القيام بعمل الشيء. مهارات كتابية أقل والمزيد من الأفكار الفلسفية حول الطبيعة البشرية وكيفية تلبية احتياجاتها اللانهائية للفن والثقافة. كما قال مؤسس شركة أبل والرئيس التنفيذي للشركة ستيف جوبز الشهير:
الذي جعل شركة ماكنتوش عظيمة هو ان الناس الذين يعملون فيها كانوا موسيقيين وشعراء وفنانين وعلماء حيوان ومؤرخين والذين وافق انهم أيضا كانوا أفضل علماء كمبيوتر في العالم".
ليصبحوا مفكرين مبدعين وناقدين، يحتاج أطفالنا إلى المعرفة والحكمة أكثر من نقاط بياناتأولية raw data points (خام). يحتاجون ان يسألوا "كيف؟" و "لماذا؟" و "ماذا لو؟" أكثر من "ماذا؟"، من؟ "و" متى؟ "ويجب أن يشيدوا هذه المعرفة من خلال الإعتماد على قواعد بيانات كشركاء معرفيين بمجرد ان أصبحوا قادرين على القراءة والكتابة، كما أن الأساليب البنائية كنهج "الفصول الدراسية المقلوبة ( المعكوسة) flipped classroom” " هي خطوة جيدة في هذا الاتجاه، وفي الصفوف المقلوبة، يطلب من الطلاب البحث عن محتويات محددة على شبكة الإنترنت في المنزل، لتطبيق ما تعلموه في مشروع تعاوني يشرف عليه المعلم، وبالتالي يقومون ب "الواجبات المنزلية" (التمارين) في الصف، وعندهم "محاضرات" على شبكة الإنترنت في المنزل، واستخدام الوقت الى أقصى ما يمكن للقيام بما تعجز عنه أجهزة الكمبيوتر أن تساعدهم على القيام به: إنشاء وتطوير وتطبيق أفكار معقدة بالتعاون مع أقرانهم. ( للمزيد من المعلومات عن الصفوف النقلوبة يرجى مراجعة هذا المقال على هذا الرابط: https://www.new-educ.com/الفصول-المقلوبة)
وهكذا، فإن مستقبل التعاون بين الإنسان والآلة يبدو أقل شبهاً بالسيناريو في أفلام تارميناتير Terminator وأكثر شبهاً بأسلوب فيلم تقرير الأقلية Minority Report من "الذكاء المعزز". سيكون هناك وظائف لو كيفنا نظام التعليم لتسليح أطفالنا للقيام بما يجيده البشر : للتفكير النقدي والإبداعي، ولتطوير المعرفة والحكمة، ولتقدير وابداع الأعمال الفنية الجميلة. هذا لا يعني أن الانتقال سيكون غير مؤلم. ومن المرجح أن تخرج الآلات والأتمتة الملايين من الوظائف منخفضة الجودة كما حدث في الماضي. ولكن من المرجح أن تحل محلهم وظائف ذات جودة أفضل، مما يتطلب جهدا ماليا أقل وساعات أقصر لتحقيق نتائج أفضل. على الأقل حتى الذكاء الاصطناعيالعام سيصبح حقيقة واقعة، إذاً يصعب بالتكهن بالنتيجة. ولكن من المرجح أن تكون هذه مشكلة أحفادنا.
المصدر:
https://theconversation.com/no-artificial-intelligence-wont-steal-your-childrens-jobs-it-will-make-them-more-creative-and-productive-91672
للمواضيع المترجمة السابقة يرجى زيارة المدونة على هذا العنوان؛
https://adnan-alhajji.blogspot.com/?m=1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق