٢ يناير ٢٠١٨
الكاتب : ماركو بالما, الاستاذ المشارك في الاقتصاديات الزراعية ومدير مختبر السلوك البشري في جامعة تكساس A&M
المترجم : ابو طه / عدنان احمد الحاجي
المقالة. رقم ٥٦ لسنة ٢٠١٨
التصنيف : ابحاث السلوك
Research on how self-control works could help you stick with New Year’s resolutions
Associate Professor of Agricultural Economics and Director Human Behavior Laboratory, Texas A&M University
قد اصر الكثير منا بالفعل على أن الأمور ستكون مختلفة في عام ٢٠١٨. سنأكل أفضل، أو سنمارس مزيداً من التمارين الرياضية، أو سنوفر المزيد من المال أو أخيرا سنجد الوقت اللازم لتنظيف خزانات البيت.
ولكن بحلول شهر فبراير، فإن معظمنا - ربما ما يصل إلى ٨٠ في المئة من الأمريكيين الذين يتخذون قرارات السنة الجديدة - قد تخلوا بالفعل عنها.
لماذا يتعثر ضبطنا لنفسنا، وغالبا لا يترك لنا سوى العودة إلى طرقنا القديمة؟ الجواب على هذا السؤال له عواقب تتجاوز حدود الخصر والأرصدة البنكية .
انقسم علماء النفس والاقتصاد تقليدياً الى معسكرين متناقضين على ما يبدو حول كيف يعمل ضبط النفس. ولكن البحث الأخير الذي أجريته أنا و زملائي يشير الى أن جانبي ضبط النفس قد يكون لكليهما دور في كل واحد منا.
ضبط النفس: بطارية او كرة ثلج؟
سلسلة معروفة من التجارب التي أجريت في جامعة ستانفورد في الستينات والسبعينات من القرن الماضي حيث طلب من الأطفال الاختيار بين الحصول على حلاوة واحدة من المارشملو على الفور أو الانتظار بضع دقائق والحصول على اثنتين منها. ووجد الباحثون أن الأطفال الذين صبروا وكانوا قادرين على مقاومة أكل تلك المارشملو الأولى حتى عندما لم يكن أحد آخر حاضراٌ ، كان اداؤهم أفضل طوال الحياة من حيث علامات امتحان سات SAT ( امتحان قياس لدخول للجامعات في امريكا ) والتحصيل التعليمي والتوظيف والصحة وغيرها من مقاييس النجاح الرئيسية .
بالنسبة لأولئك الأطفال، ضبط النفس - وليس مدى ذكاء أو غنى أو تعليم أسرهم ، أو أي عامل آخر محدد - كان المحرك الرئيسي لنجاحهم في وقت لاحق. وبعبارة أخرى، القدرة على تأخير الإشباع يساعد في جميع جوانب الحياة تقريباً.
لكن الباحثين عانوا من مشاكل في الوصول الى معرفة من أين جاء ضبط النفس وكيف يعمل. وعلى مدى عقود، أدت دراسات ضبط النفس في صنع القرار على المدى القصير إلى نتائج واضحة، وإن كانت على ما يبدو متناقضة.
احد النماذج اشار الى أن ضبط النفس هو مورد محدود يمكن أن يُستهلك لو اتكأت عليه بشكل كبير جدا، كالبطارية التي تفقد شحنتها بمرور الوقت. الشخص الذي يقاوم الرغبة في تناول الدونات لوجبة الإفطار، على سبيل المثال، قد يستسلم الى إغراء كعكة في وقت لاحق بعد الظهر. كل ممارسة قليلة لضبط النفس على مدار اليوم ينتهي باستنفاد الاحتياطيات المحدودة.
اشار النموذج البديل أن ممارسة ضبط النفس يمكن أن تساعدك على بناء المهارات. إن عدم تناولك الدونات قد يزيد من تحفيزك وثقتك بالالتزام بنظام غذائي صحي - مثل كرة الثلج التي تزداد حجماً كلما راكمت من مقدار الزخم وهي تتدحرج الى الأسفل .
وعليه هل ضبط النفس شيء ينفد عندما يكون مبالغاً فيه؟ أو هو شيء نتحسن فيه كلما مارسناه أكثر "؟ واستمر النقاش مع قيام مجموعات بحثية مختلفة بالبحث في المسألة بطرق مختلفة - وتوصلوا إلى أدلة متناقضة على أي النماذج تفسر بشكل أفضل الآليات الداخلية لضبط النفس.
استخدام القياسات الحيوية ( البايومترية) للإخبار بالحكاية بأكملها
جزء من المشكلة كان عن مدى صعوبة إجراء البحوث السلوكية. تفترض الطرق التقليدية أن المشاركين في الاختبار يفهمون الأسئلة التي تُطلب منهم تماماً ويعطون إجابات صادقة. ولسوء الحظ، لم يكن لدى الباحثين طريقة عملية لمعرفة ما إذا كان هذا هو الحال، أو ما إذا كانوا قاموا بقياس ما يقصدونه بالفعل.
عين الهدف للمشاركين ان يركزوا عليها في الجزء السفلي من الشاشة. في هذه الصورة، تانكلوجيا تتبع العين تتيح للباحث المراقبة الدقيقة لعدد المرات ومتى ينحرف المشاركون عن التعليمات. |
ولكن هنا في أكبر مختبر القياسات الحيوية البايومترية في البلاد، أنا و زملائي في جامعة تكساس A & M اكتشفنا طريقة جديدة للتحقيق في المسألة التي لا تعتمد على ما يقدمه المتطوعون فقط لنا.
لقد صممنا تجربة مكونة من جزئين. أولا، طلبنا من المشاركين في التجربة التركيز على عين ( نقطة ) الهدف bull’s-eye في الجزء السفلي من شاشة كمبيوتر لمدة ست أو ٣٠ دقيقة. تتطلب هذه المهمة من المتطوعين ممارسة ضبط النفس - المهمة مملة بحيث تجعل الأمر مغرياً في أن تنظر بعيدا عن النقطة الثابتة بالنسبة إلى الفيديو المتحرك animated العامل في مكان آخر على الشاشة.
ثم شارك المشاركون في مهمة مختبرية ثانية تهدف إلى قياس الشراء الاندفاعي ( النزوي): بإمكانهم ان يحتفظوا بهبة مقدارها ٥ دولار امريكي نقدي حقيقي أو شراء العديد من الأدوات المنزلية في الموقع التي لم يكونوا يبحثون عنها. المهمة مماثلة للذهاب إلى المتجر وشراء منتجات ليست على قائمة مشترياتك. والفكرة هي أن ضبط النفس يساعد الأفراد في السيطرة على هذه المشتريات الاندفاعية ( النزوية).
كان ابتكارنا هو أنه لم يكن علينا أن نفترض أن الناس امتثلوا تماماً لمهمة مشاهدة الفيديو - كنا في الواقع قادرين على قياس ذلك عن طريق استجاباتهم الفسيولوجية. من خلال تتبع حركات العين، يمكن أن نحدد بدقة شديدة عندما يكون المشاركون ثابتين في تحديقهم في عين الهدف - وهذا يعني، عندما يبقيهم ضبط النفس على المهمة. وقمنا أيضاً بقياس تعبير الوجه ونشاط الدماغ لنفهم بشكل أوضح ما كان يجري مع كل مشترك.
بالضبط، وجدنا أن كلا جانبي النقاش بخصوص ضبط النفس كان صحيحاً.
لفترة من الزمن، يمكن لمعظم الناس أن تركز على عين الهدف المملة . ولكنهم وصلوا الى نقطة التعب. بعد ذلك، لو بقي المشاركون محدقين في عين الهدف مستمرين في هذه المهمة، فإنهم قد ينتهي بهم المطاف باستنفاد " بطارية ضبط النفس" . "يمكننا أن نرى هذا من خلال النظر في كم كان عدد المشتريات الإندفاعية ( النزوية) التي قام بها المشاركون في الجزء الثاني من الدراسة. لو تخطوا عتبة التعب في المهمة السابقة، وأظهروا ضبط نفس أقل وانتهى بهم الأمر ان يقوموا بالمزيد من المشتريات الاندفاعية. وقد تبين هذا النمط في كل ما "اشتروه" في تجربتنا وأيضا في الدماغ: أظهرت قشرة الفص الجبهي أنماطا تدل على سلوك شراء اندفاعي.
من ناحية أخرى، فإن الأشخاص الذين ارتاحوا حينما وصلوا إلى عتبة التعب كانت لديهم تجربة مختلفة. ظلوا في مرحلة "كرة ثلج" ضبط النفس - يمارسون المهارة قليلا، ولكن لم يبالغوا فيها إلى حد الإرهاق. وفي المهمة التالية، لم تظهر أدمغتهم أنماط نشاط الشراء الاندفاعي المعتاد. ممارسة ضبط النفس على مهمة عين الهدف ، ولكن بلا إفراط في ذلك، أدى إلى المزيد من ضبط النفس في مهمتهم الثانية. وكان هؤلاء المشاركون أفضل في السيطرة على المشتريات الاندفاعية من مجموعة أخرى من المشاركين الذين لم يكن لديهم جلسة مراقبة عين الهدف الأولية التي اتضح أنها ترفع من ضبط النفس.
وتشير دراستنا إلى أن ضبط النفس له صفات كل من كرة الثلج والبطارية: إظهار ضبط النفس في مرة واحدة يجعل من الأسهل القيام بذلك مرة أخرى بعد وقت قصير، ولكن المبالغة في البداية يجعلنا تخلينا عنه تماماً أكثر احتمالاً.
كيف تجتاز الى ما بعد ١ فبراير
فهمنا الجديد لضبط النفس يعطينا دروساً للالتزام بقرارات السنة الجديدة تلك.
أولا، تذكر أن التمهل والإستمرار أفضل. لو كنت ترغب في ان تكون عندك لياقة بدنية، ابدأ بالمشي مسافة كتلة من الأبنية، لا تجري خمسة أميال ( من اول مرة ). حقق انجازاً بما يكفي لتبقى مُحفزاً، ولكن لا تفرط إلى حد الإحباط. لا تحرق بطارية ضبط النفس.
ثانياً، تذكر أن إجراءات ضبط النفس الصغيرة تتراكم بمرور الوقت. بدلا من قطعك الجذري لجميع الكربوهيدرات أو السكر من نظامك الغذائي، خذ بعين الإعتبار التخلي عن قطعة واحدة فقط من الخبز أو علبة واحدة من الصودا ( المشروبات الغازية) يوميا. وبمرور الوقت، استهلاك عدد أقل من السعرات الحرارية في اليوم الواحد سيؤدي إلى فقدان الوزن تدريجياً.
وأخيراً، افهم أن القليل من إجراءات ضبط النفس في أحد المجالات سيحسن ضبط النفس في مجالات أخرى. الانجذاب الى نظام غذائي أكثر صحة، على سبيل المثال، سيزيد من ثقتك ويحفزك لتحقيق هدف آخر. كما تكسب كرة ثلج ضبط النفس بعض الزخم، سوف تكون أفضل وأفضل في التمسك بأهدافك.
وهناك استعارة أكثر ملاءمة لفهمنا ضبط النفس الحديد هو أنه مثل العضلة. يمكنك الإفراط فيه واستنفاده لو أجهدت نفسك فوق قدراتك. ولكن بالتدريب المستمر يمكن أن تصبح أقوى وأقوى.
المصدر:
للمواضيع المترجمة السابقة يرجى زيارة المدونة على هذا العنوان؛
https://adnan-alhajji.blogspot.com/?m=1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق