الأحد، 15 ديسمبر 2019

اختراق علمي في معرفة سر لماذا تصاب النساء بأمراض المناعة الذاتية

ربما احتال التطور على أجهزة المناعة لدى النساء.

بقلم اولغا خازان

١٨ يونيو ٢٠١٩

المترجم: أبو طه / عدنان أحمد الحاجي

مراجعة الدكتور غسان علي بو خمسينً، صيدلي في مستشفى جون هوبكنز

المقالة رقم ٣٧٨ لسنة ٢٠١٩

التصنيف : ألحاث المناعة 


Olga Khazan

June 18, 2019

مقدمة الدكتور غسان علي بو خمسين 
أمراض المناعة الذاتية  Autoimmune disease) هي مجموعة أمراض تحدث نتيجة لفشل الجهاز المناعي لجسم  كائن حي على التعرف على أعضائه وأجزائه الداخلية، حيث لا يستطيع معرفة البصمة الوراثية الخاصة بخلايا الجسم فيتعامل معها كأنها غريبة عنه، ويبدأ بمهاجمتها باستخدام خلايا المناعة والأجسام المضادة.  وهذا يسبب أضراراً شديدة للجسم قد تتركز في مكان واحد أو عضو واحد، أو قد تهاجم مجموعة من الأعضاء، فيسبب مرضاً  أو مجموعة من الأمراض؛ فقد يهاجم الجهاز المناعي جزءاً معيناً من جدار الأعصاب، مسبباً حالة تسمى التصلب المتعدد (:multiple sclerosis)، وهي تؤدي إلى حدوث شلل الجسم كله. وفي حالة مهاجمة الجهاز المناعي لمكان اتصال الأعصاب بالعضلات (neuromuscular junctions). يحدث ضعف وارتخاء شديد في العضلات، ويسمى حينئذ وهن العضلات الوخيم (myasthenia gravis). وقد يهاجم الجهاز المناعي، صمامات القلب، كما في حالات الحمى الرثوية (rheumatic fever). أو يهاجم الجلد ويسبب احمراراً في الوجه، في شكل جناحي فراشة على الخدين، كما في حالات الذئبة الحمراء ( Lupus Erythematosus). ويهاجم الجهاز المناعي أحياناً المفاصل مسبباً الداء الرثياني (Rheumatoid arthritis). وقد يهاجم جهاز المناعة أكثر من عضو  في الجسم، مثل الجلد، والقلب، والكبد، والكلى، والطحال، كما في مرض الذئبة الحمراء الجهازية ( Systemic Lupus Erythematosus).

هناك أكثر من ٨٠ مرض ناجم عن المناعة الذاتية. وتشير بغض التقديرات إلى أن أمراض المناعة الذاتية هي من أبرز ١٠ أسباب للوفاة بين النساء في جميع الأعمار حتى ٦٥ سنة، 
نسبة أمراض المناعة لدى النساء الكبيرة مقارنة بالذكور  (نسبة ٤ :١)  حيّرت العلماء منذ وقت طويل، وحاول كثير منهم تقديم عدة تفسيرات لشرح سبب هذه  الزيادة، أحد هذه التفسيرات تربطها بالوراثة والجينات والكروموسوم X ، حيث أن لدى الإناث كروموسوما X  ولدى الذكور كرموسومX واحد، ومنهم من ربط المرض بالهرمونات الأنثوية ، وبعضهم أشار إلى وجود مركب خاص يدعى VGLL3  بنسبة أكثر بكثير لدى النساء مقارنة بالرجال، ربما يفسر هذا الاستجابة المناعية العدوانية اتجاه أنسجة المريضة ، وكل هذه التفسيرات تشرح جزءًا من الأحجية أو جزءًا بسيطاً  من العملية المعقدة التي تصف هذه المجموعة من الأمراض، فمن الواضح أنها علاقة متشابكة  ومعقدة جداً بين الجهاز الهرموني والمناعي والعصبي immune neurohormonal pathway .

قبل أشهر قليلة خرجت الباحثة ميليسا ولسون وفريقها البحثي من جامعة أريزونا بفرضية ثورية نشرتها في مجلة اتجاهات في الوراثيات trends in genetics  في شهر يونيو ٢٠١٩ ، أسمت  فرضيتها ب "فرضية تعويض أثر الحمل" pregnancy compensation hypothesis ، حيث حازت قبولاً  وحماساً جيداً من الباحثين المهتمين، أو على الأقل لم تِنتقد  أو تُخطأ ،  بل قوبلت بالحماس والرغبة في اختبارها لقياس مدى صحتها ، الفرضية باختصار شديد تشير إلى جزئية تطورية مهمة جداً ، وهي أن المرأة في الأزمنة الغابرة كانت تحمل في عمر مبكر، أي في عمر  ١٤-١٦ سنة ، تشير الفرضية إلى  أن المشيمة في رحم الحامل ترسل إشارات إلى الجهاز المناعي بهدف إبطاء وتيرته حتى لا تُرفض المشيمة والجنين النامي، وحتى يحافظ الجهاز المناعي على قوته الكاملة ويحمى الحامل من المرض والعدوى ، يكون في أقصى قوته وليحافظ على حيويته وفعاليته في فترة نشاط المرأة الجنسي. 

ولكن  في العقود الأخيرة  وبسبب تأخر سن الإنجاب إلى أعمار متأخرة وقلة مرات الإنجاب ، سبب ذلك لبعض الفتيات هيجاناً وعدوانية زائدة من قبل الجهاز المناعي، لأنه يُفترض في هذا السن أن تكون الفتاة حاملاً وبذلك يحصل تهدئة وإعادة ضبط للجهاز المناعي خلال الحمل.

الفرضية ملفتة وجديرة بالبحث والاهتمام، ويجب  دراستها واختبارها لقياس مدى صحتها ، ومعرفة ما سبب تعرّض بعض الفتيات بالذات أكثر من نظرائهن الرجال  للإصابة بأمراض المناعة الذاتية، وهذا يفتح الباب مشرعاً لدراسات وراثية ومناعية متخصصة لسبر أغوار هذه الأمراض المستعصية.




*نص الدراسة* 
منذ حوالي ٦٥ مليون سنة ، بعد فترة قصيرة من زمن  الديناصورات ، برز مخلوق جديد (١) على المشهد التطوري.  كان هذا "الحيوان العداء (يركض قفزاً) " (٢)، كما وصفه الباحثون ، صغيرًا على الأرجح ،  ويأكل الحشرات ، وله ذيل من الفرو.  بدا الأمر ، وفقًا لريشة  فنان ، كجرذ مدينة نيويورك العدواني جداً .  وله مشيمة ، والمشيمة عضو ينمو  في عمق جسم الأم لتغذية الجنين أثناء الحمل.

 الشيء الذي يشبه القوارض أصبح الجد (السلف) المشترك للثدييات المشيمية في العالم ، بسلالة  تشمل الحيتان والخفافيش والكلاب والبشر ، من بين العديد من الأنواع الأخرى.  واليوم ، قد تحمل المشيمة المفتاح لواحد من أكثر الأحاجي الباقية (بلا حل)  في الطب البشري: لماذا تعاني النساء من معدلات إصابة بأمراض المناعة الذاتية بشكل أعلى بكثير من الرجال؟

أمراض المناعة الذاتية تحول أجهزة مناعة الناس ضد أجسامهم.  في الولايات المتحدة وحدها ، النساء  يمثلن ٨٠ في المائة من جميع حالات أمراض المناعة الذاتية (٣).  النساء أكثر احتمالاً بنسبة ١٦  مرة من الرجال للإصابة بمتلازمة شوغرن Sjogren’ (٤، ٥)  ، حيث يلاحق الجهاز المناعي الغدد التي تفرز الدموع واللعاب ، وأكثر احتمالاً بنسبة تسعة أضعاف  لإصابتهن بالتهاب الغدة الدرقية ل هاشيمونو (٦، ٧) ، مما يجعل الغدة الدرقية هدفاً له.   متلازمة شوغرن أجبرت  لاعبة التنس ڤيناس وليامز على التخلي  عن بطولة الولايات المتحدة المفتوحة عام ٢٠١١ (٨). وخضعت المغنية سيلينا غوميز لعملية زرع كلى بعد تعرضها لمضاعفات من مرض الذئبة (٩) ، وهو   أكثر شيوعاً بين النساء  بثمان مرات منه في الرجال.

 يعتقد بعض الباحثين  الآن أن المشيمة نفسها قد تكون السبب في إصابة  النساء بشكل غير متكافيء.  في مقال نشر في يونيو ١، ٢٠١٩  في مجلة Trends in Genetics (١٠)، قدمت ميليسا ويلسون ، باحثة  الأحياء التطورية ، إلى جانب زملائها من جامعة ولاية أريزونا ، تفسيراً يدعى "فرضية تعويض أثر الحملpregnancy-compensation hypothesis.”.  في حرب شد الحبل الشرس مع المشيمة ، حتى عندما لا تكون الأعضاء organs موجودة بالفعل.

إليكم شرح عن  الفرضية: النساء - وجميع الثدييات الأخرى التي لها مشيمة - تطورن بحيث من  شأنهن أن تصبحن حملاً طوال  الكثير من سنوات بلوغها.  قبل  ظهور  وسائل تحديد النسل ، كان هذا الى حد بعيد هو مصير الجنس الأنثوي.  أخبرتني ويلسون أنه في أوساط مجتمعات الصيادين والجامعين ، ليس من غير المألوف أن تنجب كل امرأة من ثمانية إلى ١٢ طفلاً.

 على الرغم من أن الحمل بعدد كثير  من الأطفال قد يبدو مرهقًا ، إلا أن أجسام النساء تطورت لتتحمل ذلك .  عندما تنمو المشيمة أثناء الحمل ، يرسل العضو إشارات إلى الجهاز المناعي للأم لتغيير نشاطه بحيث لا يرفض جسم الأم المشيمة والجنين.  هذا قد يعني حتى إيقاف/تعطيل عمل الجهاز المناعي  في بعض النواحي ، أو لبعض الفترات الزمنية.  إيقاف/تعطيل عمل الجهاز المناعي أكثر من اللازم ، ينطوي على خطر جعل النساء حساسات لمسببات الأمراض ، مما قد يكون ضارًا بالجنين.  لذلك بدلاً من ذلك ، نظام المناعة لدى الأم  يرتفع بطرق أخرى طوال مرحلة البلوغ ، كما تعتقد ويلسون وزملاؤها ، حتى يبقى  يقظاً  ضد الجراثيم حتى وإن بقيت  بعض أجزائه خامدة  أثناء الحمل.

ومع ذلك ، تصبح الأمور معقدة عندما لا تحدث حالات حمل  بالفعل.  تميل النساء اليوم إلى إنجاب عدد أقل بكثير من الأطفال (١١) - أقل من طفلين في المتوسط في الولايات المتحدة ، طبقًا لمركز السيطرة على الأمراض.  ترجع  ويلسون السبب الى  أنه من دون مقاومة pushback المشيمة التي ربما تزيد او تنقص  أثناء فترة الحمل - وهي  المقاومة التي تطورت أجهزة المناعة لدى النساء لتوقعها - يمكن لجهاز المناعة أن يصبح عدوانيًا أكثر من اللازم ، كما يمكن أن يكون مرتفعاً  بشكل  مفرط . جهاز المناعة يبدأ في البحث عن أشياء لمهاجمتها مع أنها  ليست خطيرة ، وهنا كيف تبدأ أمراض المناعة الذاتية.

 تقول ويلسون: "لملايين السنين ، وقبل  ال ١٠٠ سنة الماضية ،" كان الجهاز المناعي يتوقع أن يكون معرضاُ للمشيمة ".  تخيل لو كنت تسحب  أشياء ثقيلة ، ثم انقطع  الحبل.  "ولو  لم يعد لديك هذا الشيء الثقيل فجأة ، فستقفز الى القمر".

هذه بالتأكيد ليست النظرية الأولى عن لماذا  تصاب  النساء بأمراض المناعة الذاتية أكثر من الرجال.  إحدى النظريات لها  علاقة ببروتين يسمى BAFF (١٢).  وتتعلق الآخرى بحقيقة أن النساء لديهن كروموسوما X بدلاً من كرموسوم واحد (لدى الرجال،  ١٣).  بالطريقة التي تراها ويلسون ، فرضية تعويض أثر الحمل pregnancy-compensation hypothesis تركب synthesise العديد من النظريات السابقة معًا. في نظرية واحدة وتقدم التفسير التطوري الذي وراءها.  "لقد كانت  كلها  لا بأس بها" ، كما تقول.  "لكن الجميع  يبحث عنها من منظوره الخاص ، ونحن انتظرنا  أن تكون جلية للكل.

 تقول ويلسون إنه حتى الآن ، لم يتقدم أحد لمهاجمتها لكونها مخطئة ، على الرغم من الجرأة الظاهرة لهذه النظرية.  يقول العديد من الخبراء الذين تحدثت إليهم - حتى أولئك الذين لديهم نظريات منافسة عن اختلاف الجنس في أمراض المناعة الذاتية - إن نظرية ويلسون قد تتوافق مع ما نعرفه بالفعل.  يقول نيكولاوس باتسوبولوس ، أستاذ مساعد في علم الأعصاب في مستشفى بريغهام ومستشفى النساء: "أود أن أقول أنه لا توجد نظرية واحدة تفسر جميع أمراض المناعة الذاتية".  يقول: "هذا ليس سيد الخواتم". ومع ذلك ، فإن هذه النظرية تضع  الكثير من الأشياء التي نعرف أنها صحيحة وبعضها ما زلنا نحاول أن نفهمه . "

وجد يوهان جودجونسون ، برفسور علم المناعة الجزيئي للجلد في جامعة ميشيغان ، أن النساء لديهن من مفتاح switch  جزيئي في جلدهن يسمى VGLL3  أكثر من الرجال  (١٤) ، وأن كل هذا ال VGLL3 قد يكون سبب الإستجابة المناعية المرتفعة لدى النساء  .  في هذه الحالة ، قد يكون ال  VGLL3 هو كيف يقوم  الجسم برفع  الجهاز المناعي ، ولكن قد تكون فرضية تعويض آثر الحمل هي السبب وراء قيامه بذلك.

 بالمثل ، يقول هال سكوفيلد ، برفسور علم الباثلوجيا  والطب بجامعة أوكلاهوما ، إنه يبدو أن هناك الكثير من الجينات المرتبطة بالاستجابة المناعية على كروموسوم X ، ولأن النساء لديهن كروموسوما X بينما الرجال لديهم كرموسوم واحد فقط ، فإن لدى النساء  عدداً أكثر من تلك الجينات المناعية.  قد تكون نظرية المشيمة التي ابتكرها فريق ويلسون السبب وراء حدوث ذلك.  نظرًا لأن النساء يجب أن يكون لديهن أجهزة مناعة قوية تقاوم المشيمة ، فقد تطورت اجهزة المناعة هذه لتنتج المزيد من الجينات المعنية بالاستجابة المناعية.   "لا أعتقد أن هناك أي طريقة للتفكير في أن الحمل المشيمي يجب أن يكون له تأثير على الجهاز المناعي التطوري" كما  قال لي سكوفيلد:.

ليس كل من اتصلت  به  كان معجباً  بالورقة.  أخبرني ديفيد هافلر ، برفسور علم الأعصاب في كلية ييل للطب ، "الأفكار كثيرة.  بمعنى آخر ، بالتأكيد ، تعتبر فرضية تعويض  أثر الحمل فكرة مثيرة للاهتمام ، لكن  يبقى علينا اختبارها.

 تقول ويلسون إن هناك فرصًا للقيام بذلك.  قد يحاول  الباحثون  تحديد ما إذا كان عدد حالات الحمل لدى المرأة عاملاً تنبؤياً  بخطر الإصابة بأمراض المناعة الذاتية.  لو كانت نظرية ويلسون ثابتة ، فإن النساء اللائي لديهن  عدد حالات حمل أكثر يجب أن يكون لديهن خطر أقل.  أو يمكن للباحثين  دراسة الاختلافات بين الثدييات في الحيوانات البرية والحيوانات في حدائق الحيوانات ، والتي يّستعمل  في بعض الأحيان معهن وسائل تحديد النسل (١٥) ، لتحديد ما إذا كانت لديها اختلافات في وظائف مناعتها الذاتية.

قد يأخذ بعض الناس نتائج ويلسون لتعني أنه يجب أن تكون المرأة حاملاً ببساطة في كل الأوقات ، لكن هذا بعيد عن الفكرة  الرئيسيّة  هنا.  الحمل ، بعد كل شيء ، يحمل أيضًا مخاطر صحية كبيرة (١٦) ، وليس كل النساء يرغبن في إنجاب ١٢ طفلًا.  وتشير نتائج ويلسون إلى أن أجهزة المناعة لدى النساء القوية قد تحميهن في بعض الحالات.  النساء أقل احتمالاً  من الرجال للإصابة  بأنواع معينة من السرطانات غير التناسلية ، على سبيل المثال.

 تقول ويلسون إن الأمل هو في  معرفة ما هو الشيء الموجود في الجهاز المناعي الذي يحاول الاستجابة للمشيمة ، واستهداف ذلك الشيء باللقاحات أو العلاجات.   المزيد من البحث قد يعني تحسينات كبيرة في طريقة علاج أمراض المناعة الذاتية لدى النساء.  قالت لي ويلسون: "لم أكن متحمسًا أبدًا لفكرة ما أكثر من تحمسي لهذاه الفكرة".  "هذه هي المرة الأولى التي يمكنني فيها رؤية أن عملي له تأثير مباشر في السنوات العشر القادمة على صحة الإنسان."

مصادر من داخل وخارج النص 


















المصدر الرئيس

للمواضيع المترجمة السابقة يرجى زيارة المدونة على هذا العنوان؛

هناك تعليق واحد:

  1. ارسلت تعريف بالمرض فنريد علاج بارك الله فيك .اجعل الترهيب يعقبه ترغيب .

    ردحذف