الثلاثاء، 14 يناير 2020

مقدرتنا على التعرف على الحروف يمكن ان تكون متأصلة في أدمغتنا

١٤ سبتمبر ٢٠١٧

الكاتب: بول برين

المترجم : ابو طه/ عدنان احمد الحاجي 

راجعه ودققه  وقدم له محمد خضر الشاخوري - طالب دكتوراة في اللسانيات - أصوات ولهجات- وعلوم اللغة الحاسوبية، جامعة ارزونا* 


المقالة رقم ١٤ لسنة ٢٠٢٠

التصنيف : أبحاث اللغة 


Paul Breen

September 14, 2017 


مقدمة محمد خضر الشاخوري 
من أحد الأسئلة الشائكة في علوم اللسانيات الحديثة, سؤال ما الذي يجعل شكل الحروف كما هو عليه الآن في لغاتنا؟  لماذا مثلاً حرف الواو متشابه في معظم اللغات بنسبة كبيرة, ويتسق مع الشكل المستدير للشفتين في حالة نطقه. صعوبة  الإجابة على مثل هذا السؤال القول بأن الارتباط بين الصوت وشكله في العقل مرتبط ارتباطاً اعتباطياً – أي لا علاقة نظامية بينهما. هذه العلاقة الاعتباطية رسخها عالم اللسانيات دي سوسيير في كتابه  "منهج في اللغويات الحديثة". ولعل قدوم نعوم تشومسكي في عام ١٩٥٥ للمدرسة الادراكية جعل مفهوم العلاقة الاعتباطية صلبا (راسخاً) في البحوث اللسانية, خصوصا بعد تمدد نفوذ نظريته: التراكيب الكونية الإدراكية في العلوم اللسانية وغيرها, وبدت المحاولات الساعية لإيجاد إجابات بديلة صغيرة في حجمها العلمي رغم رصانتها البحثية والعلمية. 
لكن, منذ بداية التسعينيات تم إعادة إحياء نظرية التطور واللغة في أروقة اللسانين, والتي تزامنت مع اندماج الحقول التجريبية كالتجارب الدماغية مع الادراكية. منذ ذاك الحين,  بدأت البحوث تتوالى للعثورعلى إجابة للسؤال أعلاه. هذا المقال من ضمن  أحد المحاولات والتي يحاول فيها الباحث عقد بعض التجارب بين بعض متحدثي لغات مختلفة, لإعطاء النتائج صبغة الكونية اللغوية (١)،  هذا البحث محاولة مهمة جداً لإيجاد علاقة نظامية بين شكل الحرف وصوت الحرف. , ولكن المأخذ على مثل بعض هذه الدراسات,  أنها محدودة على أصوات محددة جداً لا يتجاوز عددها صوتين أو ثلاثة. لكن هذا القول لا يعني التقليل من البحث أدناه أو نتائجه, وإنما جزء من بعض الفجوات التي أهملها الباحث ولم يتطرق لها بشكل جيد.


النص المترجم  
 في الستينات من القرن الماضي، ادعى  العالم  اللغوي والناشط السياسي نعوم تشومسكي أن الدماغ البشري مجبول  على  المعرفة  الفطرية باللغة. وقد أصبح هذا الإدعاء يعرف باسم نظرية القواعد   العالمية Universal Grammar theory (١)، وقدمت كتفسيرللسرعة التي يميل  الأطفال إلى تعلم لغتهم الأولى. ووراثيا، العقل البشري مهيأ لفهم الكلمات وترتيبها في تسلسل منطقي كما هم يتغلبون  على الاضطراب الأولي لتعلم اللغة.

وبطبيعة الحال، لم يتفق الجميع مع نظرية تشومسكي اللغوية، تماماً كما لا يتفق الجميع مع مواقفه السياسية التي أصبح يعرف بها مؤخرا (٢). ذهب أحد علماء النفس، وهو هربرت تراس Herbert Terrace،  بعيداً في معارضته لأفكار تشومسكي حتى أنه أجرى تجربة حاول فيها تعليم الشمپانزي لغة الإشارة الأمريكية (٣) . في تلاعب بالكلمات بطريفة غريبة أو ذكية ،   حتى انه سمى  المشارك في  بحثه  نيم تشيمبسكي Nim Chimpsky.

ولكن صدر بحث جديد يشير إلى وجود صلة بين اللغة المكتوبة وشيء أكثر جوهرية في أدمغتنا يمكن أن يعني أننا بحاجة إلى إعادة النظر مرة أخرى في أفكار تشومسكي. ووجدت دراسة،  نشرت في مجلة جمعية العلوم الملكية  المفتوحة (٤)، أن المشاركين الذين أُجريت عليهم الدراسة بإمكانهم تخمين  أي  الأصوات ممثلة بحروف هجائية غير المألوفة بمعدلات أفضل مما تتوقعه أنت أو غيرك من (ضربة حظ بسيطة). لو كان لدينا القدرة الفطرية على معرفة الكتابة، اذاً  ربما   أن اللغة بشكل عام  هي شيء وجد أعمق بكثير في الأدمغة من غيرها من المهارات المكتسبة.

البحث الجديد اخذ في الإعتبار كيف تعمل عقولنا عندما نحاول فك تركيبة الصوت، وفقا للحروف، كما عندما نعمل على ايجاد الفرق بين تشومسكي Chomsky و تشيمبسكي.   Chimpsky ما الذي يدفعنا إلى ربط الحرف K بالصوت الحاد [ يقصد الإنفجار المصاحب المصاحب لصوت الكاف المهموس **] الذي يمثله؟ هل هو بسبب شكل الحرف المادي physical  حيث نقاط حادة تبرز من الساق المستقيم والقائم [أتوقع أنه يقصد مكان نطق الكاف الذي يتكون بارتفاع المنطقةالخلفية للسان ولمسها لسقف الفم الخلفي**]؟ هل هذا التمثيل البصري يلامس شيئاً مفطوراً hardwired  في ذكرياتنا "(أي نحن مجبولون عليه) على قدم المساواة مع قواعد اللغة الكونية؟ أو، من ناحية أخرى، هل هذه هي الطريقة التي  عُـلمنا اياها  لتفسير الحرف K؟

قامت باحثة علم الأعصاب نورا تورومان في سويسرا وباحثة النفس التجريبي سوزي ستايلز في سنغافورة بسلسلة من التجارب لمحاولة معرفة ما هو الشيء الذي يجعل الحروف تبدو بالطريقة التي تبدو عليها، وما الذي يشكل/يؤثر على  المعرفة البشرية للأصوات التي تمثله هذه الحروف.  وشملت التجارب عرض  حروف  فردية من أنظمة كتابة قديمة على عينة بحثية من ٩٨ طالباً جامعياً سنغافورياً ومجموعة أكبر من ٣٠٠ مستخدم إنترنت دولي.

في كلتا الحالتين، عرض على المشاركين حروف  غير مألوفة من مجموعة متنوعة تصل إلى ٥٦ حرفاً  هجائياً، والتي تمثل أصوات ال / i / (صوت "ee" في "feet")، و / u / (صوت "oo" في "shoe"). وكانت مهمتهم  تخمين أي من الحروف يمثل الصوتين  وإبلاغ  الباحثين بذلك..

هل تعرفت على أي شيء؟
النتائج الأولية من البحث توحي بأنه قد يكون هناك بالفعل علاقة بين بعض الأشكال المكتوبة والأصوات التي تمثلها. عندما عُرضت على القرّاء مع زوج من حروف غير مألوفة، تمكنوا من تخمين اي منها يمثل أي صوت   بمعدلات أعلى مما كان يُتوقع أن يحصل عن طريق الصدفة. وهذا يشير إلى أن بعض خصائص الأصوات اللغوية يمكن استخلاصها من شكل كل  حرف عن طريق شيء آخر غير التعلم أو الخبرة السابقة.

قد يناقش البعض أن القراء قد يكونوا مجرد معتمدين  على مجموعة من الخصائص المادية physical  المشتركة في جميع اللغات. ولكن هذا لن يكون إلا إذا كانت الخصائص المادية physical لجميع الحروف الهجائية هي نفسها، ولكنها ليست كذلك. اليابانية، على سبيل المثال، تختلف كثيرا عن العربية أو اللاتينية. ويبدو إذاً أن شيئا قد يحدث على مستوى أعمق بكثير في أدمغتنا عندما نفك رموز أصوات كل  حرف.

ويعتقد الباحثون أن الخصائص الأساسية لحواسنا لها دخل في مطابقة أصوات الكلام والأشكال التي تعتبر انها تمثلها. على وجه الخصوص، فهم يعتقدون أنه قد يكون هناك صلة بين مدى تفاصيل الحرف  من حيث مقدار الحبر المستخدم  لكتابته، ونبرة  الصوت المرتبطة به. وفي تجاربهم، كلما زادت تفاصيل  الحرف، كلما كان من  الأرجح ان يخمن  المشاركون  أنه يمثل أخفض نبرة صوت  / u /.
لماذا هذا مهم؟


ماهي أهمية الدراسة 
دراسة واحدة ليست دليلا قاطعا، وبطبيعة الحال، نحن بحاجة إلى المزيد من البحوث لمعرفة الواقع. لكنها تشير إلى أنه، في نفس السياق كنظرية تشومسكي للنحو العالمي، يمكن جعل العلاقات  بين الأصوات اللغوية والخصائص البصرية يمكن أن تكون مفطورةً  hardwired في الدماغ البشري ( أي جزء لا يتجزأ منه). وهذا يجعل الدراسة مهمة جداً لعدة أسباب. أولا، إنها تسهم إسهاما هاما في مجالات علم النفس اللغوي (العلاقة بين اللغة والعمليات النفسية) وفهم كيف  نكتسب / نتعلم  اللغات، لكل من متحدثي اللغة الأصليين ومتعلمي اللغة غير الأصليين.

ثانياً، يمكن أن تؤدي إلى طرق جديدة لمعرفة  وتعليم اللغة من خلال إعطاء القراء معرفة أفضل  بكيف  تم ربط  أصوات الكلام بالحروف المكتوبة. ويمكن أن يكون هذا مفيداً بشكل خاص لأولئك الذين لديهم صعوبات في فك كل حرف  بوحده  داخل الكلمات.

وأخيرا، يمكن أن يكون للبحث تأثير على الطريقة التي يتم فيها تسجيل اللغات النادرة,  التي يِتخدث  بها بشكل رئيسي،  في الإصدارات المكتوبة. معرفة  الخصائص المرئية لأصوات الكلام يمكن أن يساعد في تطوير أنظمة كتابية جديدة التي تمثل عن كثب اللغة المنطوقة.

لو كان الدماغ البشري هو في الواقع مفطوراُ   hardwired بطرق معينة لفك رموز الكلمات نفسها، وليس فقط ترتيبها النحوي، إذاً قوة كل حرف يمكن أن تكون أكبر بكثير مما كنا نتخيله في أي وقت مضى. وقد أعطت هذه الدراسة لنا طريقة جديدة كاملة للنظر في كلمتي "تشيمبسكي وتشومسكي"، والعلاقات التي لدينا ليس فقط مع الأسماء  ولكن مع الحروف التي تعطيها الشكل.


تعليقات ومصادر من داخل وخارج النص   

*تعليق المراجع محمد خضر الشاخوري

** مفهوم جاء به عالم اللسانيات تشومسكي بأن كل اللغات تشترك في خصائص لغوية مشتركة مما يجعل هذه الخصائص كونية وموحدة عند جميع متحدثي اللغات
  





المصدر الرئيس

 للمواضيع المترجمة السابقة يرجى زيارة المدونة على هذا العنوان؛

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق