السبت، 28 مارس 2020

[تأملات في التباعد الاجتماعي من ناحية تطورية]

فيروس كورونا : خبراء في التطور يوضحون لماذا يبدو التباعد الاجتماعي غير طبيعي جدا

بقلم ايسابيل كاثرين وايندر، محاضرة في علم الحيوان لدى جامعة بانغور، ويلز، المملكة المتحدة 

26 مارس 2020 

المترجم : عدنان أحمد الحاجي 

المقالة رقم 100 لسنة 2020

التصنيف: السلوك    


Isabelle Catherine Winder Lecturer in Zoology, Bangor University

March 26, 2020 
 J



بالنسبة للكثير من الناس ، فإن الجزء الأكثر إزعاجًا لجائحة فيروس كورونا هو فكرة العزلة الاجتماعية. إذا مرضنا ، فإننا نمارس الحجر الصحي على أنفسنا لحماية الآخرين. ولكن حتى بين الأصحاء، قد تبدأ مشكلة الوحدة كلما انخرطنا في التباعد الاجتماعي الوقائي (1).

هناك بعض النصائح الرائعة (2)  حول كيف تبقى على اتصال مع الآخرين في مثل هذه الأوقات. ولكن لماذا يصعب على كثير منا ممارسة التباعد الإجتماعي؟ ربما تكون الإجابة مرتبطة أكثر بتاريخنا التطوري مما يعتقده الناس.

الناس جزء من مجموعة اجتماعية حقيقية ، وهي الرئيسيات. الرئيسيات تتميز عن الحيوانات الأخرى من خلال الإمساك بأيديها وطرق مختلفة للتنقل من مكان الى آخر،  ولأنها تظهر مستوى عالٍ من التفاعل الاجتماعي.

مقارنةً بالثدييات الأخرى بنفس حجم الجسم ، فإن الرئيسيات لديها أيضًا أدمغة أكبر (3). هناك العديد من الفرضيات عن أسباب ذلك. نحن نعلم ، على سبيل المثال، أنه في داخل الرئيسيات، الأنواع (الأجناس) species، التي تواجه صعوبات بيئية  (إيكولوجية) كالحصول على الغذاء الذي يصعب الوصول إليه، لها أدمغة أكبر قليلاً. القيام بهذه الأشياء قد يتطلب أدمغة أكثر تعقيدًا.

يبدو أن أدمغتنا الكبيرة تتعلق بقدر كبير بإدارة علاقاتنا الاجتماعية مثل مهاراتنا في البقاء على قيد الحياة. حجم الدماغ في جميع الثدييات مرتبط بالفهم والذكاء. وفي الرئيسيات ، يرتبط بشكل إيجابي أيضًا بحجم المجموعة الاجتماعية.

تتطلب الحياة في مجموعات أن نفهم كلاً من العلاقات الودية والمتضاربة مع من حولنا. بالنسبة للرئيسيات ، فإن تذكر كيف تفاعل اثنان في الماضي وكيف ربما  يشعران  تجاه بعضهما البعض حالياً، هو معرفة ضرورية عند تحديد من يجب أن يقارب لطلب المساعدة. لذا تعتبر المهارات الاجتماعية أساسية للبقاء في المواقف الجماعية.

الأدمغة البشرية هي حتى  أكبر من أدمغة الرئيسيات الأخرى. إذا طبقنا قاعدة القياس هذه على أنفسنا ، فإننا نتوقع أن يكون متوسط حجم المجموعة الاجتماعية حوالي 150 شخصًا (طالع التوضيح في 4). يبدو أن هذا التوقع صحيح. أماكن العمل، على سبيل المثال، أُثبت أنها تعمل بشكل أفضل عندما لا يكون هناك أكثر من 150 موظفًا .

لماذا نعيش في مجموعات؟
العيش في مجموعة يوفر مزايا متفاوتة (5). المجموعات الأكبر لديها دفاعات ( جمع دفاع ) أفضل ضد المنافسين والحيوانات المفترسة. غالبًا ما يكونون أكثر قدرة على العثور على الغذاء - المزيد من أزواج (الزوج = اثنين)  العيون الباحثة،عن أشجار الفاكهة يعني المزيد من النجاح - وهي أكثر قدرة على الدفاع عن هذا الغذاء من منافسيها.

للإنسان اجتماعي بطبعه 
هناك مزايا تناسلية أيضًا. كلما كبرت المجموعة ، كلما زادت احتمالية أن يتمكن أي فرد منها من العثور على رفيق مناسب له.

في الأنواع species الأكثر اجتماعيةً، هناك أيضًا وفرة محتملة من مقدمي الرعاية البديلين للقيام برعاية الأطفال أو تعليمهم. لدى الرضع  من الرئيسيات الكثير من المهارات الاجتماعية والبدنية المعقدة للتعلم (6). العيش في مجموعة يمنح الرئيسيات المزيد من الفرص لتطوير تلك المهارات في بيئة آمنة تحت عين الكبار الساهرة.

وأخيرًا ، تتمتع المجموعات الاجتماعية الأكبر بقدرة أكبر على توليد وحفظ ونقل المعرفة. الأعضاء الأكبر سنًا أكثر عددًا في المجموعات الكبيرة. فقد يتذكر هؤلاء الأعضاء الكبار كيف يحصلون على الموارد الصعبة أو غير العادية، وقد يكونون قادرين على اراءة الأعضاء الآخرين كيف يقومون بذلك. هذا يمكن أن يعني الفرق بين البقاء على قيد الحياة أو الموت. على سبيل المثال في حالة الجفاف ، قد يتذكر أقدم أعضاء المجموعة فقط مكان عيون الماء المتبقية.

بأي  شيء نختلف؟
كل هذا يفسر إلى حد ما لماذا العزلة الاجتماعية يمكن أن تكون غير مريحة للغاية بالنسبة لنا. البشر الحديث هم من أكثر الأنواع اجتماعية (7) من بين جميع الثدييات.

مع تطورنا، استمرت أدمغتنا في التمدد (8). يبدو أن هذه الزيادات تتناسب مع الاعتماد الأكثر كثافة على المجتمع.

العديد من ميزاتنا المميزة ، بما في ذلك اللغة والثقافة، تشير إلى أن البشر الحديث يعتمدون بشكل خاص على الحياة الاجتماعية. الدليل الأكثر إقناعاً قد يأتي من تقسيمنا المميز للعمل.

إن تقسيم العمل (9, وللتعريف، راجع 10),  يعني أننا نخصص مهام محددة مختلفة لأشخاص أو مجموعات مختلفة. في مجتمعات الصيادين-الجامعين ، قد يذهب بعض الأفراد للصيد، بينما يقوم آخرون بجمع النباتات أو رعاية الأطفال أو إنتاج الملابس أو الأدوات.

يستخدم البشر هذه الاستراتيجية أكثر من أي حيوان آخر من الرئيسيات . اليوم ، هناك العديد من الأشخاص الذين لم يصطادوا أو يزرعوا غذاءهم قط - ولكن  تُفوض هذه المهام إلى أشخاص أو شركات أخرى ، كمحلات السوبر ماركت. هذا يعني أنه يحرننا من هذه الأشياء ويكون لدينا مجال للعمل على أشياء أخرى ، ولكنه [هذا التفويض] يجعلنا أيضًا نعتمد بشدة على شبكاتنا الاجتماعية للضروريات اليومية.

لقد تطورنا لنصبح مخلوقات اجتماعية بالمعني الحرفي للكلمة ، ولا عجب في الواقع أن الكثير منا وجد أن التباعد الإجتماعي شيئاً مرعبًا / مخيفاً. ومع ذلك ، ليس الوضع كله سيء ولا أمل فيه. الإستئناس بالعلاقات الاجتماعية (المعاشرة الإجتماعية)  المكثفة للبشر قد تطورت على مدى فترة زمنية طويلة جدًا لتجعلنا قادرين على التعود على  المحافظة على علاقات مع أعداد كبيرة من الناس ، وبالتالي نحسن من  فرصنا المشتركة في البقاء على قيد الحياة.

لقد طورنا بالفعل لغة رمزية وقدرات ثقافية وتكنولوجية ضخمة. فلو لم نفعل ذلك ، فلن تكون لدينا طريقة للعيش في مجتمعنا العولمي بشكل متزايد، حيث من المستحيل فعليًا الحفاظ على الروابط الشخصية مع كل شخص نعتمد عليه.

تدابير التباعد الاجتماعي الحالية تتعلق، في الواقع، بالمسافة المادية. لكن اليوم ، لا يجب أن تعني المسافة المادية العزلة الاجتماعية.

تاريخنا البشري الغني لإدارة التفاعل الاجتماعي بطرق جديدة  يشير إلى أن لدينا موهبة للتكيف والابتكار للتعويض عن تلك الصعوبات. في السنوات العشرين الماضية، حولنا الانتشار الواسع حداً (الانفجار) للهواتف المحمولة والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي إلى "اتصالات فائقة". وهذا يدل على رغبتنا العميقة في التواصل مع بعضنا البعض.

أنفسنا الحيوانية الداخلية تتوق الى الاجتماع والشراكة، وفي هذا الوقت من الابتعاد الجسدي ، فإن هذه الأساليب للبقاء على اتصال اجتماعي تصبح بالفعل فعالة بشكل كامل.


تعريف ومصادر من داخل وخارج النص  






4- البشر يمكن أن يحتفظوا فقط بحوالي 150 علاقة ذات معنىً في أدمغتهم، بحسب روبن دونبار Dunbar  هذا الرقم صيغ على أنه رقم دونبار, المزيد على هذا العنوان : https://www.npr.org/2011/06/04/136723316/dont-believe-facebook-you-only-have-150-friends?t=1584705448989












 10-  تقسيم العمل : :"طريقة لتنظيم الإنتاج تقضي بأن يتخصص كل عامل بجزء من العملية الانتاجية. التخصص في العمل يعطي مخرجات أعلى لأن العامل يصبح أكثر مهارة في إنجاز مهمة محددة، ولأن في الإمكان الاستعانة بماكينات متخصصة لإنجاز مهمات فرعية بشكل أدق. في" اقتبسناه من نص ورد على هذا العنوان : https://ar.wikipedia.org/wiki/تقسيم_العمل

المصدر الرئيس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق