بقلم كارولين ويست ، استاذة
مشاركة في الفلسفة ، جامعة سيدني
24 يناير 2023
المترجم: عدنان أحمد الخاجي
المقالة رقم 33 لسنة 2023
Kids cause suffering (at least for
parents) but do they make you unhappy?
Caroline West , Senior
Lecturer in Philosophy, University of Sydney
January
24, 2023
اثبتت بعض الدراسات المؤثرة أن
قرار إنجاب أطفال يؤدي إلى معاناة كبيرة - على الأقل للوالدين. أثبتت دراسة
شهيرة(1) أجراها عالم النفس الحائز على جائزة نوبل دانيال كانيمان
والمتعاونون معه أن النساء العاملات يمررن بمشاعر إكثر سلبية وأقل إيجابية أثناء
قيامهن برعاية أطفالهن مقارنةً بانشغالهن بأي نشاط آخر تقريبًا (باستثناء تنظيف
الحمامات).
أظهرت دراسة لاحقة(2) أن هناك عوامل أخرى، كالثروة والدعم الاجتماعي [من قبل الأهل والأصدقاء]، تلعب دورًا في هذا التأثير، ولكن النقطة المحورية لا تزال قائمة [من حيث الإحساس بالمشاعر السلبية]. حتى في أفضل الظروف، فإن إنجاب أطفال هو أقل الوسائل المثلى لتحقيق أقصى قدر من اللذة والسعادة pleasure and enjoyment في حياة الوالدين. [المترجم : الشعور باللذة هو شعور عابر ويعتبر شيء حبواني بد يؤدي الى الإدمان ينما الشعور بالسعادة يعتبر شيئًا اكتسابيًا انسانيًا يدوم أطول ولا يؤدي إلى ادمان(3]”.
هكذا نتائج قد فُسرت في المناقشات على المستويين الشعبي والأكاديمي على أنها تشير إلى أن الأطفال ليسوا مصدرًا رائعًا للسعادة. في كتابه الأكثر مبيعًا بحسب صحبيفة نيويورك تايمز ، العثور على السعادة Stumbling on Happiness(4)، يدّعي الباحث في علم النفس الرائد في جامعة هارفارد دانيال غيلبرت Daniel Gilbert أن النتائج، كالتي كشف عنها كانيمان، أن الفكرة، التي تقول أن انجاب"الأطفال تجلب السعادة" هي "تناسخ / تناقل مفرط لمعتقدات صحيحة أو خاطئة بين الناس (super-replicator)"، هي فكرة خاطئة: أسطورة ثقافية مصممة لإبقاء الوالدين الجاهلين بوجود مصادر خطر أو تهديد يواصلان توريث جيناتهما الى نسلهما، رغم أنها تجعلهما تعيسين. يقول شعار كتاب غيلبرت "هل تعتقد أنك تعرف ما الذي يجعلك سعيدًا؟" حسنًا، فكر مرة أخرى.
كتاب غيلبرت مليء بالأفكار الشيقة والمهمة حول اللذة والسعادة و"الأخطاء" التي نرتكبها بشكل ممنهج ونحن نسعى (كما يُفترض) إلى تعظيمها. ولكن هل تعظيم الشعور باللذة وبالسعادة هو بالفعل هدفنا النهائي؟ وهل هي "السعادة" بالفعل التي يعنيها معظم الناس؟
لنفترض أن إنجاب الأطفال يفشل في
تحقيق أقصى قدر من الشعور باللذة / المتعة(5) الكاملة [المترجم: أنواع المتعة / اللذة هي المتعة
الحسية والجمالية،والفنية] طوال الحياة، وقد يكون في بعض الأحيان ليس ممتعًا البتة.
(بعد أن عشتُ شخصيًا نوبات من الغضب وابتليت بتغيير حفاضات أطفالي الفائضة بالبول / الغائط بشكل أكثر مما لم يسمح لي حتى بالقدرة على
النوم حتى بعد العد من واحد إلى عشرة ، لا أعترض على هذا المعنى.) هل يعني ذلك أن
إنجاب أطفال يجعلني غير سعيدة؟ هل تقيس دراسات كهذه مستوى الشعور بالسعادة بالفعل، أو
سعادة من نوع آخر مهم؟
لكي نكون واضحين، يجب أن نلاحظ أن مثل هذه الدراسات تقيس الشعور باللذة / المتعة (التأثير الإيجابي والسلبي لها) بالمعنى الواسع. نحن لا نتحدث فقط عن الأحاسيس الجسدية السطحية العابرة التي من الواضح أنها احاسيس هامشية بالسعادة بالمعنى المنطقي على الأمد الطويل، ولكن المشاعر والحالات النفسية العميقة الواسعة الانتشار مثل نسبة الشعور بالمتعة والانشغال إلى مقدار التوتر النفسي والملل (عدم الانشغال).
ومع ذلك، هل من المفاجئ جدًا أن
يكون الأطفال مرهقين وغير سعداء في كثير من الأحيان؟ أو أن بعض لحظات الفرح التي
لا تُنسى بشكل خاص، في بعض النواحي ، لا يفوقها ، لحسن الحظ ، إلَّا لحظات لا تنسى
من القلق والارهاق والملل والإحباط.
المتعة العالية
حقيقة أن الكثيرين منا يعرفون ذلك،
ولا يزالون يعتبرون انجاب الأطفال مصدرًا للسعادة ، تشير إلى أن (على الأقل كما
يستخدم الكثيرون هذا المصطلح) السعادة لا يجب أن تُعرَّف ببساطة من خلال ميزان
ايجابي لصالح المتعة على حساب المعاناة. (بما أن كتب الشعور بالمتعة والشعور بالسعادة لا تباع بنفس
الكمية تقريبًا كما تباع كتب السعادة، فإن إغراء إعادة عنونتها أمر متفهم).
علاوة على ذلك ، فإن فكرة أنه يمكن اختزال السعادة إلى شعور باللذة وبالسعادة لها سابقة تاريخية، وإن كانت قريبة العهد. تتكون كلمة "السعادة" من "hap" في اللغة الإنجليزية الوسطى [اللغة السائدة ما بين 1150 - 0150م] ، وتعني في الأصل "محظوظًا" أو "ذو حظ" وتشير إلى ما إذا كانت الأمور تسير على ما يرام بالنسبة لأحد الأشخاص، وليس فقط إلى حالته الذهنية (التي قد تكون حالة متوهمة).
بحلول أواخر القرن الثامن عشر
الميلادي، انبثقت طريقة تفكير جديدة وفريدة من نوعها قائمة على الشعور بالسعادة،
خاصة في إنجلترا، عززها دراسات المفكرين المؤثرين مثل جيريمي بينثام، إن لم يكونوا هم
من اختلقها.
اشتهر بنثام Bentham بوضع السعادة بشكل بارز للعيان في فلسفته عن كيف تعيش، معلناً أن "السعادة العظمى" هي النهاية الوحيدة للسلوك و "أساس الأخلاق والتشريع". لقد بذل قصارى جهده لتوضيح أنه لا يقصد بـ "السعادة" ما كان يقصده أرسطو (السلوك الفاضل virtuous activity)(6)، ولكن ليس أكثر من إحساس محسوس felt sensation [الارتباط بين العقل والجسد].
اتبع جون ستيوارت ميل John Stuart Mill(7) خطى أبيه الروحي (بنثام)، لكنه ابتعد عنه بإصراره على أن الملذات والآلام يمكن وينبغي تمييزها بجودتها ومقدار الاحساس بها. الملذات "العليا" ذات الجودة النوعية تساهم مساهمة كبيرة في السعادة.
تبدو وجهة نظر جون ستيوارت ميل
نخبوية بشكل غير مقبول، لكنها ليست كذلك. اختبار ما إذا كان أحد
أنواع المتعة "أسمى" من نوع آخر هو ببساطة ما إذا كان الشخص الذي شعر
بكلا النوعين من المتعة سيفضل أحدهما على الآخر، عند اعتباره مجرد شعور (بصرف
النظر عن فائدته).
كما قد يختلف كأسان من الشراب في
جودتهما (بالإضافة إلى مقدار كل منهما)، كذلك اعتقد جون ستيوارت ميل Mill أن شعور واحد بالمتعة (على سبيل المثال ، "الانغماس" الذي يشعر به موسيقي مستغرق في عزف
قطعة موسيقية صعبة أو ما يشعر به الماشي بين أشجار الغابة المنغمر في جمال الطبيعة)
قد تكون لها نوعية سعادة أفضل من نوعية غيرها.
هل يمكن أن يكون إنجاب الأطفال
كذلك، أو على الأقل يؤدي إلى الشعور بمتعة أعلى؟ من المحتمل، على الرغم من أن جون
ستيوارت، الذي لم ينجب أطفالًا، لم يعتبره بشكل مباشر كذلك أبدًا.
على الرغم من أن جون ستيورات ميز
بعض الملذات بأنها فائقة في الجودة المحسوسة، ظلت المتعة نفسها - وعلى ذلك ظلت حتى
السعادة نفسها - شعور ذاتي داخلي بالكامل. ولكن هناك مدرسة فكرية تقليدية سابقة أخذت السعادة - أو على أي حال نوع السعادة الذي يستحق أن يُسعى وراءه - حسب مصادرها، وكذلك
كما تبدو.
المتعة المتحصلة من مصادر خاطئة - على سبيل المثال، من شكل زجاجة الشراب أو الناتجة عن تعامي (جهل) مقصود [المترجم: وهو مثلًا، محاولة المرء تجنب المسؤلية القانونية عن ارتكاب فعل خاطيء أو غير مشروع ارتكبه متعمدًا نتيجةً لعدم ادراكه للحقائق(8)] أو التفكير المتوهم - ليست سعادة حقيقية، وتتناقض مع الملذات الحقيقية للعلاقات والإنجازات الفعلية.
خذ مثلًا السكان في رواية عالم
جديد شجاع لألدوس هكسلي بإنتاج أطفال محدودي الوظائف والرغبات [أجسام بلا مشاعر](9).
هل هم بالفعل سعداء؟ أو يعيشون في حالة من
المتعة المستندة إلى معتقدات خاطئة أو آمال خاطئة؟
أكثر من مجرد مشاعر سعيدة
هناك أدلة (10) على أن
تقييماتنا للسعادة حساسة ليس فقط لما يشعر به المرء، ولكن أيضًا لمصادر هذه المشاعر؛
ومن ثم فإن السعادة، كما يستخدم الناس العاديون أحيانًا هذا المصطلح، لا تعني
ببساطة المشاعر السعيدة.
مهما كان الأمر، فإن نوع السعادة الجاهزة
(إذا كانت كذلك) ليست نوع السعادة التي يقدرها معظمنا بشكل كبير - وإلا فإن سكان
العالم الجديد الشجاع سيعيشون حياة جيدة، ولكن بالكاد يوافق أي شخص عند التأمل على
هذا المعنى.
"السعادة"تشير أحيانًا
ببساطة إلى مجموعة من المشاعر السعيدة، ولكنها قد تشير إلى أكثر من مجرد مشاعر.
على الرغم من أننا نهتم بالشعور بالسعادة، فإننا غالبًا ما نهتم أكثر بأشياء أخرى
. طريقة ادارتنا للبيئة والنمو والشعور بالإنجاز والارتباط بالمجتمع - حتى عندما
تكون الأمور صعبة أو تنطوي على تحدٍ أو تكون مزعجة تمامًا.
لذلك، على الرغم من أننا قد نتفق
على أن الأطفال بعيدون كل البعد عن كونهم مجرد مواليد جدد، فقد نرغب في مقاومة
محاولة القول بأنهم ليسوا مصدرًا عظيمًا للسعادة - أو بشكل عام، تعريف السعادة
ببساطة على أنها شعور بالارتياح. هناك أنواع أخرى من السعادة، ربما تكون أكثر
أهمية.
مصادر من داخل وخارج النص
1- https://www.science.org/doi/abs/10.1126/science.1103572
2- https://escholarship.org/uc/item/5rp9034f
3- https://www.theatlantic.com/family/archive/2022/03/enjo
4- https://en.wikipedia.org/wiki/Stumbling_on_Happiness
5- " المتعة هي وصف لحالات
ذهنية كثيرة إيجابية أو مبهجة أو تستحق العناء يشعر الناس والحيوانات
الأخرى. وحالات المتعة الذهنية تنطوي على حالات محددة مثل
السعادة والنشاطات الترفيهية والاستمتاع والنشوة والشعور بالنشاط .
ففي علم النفس ، وصف مبدأ المتعة أن المتعة هي آلية ردود فعل
ايجابية، تحفز الكائن الحي على تكرار الفعل / السلوك / الحالة الذي وجد فيه متعته.
وفقًا لهذه النظرية، يمكن تحفيز الكائنات الحية بطريقة مماثلة لتجنب تكرار المواقف
/ الأوضاع التي سببت له ألمًا في الماضي. تجربة المتعة هي من الأمور
الشخصية ، حيث يشعر كل فرد من نفس الحا بصورة مختلفة عن غيره.
وهناك تجارب عديدة للمتعة مرتبطة بتلبية الرغبات البيولوجية الأساسية، مثل الأكل
أو أو الجنس. وهناك مشاعر أخرى سارة مرتبطة بالتجارب والدوافع
الاجتماعية، مثل مشاعر الانجاز والتقدير. وغالبًا ما يعتبر تذوق الأعمال الفنية
الثقافية والأنشطة مثل الفن والموسيقى والأدب من المتعة." مقتبس ببعض
التصرف من نص ورد على هذا العنوان:
https://ar.wikipedia.org/wiki/لذة
6- https://www.earlymoderntexts.com/assets/pdfs/bentham1780.pdf
7- https://plato.stanford.edu/entries/aristotle-ethics/#HumaGoodFuncArgu
8- https://www.google.com.au/books/edition/Utilitarianism/hm4IAQAAIAAJ?hl=en&gbpv=1&printsec=frontcover
9- https://www.meemapps.com/term/willful-blindness
10- "وتعتبر من
أول الروايات من هذا النوع. تتناول الرواية قصة الحياة في المستقبل حيث يسيطر
العلم على البشر، تختفي المشاعر، ويقوم النظام بالسيطرة
على الناس من خلال المخدرات والسيطرة على التكاثر من خلال إنتاج أطفال محددي الوظائف
والرغبات، في مجتمع الكل به سعيد لكنه معدوم الحربة."
مقتبس من تص ورد على هذا العنوان:
https://ar.wikipedia.org/wiki/عالم_جديد_شجاع
11- https://academic.oup.com/book/32638/chapter-abstract/270544639?redirectedFrom=fulltext
المصدر الرئيس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق