14 نوفمبر 2023
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
المقالة رقم 13 لسنة 2023
When we see what others do, our brain sees not what we see, but what we expect
14 November 2023
عندما ننخرط في تفاعلات اجتماعية، كالمصافحة أو الحوار، فإن ملاحظتنا (مراقبتنا) لأفعال الآخرين تعدُّ أمرًا بالغ الأهمية. ولكن ما الذي يحدث بالضبط في دماغنا خلال عملية المراقبة هذه: كيف تتواصل مناطق الدماغ المختلفة مع بعضها بعض؟ يقدم الباحثون في المعهد الهولندي لعلم الأعصاب إجابة مثيرة للاهتمام على هذه الأسئلة: إدراكنا الحسي لما يفعله الآخرون يعتمد على ما نتوقع حدوثه أكثر مما كنا نعتقده في السابق.
منذ فترة، كان الباحثون يحاولون فهم كيف تعالج أدمغتنا تصرفات الآخرين. ومن المعروف، على سبيل المثال، أن مشاهدة شخص يقوم بعمل يؤدي إلى تنشيط منطقتين دماغيتين متشابهتين [المترجم : هاتان المنطقتان هما الفص القذالي(1) والتلفيق فوق الهامشي(2) بحسب الدراسة التي نشرها الباحثون(3) ] مقارنة بما لو قمنا بهذا الفعل بأنفسنا. يفترض الناس أن مناطق الدماغ هذه تُنشَط بترتيب معين: فرؤية ما يفعله الآخرون أولاً تنشط منطقة الدماغ البصرية(4)، ثم لاحقًا تُنشط المنطقة الجدارية(5) والمنطقة أمام حركية(6) التي نستخدمها عادةً لأداء أفعال متشابهة. اعتقد العلماء أن تدفق المعلومات هذا، من أعيننا إلى أفعالنا، هو ما يجعلنا نفهم ما يفعله الآخرون. وهذا الاعتقاد يستند على قياسات لنشاط الدماغ لدى البشر والقرود أثناء مشاهدتهم لحركات بسيطة، مثل التقاط السكين. في الواقع، لا تحدث الأفعال عادة بشكل منعزل، هكذا على حين غرة : وإنما تتبع تسلسلًا يمكن التنبؤ به حين يكون الهدف النهائي لهذا الفعل معروف وواضح ، كـ إعداد وجبة إفطار. كيف يتعامل دماغنا مع هذا التسلسل؟
![]() |
خلال تسلسلات الأحداث الطبيعية، تحدد توقعاتك ما "تراه" في النهاية، بناءً على معرفتك السابقة، بينما خلال الأوضاع غير المتوقعة يعتمد الدماغ بشكل أكبر على ما ندركه بالفعل بأعيننا. |
تشاوي تشين Chaoyi Qin وفريدريك ميشون Frederic Michon وزملاؤهما، بقيادة كريستيان كيسرز Christian Keysers وفاليريا غازولا Valeria Gazzola، قدموا إجابة مثيرة للاهتمام: إذا لاحظنا أفعالًا في مثل هذا التسلسل المفيد، فإن أدمغتنا تتجاهل بشكل تصاعدي ما تراه أعيننا، وتعتمد أكثر على التنبؤ بما ينبغي أن يحدث بعد ذلك، وهذا منبثق من جهازنا الحركي. ولذا "ما سنفعله بعد ذلك، يصبح ما يراه دماغنا"، كما تلخص كريستيان كيسرز، واحدة من كبار مؤلفي الدراسة ومدير مختبر الدماغ الاجتماعي في المعهد [المترجم: الدماغ الاجتماعي هو شبكة من مناطق الدماغ المنخرطة في فهم الآخرين(7)]. وللتوصل إلى هذا الاستنتاج غير البديهي [المخالف للحدس]، أتيحت للفريق، بالتعاون مع جامعة جيشي Jichi الطبية في اليابان، فرصة فريدة لقياس نشاط الدماغ مباشرة من أدمغة مرضى الصرع الذين شاركوا في أبحاث تخطيط كهربائية الدماغ داخل القحف(8) EEG لأغراض طبية. هذا الفحص ينطوي على قياس النشاط الكهربائي للدماغ باستخدام أقطاب كهربائية غير مثبتة فوق الجمجمة، بل تحتها.
فرصة فريدة
ميزة تقنية الـ EEG هذه هي أنها التقنية الوحيدة التي تسمح بشكل مباشر بقياس النشاط الكهربائي الذي يحتاجه الدماغ لكي يعمل. سريريًا، تستخدم هذه التقنية كخطوة أخيرة لمرضى الصرع المقاوم للأدوية(9)، حيث بإمكانها تحديد المصدر الدقيق للصرع. ولكن بينما ينتظر الفريق الطبي حدوث نوبات صرع، فإن هؤلاء المرضى لديهم فترة يتعين عليهم فيها البقاء في اسرتهم في المستشفى وليس لديهم ما يفعلونه سوى الانتظار - وظف الباحثون هذه الفترة كفرصة للنظر داخل شبكة الدماغ. بدقة زمانكانية غير مسبوقة.
خلال التجربة، قام المشاركون بأداء مهمة بسيطة: شاهدوا مقطع فيديو يقوم فيه شخص بأعمال يومية مختلفة، كـ إعداد وجبة إفطار أو طي قميص. خلال تلك الفترة، تمكن الباحثون من قياس نشاط الدماغ الكهربائي باستخدام أقطاب كهربائية مزروعة في كل مناطق الدماغ المعنية بمراقبة الحركة وذلك لدراسة مدى تواصل هذه المناطق الدماغية مع بعضها. فُحصت حالتان مختلفتان، مما أدى إلى نشاط دماغ مختلف أثناء المشاهدة (المراقبة). في إحدى الحالتين، عرض مقطع فيديو - كما نرى عادة تكشُّفف الحدث كل صباح - بتسلسله الطبيعي: ترى شخصًا يأخذ قطعة من الخبز الدائري، ثم سكينًا، ثم يفتحها إلى نصفين، ثم يمسح عليها شيئًا من الزبدة، وما إلى ذلك؛ وفي الحالة الأخرى، غُير ترتيب (تسلسل) هذه الأحداث السابقة بشكل عشوائي. لقد رأى المشاركون نفس الأفعال بالضبط في الحالتين، ولكن فقط في حالة الترتيب (تسلسل الأحداث) الطبيعي، تمكنت أدمغتهم من الاستفادة من معرفتها بكيف تضع الزبدة على نصف قطعة الخبز للتنبؤ بالفعل التالي.
تدفق مختلف للمعلومات
باستخدام تحليلات متقدمة بالتعاون مع باسكال فرايز Pascal Fries من معهد إرنست سترونغمان Ernst Strüngmann (أو ESI) في ألمانيا، ما تمكن الفريق من كشفه هو أنه عندما شاهد المشاركون التسلسل المتغير وغير المتوقع (المرتب ترتيبًا عشوائيًا)، كان في الدماغ بالفعل تدفق معلومات ينتقل من منطقة الدماغ البصرية، ويعتقد أنها وصف لما تراه العين، إلى المنطقة الجدارية والمنطقة الحركية في الدماغ، التي تتحكم أيضًا في أفعالنا - تمامًا كما تنبأ النموذج الكلاسيكي. ولكن عندما تمكن المشاركون من مشاهدة التسلسل الطبيعي، تغير النشاط بشكل كبير. توضح ڤاليريا جازولا: "الآن، كانت المعلومات تتدفق فعليًا من المناطق الأمامية الحركية، التي تعرف كيف نحضر وجبة الإفطار بأنفسنا، وصولاً إلى القشرة الجدارية، والنشاط المثبط في القشرة البصرية". "وكأنهم توقفوا لينظروا بأعينهم، وبدأوا يرون ما كانوا سيفعلون بأنفسهم".
يعد اكتشافهم جزء من إدراك أوسع في مجتمع علم الأعصاب، بأن دماغنا لا يتفاعل ببساطة مع ما يأتي من خلال حواسنا. ولكن، لدينا عقل تنبؤي يتنبأ دائمًا بما سيأتي بعد ذلك. ثم تُثبط المدخلات الحسية المتوقعة. نرى العالم المحيط كما تمليه علينا أنفسنا وطبيعتنا وبذلك نبني شعورًا بالثقة في مواردنا الداخلية، لا العكس - أي كما يمليه علينا العالم المحيط ويقره ويرضاه لنا - وبذلك لن نجد اجابات على ما نريد(10). وبطبيعة الحال، إذا كان ما نراه يخالف توقعاتنا، فإن تثبيط الإستجابه للأشياء المتوقعة يُمنى بالفشل، ونصبح على دراية بما نراه بالفعل لا ما توقعنا أن نراه.
مصادر من داخل وخارج النص
1- https://ar.wikipedia.org/wiki/تلفيف_فوق_الهامشي
2- https://ar.wikipedia.org/wiki/تلفيف_فوق_الهامشي
3- https://www.cell.com/cell-reports/fulltext/S2211-1247(23)01444-4
4- https://ar.wikipedia.org/wiki/قشرة_بصرية
5- https://ar.wikipedia.org/wiki/فص_جداري
6- https://ar.wikipedia.org/wiki/قشرة_أمام_حركية
7- https://www.nature.com/articles/nrn2353#:~:text=Key%20Points,superior%20temporal%20sulcus%20(pSTS).
8- https://ar.wikipedia.org/wiki/تخطيط_كهرباوي_قشري
9- https://ar.wikipedia.org/wiki/تدبير_الصرع_المعند_على_الأدوية
10- https://thebacainstitute.com/live-inside-out/
المصدر الرئيس
https://nin.nl/news/when-we-see-what-others-do-our-brain-sees-not-what-we-see-but-what-we-expect/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق