الأحد، 13 أغسطس 2017

الرؤية بلا عينين -عالم استقبال الضوء غير البصري وغير المتوقع

 

الكاتب: توماس كرونين

١٠ اغسطس ٢٠١٧

المترجم : عدنان احمد الحاجي 


المقالة رقم ٣٤٦ لسنة ٢٠١٧


Seeing without eyes – the unexpected world of nonvisual photoreception

وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَوالرواية الشريفة "من عرف نفسه فقد عرف ربه"

---النص--

نحن البشر مخلوقات بصرية غير عاديين. ونحن  الذين وهبوا  بصراً طبيعياً معتادون على  الاعتقاد  بأن  أعيننا ضرورية لنتعايش  مع  ما حولنا.
الرؤية هي شكل متقدم من الإستقبال الضوئي - وهذا هو استشعار الضوء. ولكننا أيضا نتعامل  مع أشكال بدائية أخرى من الإستقبال الضوئي في حياتنا اليومية. نحن نعلم جميعا، على سبيل المثال، لذة الشعور بالشمس الدافئة على بشرتنا، في هذه الحالة باستخدام الحرارة كبديل عن الضوء.  لا ضرورة لوجود العيون أو حتى الخلايا البصرية  الخاصة .

خلية مستقبلة الضوء في دماغ سرطان حذوة الفرس - الأخضر يدل على وجود الجريء الحساس للضوء بيروسبين. الأغشية في الخلية تعرف انها تستجيب الى الضوء هي الحمراء   

ولكن العلماء اكتشفوا في العقود الأخيرة أن العديد من الحيوانات - بما في ذلك البشر - لديها جزيئات متخصصة في الكشف عن الضوء في أماكن غير متوقعة، خارج العينين. توجد هذه "المستقبلات الضوئية عادة خارج العين" في الجهاز العصبي المركزي أو في الجلد، ولكن أيضا في كثير من الأحيان في الأعضاء الداخلية. ما ذا تعمل  جزيئات استشعار الضوء  في أماكن ابعد من العينين؟
كروماتوفور الحبار في الجلد يستشعر الضوء.

الرؤية تعتمد على استشعار  الضوء

كل الخلايا البصرية التي تم تحديدها في الحيوانات تستشعر  الضوء باستخدام مجموعة واحدة من البروتينات، تسمى ال أوبسينات ( تعريف من خارج النص :  الأوبسينات هي مجموعة من مستقبلات الضوء الموجودة في العين مكونة من بروتينات الشبكية  وتتكون تلك البروتينات الحساسة للضوء من حوالي ٣٥ - ٥٥ ألف وحدة كتل ذرية مرتبطة بأغشية بمستقبلات مقترنة ببروتين ج ). هذه البروتينات تمسك بالجزيء الحساس للضوء - المتكون من فيتامين (أ) - والتي  تغير هيكلها عندما تتعرض للضوء.  الأوبسين بدوره يغير شكله الخاص ويقوم على تشغيل   مسارات اشارية  في الخلايا المستقبلة للضوء والتي ترسل في نهاية المطاف رسالة إلى الدماغ مفادها انه تم استشعار الضوء.

معظم رؤيتنا الواعية تنتج  عن المستقبلات الضوئية في شبكية العين، والطبقة الحساسة للضوء في الجزء الخلفي من مقلة عيننا. في الحيوانات ذات العمود الفقري (الفقاريات)، والخلايا التي تحس بالضوء للرؤية هي على  شكل قضبان أو مخاريط بطريقة غير مفهومة ، مما يمنحها  أسماء مألوفة.

لقد علمنا لفترة من الوقت أن الفقاريات الأخرى لديها مستقبلات ضوئية إضافية في أدمغتها. لكن كان العلماء  يعتقدون منذ فترة طويلة أن القضبان والمخاريط  كانت هي الحكاية  الكاملة للرؤية في الثدييات الى حد كبير. وهكذا، فإن اكتشاف   مجموعة ديفيد بيرسون البحثية في جامعة براون لخلايا أخرى في شبكية عين الفأر   تستجيب للضوء في أوائل الألفين الميلادية جاء بمثابة صدمة.
الاكتشافات  في العديد من المختبرات تدل على أن هذه الخلايا تحتوي على طبقة جديدة من بروتينات ال أوبسين تسمى  ميلانوبسين melanopsins، لم تشاهد من قبل في الفقاريات (ولكن مماثلة لتلك للتي في  العديد من اللافقاريات). ويبدو أنها ليس لها  دخل  في الرؤية الواعية.

من الصعب  أن نقول ان هذه (المستقبلات) هي خارج العينين لأنها موجودة بالفعل في العين. وبدلا من ذلك غالبا ما يشار إليها باسم المستقبلات "الغير بصرية". هذا  المصطلح يستخدمه الباحثون لجميع مستقبالت الحيوانات البصرية   التي ليست  مرتبطة  بمسارات  التصوير في الاجهزة  العصبية.
حتى الآن نحن نعلم أن هناك مستقبلات ضوئية غير بصرية في العيون نفسها في كثير من - ربما معظم -  الحيوانات. أي مكان آخر يمكن أن نجدها  في أنحاء الجسم؟

البحث عن مستقبلات ضوئية ليست في العينين
بشكل عام، وتحديد التعرف على مستقبلات ضوئية خارج العين محتملة يعني البحث عن البروتينات التي يمكن ان تستشعر  بالضوء، وهي الأوبسين. وقد أدى تقدم التكنولوجيات الوراثية الجزيئية غير المكلفة والفعالة إلى البحث عن الأوبسينات  في المختبرات في جميع أنحاء العالم.

الخلية العصبية حساسة للضوء في شبكية عين الفأر . اللون الأخضر يظهر موقع صبغة ميلانوبسين الحساسة للضوء،  والمسؤولة عن معظم مستقبلات الضوء غير المرئية في الثدييات

الخلايا التي تحتوي على أوبسينات هي على الأرجح مستقبلات ضوئية نشطة، ولكن الباحثين استخدموا  الفسيولوجيا أو الاختبارات السلوكية لتأكيد هذا. على سبيل المثال، يمكنهم البحث عن التغييرات الكهربائية أو البحث عن تغيير في نشاط الحيوان عندما عرضوا  الخلية للضوء.

 مستقبلات الضوء التي وجدها العلماء وراء العينين  تقع في الجهاز العصبي المركزي المعروف تقريبا .  جميع الحيوانات لديها عدة أنواع منها في الدماغ، وغالبا في الأعصاب أيضا.

الجلد هو المكان الذي نرى فيه معظم مستقبلات الضوء الأخرى، وخاصة في خلايا تغيير اللون النشطة أو أعضاء الجلد التي تسمى بحاملات اللون chromatophores  هذه هي البقع السوداء أو البنية أو الملونة بألوان زاهية  و الموجودة في عيني  الأسماك او السرطانات أو الضفادع. وهي تصل إلى أعلى مستويات النمو في رأسيات الأرجل: مثل الأخطبوط والحبار . الحيوانات تتحكم بنشاط لونها أو نمطها لعدة أسباب، في كثير من الأحيان للتمويه (لتتناسب مع لون ونمط الخلفية) أو لإنتاج إشارات نشرقة وبارزة للعدوان أو لجذب الجنس الاخر.

والمثير للدهشة، أن هناك فئة ثانية من الجزيئات الحساسة للضوء إلى جانب الأوبسينات، لم تستخدم أبدا للرؤية (على حد ما نعرف).  وتظهر في بعض الهياكل العصبية، كالأدمغة أو هوائيات بعض الحشرات وحتى في شبكية عين الطيور. هذه هي الكريبتوكرومات cryptochromes ( تعريف من خارج النص :  صنف من البروتينات الفلافينية  flavoproteins حساسة للضوء الأزرق موجودة في النبات والحيوان ولها دخل في الساعة البايلوجية للنبات والحيوان ) ، وهذه التسمية  الجيدة لهذه الفئة  لأن وظائفها وأساليب عملها  لا يزال غير مفهوم. تم اكتشاف الكريبتوكرومات أصلا في النباتات، حيث أنها تتحكم في النمو والتغيرات التناسلية السنوية.

لماذا استشعار  الضوء خارج العينين؟
الآن بعد أن عرفنا   أن هذه المستقبلات الضوئية يمكن ان توجد  في جميع أنحاء جسم الحيوانات، ما هي أدوارها  الفعلية؟ ومن الواضح أن وظيفتها تعتمد جزئيا على موقعها.

عموما، فهي تنظم السلوك الموجود تحت مستوى الوعي والذي ساعد على حدوثه  الضوء والذي  لا يتطلب وجود معرفة دقيقة للغاية عن موقع مصدر الضوء في المكان  أو الزمان. وتشمل الوظائف النموذجية توقيت دورات التيقظ ( الانتباه) اليومية والنوم واليقظة والمزاج ودرجة حرارة الجسم والعديد من الدورات الداخلية الأخرى التي يتم مزامنتها مع التغيرات في النهار والليل.

الساعات البيولوجية التي تحافظ على دورات فسيولوجية منتظمة - وتتسبب  في الإرهاق  بعد السفر ( بالطائرات النفاثة نتيجة اختلاف التوقيت) - دائما تقريبا مسيطر  عليها من قبل هذه المستقبلات الضوئية. هذه المستشعرات هي أيضا مهمة لفتح وإغلاق حدقة  العين للمساعدة في التكيف مع مستويات الضوء المختلفة. المستقبلات الضوئية للجلد مثل تلك الموجودة في الأسماك أو الأخطبوط غالبا ما يسيطر على اللون و اختلافات الأنماط.
لدى  بعض الحيوانات،  مهمة مختلفة تماما، ومذهلة إلى حد ما - توفر المستقبلات المغناطيسية  magnetoreception، وهي القدرة على الكشف عن المجال المغناطيسي للأرض. وتستند هذه القدرة على الكريبتوكرومات، التي يبدو أنها تكمن وراء آليات التوجيه المغناطيسي في الحيوانات المختلفة كالطيور والصراصير.
لدى الناس  قدرات مستقبلات ضوء  غير بصرية أيضا
مع اكتشاف خلايا شبكية حساسة للضوء بالإضافة إلى قضبان ومخاريط  في شبكية العين الثدييات، أصبح من الواضح أن البشر أيضا، يجب أن يستخدم مسارات غير بصرية للتحكم بالسلوك والوظيفة.

يتفاوت حجم الحدقة مع تغيير الضوء، حتى في البشر المكفوفين وظيفيا. ووجدت دراسة مشتركة بريطانية أمريكية  نشرت في عام ٢٠٠٧ أن المرضى الذين فقدوا جميع القضبان والمخاريط بسبب الاضطرابات الوراثية يمكن أن يكون لديهم إيقاعات مستجيبة للضوء يومية  وحدقات. يمكن لمريض ما  حتى الإبلاغ عن الإحساس "بسطوع الضوء" عندما عرض للضوء الأزرق، والتي ينبغي أن تحفز مستقبلات الضوء الغير عمودية وغير  مخروطية شبكية.
وتشير الأبحاث التي أجريت مؤخرا على القوارض في جامعة جونز هوبكنز من قبل مجموعة الدكتور سامر حتار إلى أن المسارات غير البصرية يمكن أن تنظم المزاج والقدرة على التعلم وحتى حساسية الرؤية الواعية.
وأخيرا، وجد حديثاً وبشكل غير متوقع  في نتائج أبحاث بقيادة سليمان سنيدر ودان بيركويتز، أيضا في جامعة جونز هوبكنز، أن الأوعية الدموية في الفئران تحتوي على الميلانوبسين melanopsin وهي الأوبسينات المستخدمة في مستقبلات الضوء غير البصري  الشبكي. ووجد الباحثون أن هذا البروتين حساساً  للضوء ويمكن أن ينظم انقباض الأوعية الدموية واسترخائها. وبما أن البشر من المرجح أن يكون لديهم نفس النظام، وهذا يمكن أن يفسر جزئيا زيادة  النوبات القلبية في الصباح، والتي ربما تكون مرتبطة بتغيرات ضغط الدم التي تحدث في ذلك الوقت.

ونحن نعلم ان استشعار الضوء غير البصري  هو في كل مكان ومهم جداً  في حياة الحيوانات. وستستمر البحوث المستقبلية في فك آثارها على صحة الإنسان ورفاهه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق