الخميس، 14 ديسمبر 2017

مقاربة تعاونية جديدة للبحث فيما يحدث في الدماغ حين يصنع قراراً

 

الكاتبة: آن شيرشلاند

٥ ديسمبر ٢٠١٧

المترجم : ابو طه / عدنان احمد الحاجي

المقالة رقم ٥٣٦ لسنة ٢٠١٧ 

التصنيف : أبحاث الدماغ 


A new collaborative approach to investigate what happens in the brain when it makes a decision

مقدمة المترجم
من يقرأ هذه الأبحاث لا يمكن إلاّ وأن يقف مذهولاً  ومقدراً لهذه  الجهود الضخمة  التي يبذلها العلماء في غير مكان والتي لا تعرف حدوداً مهما كان نوع هذه الحدود بما فيها الحغرافيا للوصول الى حقيقية الأشياء، ومنها مثلاً علوم الأعصاب في ادق حالاتها وذلك للوصول الى مسببات السلوك أو الأمراض المستعصية . بعض الأحيان يحتار  الشخص في معرفة المحرك  لهذه الجهود الإستثنائية : هل هو الشغف العلمي؟ او الإنسانية؟ أو المادة ؟ او خليط من هذه كلها؟ او كل ذلك يجري تحت قانون "  وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ .

***التص****

القرارات تمتد على مدى مجموعة واسعة من التعقيدات. هناك فعلاً البسيط منها: هل أريد تفاحة أو قطعة كعكة مع غدائي ؟ ثم هناك ما هو أكثر تعقيدا منها: أي سيارة يجب  أن أشتري، أو أي مهنة عليّ  أن أختار؟

الشكل: نحن نعرف الكثير، ولكن ليس بما فيه الكفاية، حول كيف تتلاءم التروس مع بعضها . بيوشجيري ريفاغار، 

وقد حدد علماء أعصاب مثلي بعض الأجزاء الفردية من الدماغ التي تساهم في اتخاذ قرارات من هذا القبيل. مناطق مختلفة تقوم بمعالجة  الأصوات،أو المشاهد أو المعرفة القبلية ذات الصلة. ولكن معرفة كيف يعمل هؤلاء اللاعبون الأفراد معاً كفريق واحد لا يزال يشكل تحدياً، ليس فقط في فهم عملية صنع القرار، بل في مجال علم الأعصاب بأكمله.

جزء من السبب هو أنه حتى الآن، علم الأعصاب قد عمل في نموذج بحوث علمية تقليدية: كل مختبر  يعمل بمعزل عن الآخر ، وعادة ما يركز على منطقة واحدة أو مناطق قليلة من  الدماغ. وهذا يجعل من الصعب على أي باحث تفسير البيانات التي جمعها  مختبر آخر، لأن لدينا جميعاً اختلافات طفيفة في كيفية اجراء التجارب.
علماء الأعصاب الذين يدرسون صنع القرار يقومون بوضع  جميع أنواع الألعاب المختلفة للحيوانات لتقوم باللعب، على سبيل المثال، ونجمع بيانات  ما يجري في الدماغ عندما يتحرك  الحيوان. عندما يكون لدى الجميع إعدادات تجريبية ومنهجية مختلفة، لا يمكننا تحديد ما إذا كانت النتائج  من مختبر آخر هي فكرة عن شيء مثير للاهتمام  يحدث في الواقع في الدماغ أو مجرد نتيجة ثانوية من الاختلافات في الأجهزة.

بدأت مبادرة الدماغ  The BRAIN Initiative ، التي أطلقتها إدارة أوباما في عام ٢٠١٤، في تشجيع نوع التعاون الذي يحتاجه علم الأعصاب.  أعتقد أنها لم تأخذ مداها بما فيه الكفاية. لذلك شاركتُ في تأسيس مشروع يسمى المختبر العالمي للدماغ International Brain Laboratory - وهو مختبر ضخم افتراضي يتكون من العديد من المختبرات في مؤسسات مختلفة - لإظهار أن المثل الذي يقول "وحدنا نذهب بسرعة ، معاً نذهب مسافة أبعد " ينطبق على علم الأعصاب. المسألة الأولى التي يعالجها   التعاون تركز على صنع القرار من قبل الدماغ.

فريق قرار الدماغ
وقد كشفت مختبرات علوم الأعصاب المنفردة الكثير عن كيف تساهم  مناطق معينة في الدماغ في صنع القرار.

لنفترض أنك تختار بين تفاحة أو قطعة من الكعك لتتناولها مع  الغداء. أولاً، تحتاج إلى معرفة أن التفاح والكعك هما خياران. وهذا يتطلب العمل من مناطق الدماغ التي تعالج المعلومات الحسية - عيناك ترى قشرة التفاحة  الحمراء  الزاهية  للتفاحة، في حين أن أنفك يشم  الرائحة الحلوة  للكعكة.

تلك المناطق الحسية غالباً ما تتصل بما نسميه بمناطق الارتباط. ويعتقد الباحثون تقليديا أنها تلعب دورا ً في وضع أجزاء مختلفة من المعلومات معاً. من خلال ترتيب المعلومات من العينين والأذنين وهلم جرا، مناطق الإرتباط  قد تعطي منظراً لصورة كبيرة وأكثر تناسقاً  لما يحدث في الواقع.

ولماذا تختار فعلاً واحداً على الآخر؟ ذلك هو  السؤال لدائرة ال مكافأة في الدماغ، وهو أمر حاسم في موازنة  قيم الخيارات المختلفة. أنت تعرف أن الكعكة سوف يكون مذاقها حلواً لذيذاً الآن، ولكن قد تتحسر عليها   عندما تكون  متوجهاً الى صالة الالعاب الرياضية في وقت لاحق.

ثم، هناك القشرة الأمامية، التي يعتقد أنها تلعب دورا في السيطرة على الفعل التطوعي. وتشير البحوث إلى أنها لها دخل  في الالتزام بعمل معين بمجرد وصول معلومات وافدة كافية. انها جزء من الدماغ الذي  قد يقول لك أن قطعة الكعك تعطي رائحة  جيدة جدا ولذا تستحق ( ان تستوعب )كل  هذه السعرات الحرارية.
معرفة  كيف تعمل  مناطق الدماغ المختلفة هذه معاً  في العادة لاتخاذ القرارات يمكن أن تساعد في فهم ما يحدث في العقول المريضة. المرضى الذين يعانون من اضطرابات مثل التوحد والفصام ومرض باركنسون غالبا ما يستخدمون المعلومات الحسية بطريقة غير عادية، وخاصة إذا كانت معقدةً وغير مؤكدة. كما يمكن للأبحاث المتعلقة بصنع القرار أن تفيد المرضى الذين يعانون من اضطرابات أخرى، مثل تعاطي المخدرات والإدمان. والواقع ان الإدمان ربما يكون مثالاً رئيسيا على الكيفية التي يمكن ان تكون  عملية صنع القرار  خاطئة جداً.

انتشار المختبرات  التعاونية  في جميع أنحاء العالم
في الوقت الراهن، يأخذ علماء الأعصاب الكثير من الصور عن  قرب  لما يحدث في مناطق معينة من الدماغ عندما يتخذ قراراً. لكنهم  لا ينسقون مع بعضهم البعض، لذا فإن هذه الصور المأخوذة عن قرب لا تتلاءم مع بعضها البعض لتعطينا الصورة الكبيرة عن صنع القرار التي نحتاجها.

وهذا هو السبب في أننا قمنا بتكوين  فريق لتشكيل  المختبر الدولي للدماغ. بدعم من هيئة تنسيق المعلوماتية العصبية الدولية  و ويلكوم ترست Welcome Trust ، ومؤسسة سيمونس (وأيضا بتمويل من كونڤيرساشين The Conversation  US)، ونحن نهدف إلى خلق تلك الصورة الكبيرة من خلال تصميم تجربة واحدة واسعة النطاق  تستخدم نفس المقاربة الدقيقة لدراسة العديد من مناطق الدماغ المختلفة. لأن الدماغ معقد جدا، نحن بحاجة إلى خبرة العديد من المختبرات المختلفة التي تتخصص كل منها في مناطق معينة في الدماغ. ولكننا نحتاجها في تنسيق واستخدام نفس المنهج  حتى نتمكن من وضع كل أجزائها المختلفة من الصورة مع بعض.

كونَّا  فريقاً  من ٢٢ متخصصاً سيعملون عن كثب لفهم كيف تعمل بلايين الخلايا العصبية معاً في دماغ واحد لاتخاذ القرارات. حوالي اثنا عشر مختبراً مختلفاً سيقوم  كل واحد منها بإجراء  جزء من تجربة كبيرة واحدة عن طريق قياس نشاط الخلايا العصبية في حيوانات منهمكة في نفس اللعبة بالضبط. سوف يسجل  أعضاء فريقنا نشاط  مئات الخلايا العصبية في دماغ كل حيوان. سنقوم بجمع عشرات الآلاف من تسجيلات الخلايا العصبية التي يمكننا تحليلها معا.

اجعلها بسيطة
في قرارات  الواقع الحقيقي، أنت تجمع بين الكثير من اجزاء  مختلفة من المعلومات - إشاراتك الحسية ، ومعارفك  الداخلية  عما  هو مكافيء ( مجزي)، وما هو محفوف بالمخاطر. ولكن تنفيذ ذلك في سياق المختبر أمر صعب جداً.

نحن نأمل في إعادة تجربة مرعى الفأر الطبيعي . في الحياة الحقيقية، هناك العديد من المسارات المختلفة التي يمكن للحيوان اتخاذها لأنه يتنقل فيما حوله باحثاً  عن شيء ليأكله. انه يريد  أن يعثر على طعام، لأن الطعام  مشبع. ويستخدم الإشارات الحسية  الواردة، مثل، "أوه، أرى صرصوراً   هناك!" يمكن للحيوان الجمع بين ذلك و ذكرى المكافأة، مثل، "أنا أعرف هذه المنطقة فيها  شجيرات التوت الغناء، أتذكر ذلك من أمس، لذلك أنا سأذهب إلى هناك. "أو" أنا أعرف انه  كان هناك قطة آخر مرة، لذلك  أفضل تجنب تلك المنطقة ".

الشكل:  تخيل العالم من وجهة نظر فأر أمر ضروري  لعلماء المختبر الدولي عند اختيار مهمة تحاكي العالم الواقعي

كان علينا حقا أن نفكر في المفاضلة بين  سلوك معقد بما فيه الكفاية لإعطائنا نظرة ثاقبة عن الحسابات العصبية المثيرة للاهتمام، وسلوك  بسيط بما فيه الكفاية  يمكن تنفيذه بنفس الطريقة في العديد من المختبرات التجريبية المختلفة. التوازن الذي توصلنا اليه كان مهماً لصنع قرار  يبدأ بسيطاً ويصبح أكثر وأكثر تعقيداً كلما أنجز الحيوان مرحلة من  المراحل التدريب المختلفة .

حتى في أبسط مرحلة وأبكرها جدا نحن ننظر، حيث يقوم الحيوانات بمجرد  حركات طوعية، انها تقرر متى تقوم  بالحركة لكسب المكافأة. أنا متأكد من أننا يمكن أن تذهب أبعد من ذلك بكثير، ولكن حتى لو كان هذا أبعد ما يمكننا  الوصول اليه، وجود قياسات عصبية من جميع أنحاء الدماغ خلال سلوك بسيط مثل هذا سيكون مثيرا للاهتمام للغاية.

نحن لا نعرف كيف يحدث في الدماغ متى قررت ان تتخذ  فعلاً معيناً وكيف تقوم  بتنفيذ هذا الفعل. وجود قياسات عصبية من جميع أنحاء الدماغ لما حدث قبل أن يقرر الحيوان بشكل عفوي ان يذهب  ويحصل  على مكافأة ستكون خطوة كبيرة إلى الأمام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق