١ فبراير ٢٠١٨
الكاتب دوغلاس ستار
المترجم ابو طه / عدنان احمد الحاجي
المقالة رقم ٥٨ لسنة ٢٠١٨
التصنيف : ابحاث السلوك
Two psychologists followed 1000 New Zealanders for decades. Here’s what they found about how childhood shapes later life
مقدمة المترجم
الدراسة وان كانت طويلة الذيل وذات مقدمة طويلة نسبياً وربما قد يجد القاريء ان ليس لها علاقة بهذا البحث الرائع في طريقته ونتائجه والتي لا تقتصر فقط على جنسية مشاركيه إلاّ ان هناك الكثير من الفوائد الشخصية والملهمة التي قد يجدها القاريء ما بين السطور. وقد يكون هذا البحث الطويل تمريناً /اختباراً حقيقياً لمستوى تأخير الإشباع عند القاريء الكريم
**النص**
في عام ١٩٨٧، كان لأفشالوم كاسبي وتيري موفيت، وهما طالبان ما بعد الدكتوراه في علم النفس، ورقتان معروضاتان posters متجاورتان في مؤتمر في سانت لويس بولاية ميسوري.وعموما ليس كاسبي رجلاً من النوع الذي يعيد توجيه مهامه إلى غيره، نظر في بوستر موفيت وكان مبهوراً بعملها. وقال لها "لديك مجموعة بيانات رائعة". ليس من السهل أن يتودد أحد اليها، ذهبت موفيت إلى مكتبة الجامعة بعد الاجتماع وبحثت في الاوراق البحثية التي استشهد بها كاسبي في أبحاثه . وقالت نعم، انه سيستشهد ببحثي. "كان هذا هوس جدا،" تذكر كاسبي. "لقد وقعنا في حب بياناتنا".
لقد كانت علاقة حب شخصية وعلمية منذ ذلك الحين. ومنذ ما يقرب من ٣٠ سنة، كانت موفيت وكاسبي يتعاونان في واحدة من أكثر التحقيقات شمولاً واستكشافا في مجال التنمية البشرية التي أجريت على الإطلاق. إن دراسة الصحة والتنمية المتعددة التخصصات في مدينة دنيدن اليونزلندية، والتي بدأت في عام ١٩٧٢، تعتبر أساسية للتنمية البشرية، كأهمية دراسة فرامنغهام للقلب لأمراض القلب والأوعية الدموية ودراسة صحة الممرضات لصحة المرأة. من الملاحظات التفصيلية لدورات الحياة لحوالي ١٠٠٠ نيوزيلندي"، في مدينة دونيدن امتدت على أكثر من ١٢٠٠ ورقة علمية على مسائل تمتد من عوامل خطر السلوك المعادي للمجتمع والنتائج البيولوجية من الإجهاد على الآثار طويلة الأجل الى آثار استخدام نبات القنب ( نوع من المخدرات). وقد قادت موفيت، التي انضمت إلى الدراسة في عام ١٩٨٥، وكاسبي، الذي أعقبها بعد ذلك والذي قاد الكثير من العمل. قال برنت روبرتس، عالم النفس في جامعة إلينوي في شامبين، الذي تعاون مع الباحثين اللذين أصبحا زوجين فيما بعد: "لقد قاما بالكثير من العمل بحيث اصبح من المستحيل إغفاله ".
ما تم التوصل إليه في اول الدراسة بشأن الطبيعة العابرة لمعظم جرائم الأحداث كان قد اُستشهد به في قرار أصدرته المحكمة العليا في عام ٢٠٠٥ بشأن حظر إعدام القتل دون السن القانونية، . أجرت موفيت وكاسبي أبحاثا رائدة تبين أن ضبط النفس في مرحلة الطفولة المبكرة يتنبأ بالصحة والسعادة لدى البالغين. وقد فصّل الباحثان كيف أن التركيب الجيني لبعض الأفراد يمكن أن يجعلهم عرضة لضغوط معينة، موضحان التفاعل المعقد بين الجينات وممارسات الحياة. وفي العام الماضي، نشر فريق دنيدن دراسة استندت على عقود من البيانات ليبين أنه على عكس الاعتقاد التقليدي، فإن الغالبية العظمى من الناس يتعرضون الى مشاكل الصحة النفسية على مدى حياتهم.
وقالت جمعية علم النفس الأمريكية عندما منحت موفيت وكاسبي جائزة المساهمة العلمية المتميزة لسنة ٢٠١٦ "لقد تجاوز عملهماالسايكلوجيا الى التأثير على التفكير في الطب النفسي وعلم الوراثة وعلم الجريمة وعلم الأوبئة وعلم الاجتماع والعديد من المجالات الأخرى".
مجال علم النفس غني بالدراسات الطولية، والعودة إلى عام ١٩٤٦، عندما بدأ مجلس البحوث الطبية في المملكة المتحدة مسح أكثر من ٥ آلاف شخص من الولادة وحتى الشيخوخة. وقد اتبع باحثون آخرون التوائم المتطابقة ( توائم بويضة واحدة ) وغير المتطابقة fraternal ( توائم من بويضتين) بمرور الوقت لمعرفة التأثير الخلقي مقابل التأثير الكسبي. هذه الدراسات، وإن كانت بطيئة، تجعل من الممكن مراقبة الظواهر في الوقت الحقيقي بدلا من الاضطرار إلى إعادة تجميعها من ذكريات المشاركين أو السجلات الطبية، أو بمقارنة المجموعات المتباينة.
مدينة دنيدن مدينة ملائمة للدراسات الطولية. وهي ليست أكبر أو أطول مدينة. ولكن معدل الالتزام بالدراسة عال - حوالي ٩٥٪ من الأتراب الأصلين بقوا مع الدراسة منذ إطلاقها، وحميمية عملية جمع البيانات تجعل المجموعة احدى المجموعات السكانية الأكثر مما جرى فحصه على الأرض. كل بضع سنوات، يقوم الفريق بإجراء تقييمات معرفية ونفسية وصحية مكثفة. وقابلوا كل عضو من الأفراد المشاركين في البحث، فضلاً عن معلميهم وأسرهم وأصدقائهم، وراجعوا سجلاتهم المالية والقانونية، وعاهدوهم بالسرية التامة مقابل الحصول على أكمل صورة ممكنة عن حياتهم.
الأصول
نشأت موفيت في وسط كارولينا الشمالية، حيث استقر أسلافها الاسكتلنديون الأيرلنديون في القرن السابع عشر. وقالت انها ساعدت في الأعمال الروتينية الرتيبة الزراعية وتجولت في الغابة، جامعةً السهام ومصطادة اليراعات، وفي كثير من الأحيان بمصاحبة الجدة الحبيبة ماكون . " الاحترام يكتسب لا يُدّعى،" هذا ماعلمته الجدة ماكون اياها. "جمال المرأة في قوتها وفي ضحكتها".
بشعرها الأحمر وعينيها الزرقاوتين ، كانت موفيت أول شخص في عائلتها الممتدة تدرس في الكلية. بعد تخرجها من مدرسة ثانوية ذات مستوى ضعيف ، فقد اختارت دروساً سهلة في جامعة نورث كارولينا في مدينة تشابل هيل، ولكن عندما ادرك الأساتذة إمكانياتها الذهنية، اصبحت غلى مستوى التحدي لتأخذ مناهج متقدمة في السايكلوجيا والفارموكلوجيا السلوكية. وقد أمنت معاشها بعملها كتقنية مختبرية في دورهام ريسيرش تراينغل بارك Durham's Research Triangle Park. القريب من دورهام، وهي مهمة حصلت عليها وذلك لأنها كانت تصطاد الأرانب والسناجب وهي صغيرة في بلدتها، ولم تشعر بالقرف إزاء التضحية بالحيوانات المختبرية.
في كلية الدراسات العليا في جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس انجليس، عملت تحت إشراف عالم النفس الشهير سارنوف ميدنيك، وركزت في دراستها على جذور السلوك الإجرامي. وقبل بضعة أشهر من الدفاع عن أطروحتها لشهادة الدكتوراه. ، قررت موفيت وقليل من زملائها الاسترخاء بأخذ دروس في القفز بالمظلات. لم تسير الأمور على ما يرام. وكسرت موفيت ساقها في عدة أماكن. ملازمة الكرسي المتحرك، حين أمضت عدة ساعات مضيفة لزائر من نيوزيلندا جاء للتحدث عن دراسته. وكان فيل سيلفا يتتبع كل واحد من ١٠٣٧ طفل ولدوا في مركز الملكة ماري للأمومة في مستشفى مدينة دنيدن من أبريل ١٩٧٢ إلى مارس ١٩٧٣، ويقوم بفحصهم كل عامين لتقييم نموهم المعرفي والنفسي.
رأت موفيت هذه المجموعة السكانية كمختبر جاهز لاستكشاف بعض أفكارها عن الطفولة المبكرة وجذور الإجرام. انضمت إلى الدراسة عندما كان الأطفال في عمر ١٣ سنة. لم يمض وقت طويل بعد حصولها على الدكتوراه، قامت برحلة أولى إلى نيوزيلندا، جمعت بيانات عن الفتيات اللواتي واجهن مشاكل مع الشرطة. وقدمت نتائجها في مؤتمر سانت لويس . بجانبها كان رجل زيتوني البشرة، وذو عينين مفعمتين بالعاطفة، وشعرٍ بني مرتب على هيئة ذيل فرس.
كان كاسبي، شعره الآن فضي ولكن لا يزال في كثير من الأحيان مرتباً على شكل ذيل فرس، نشأ في مزرعة يهودية صغيرة في صحراء النقب. كان من أب يمني وأم ليتوانية حيث كانا جزءا من "توطين" النقب الذي تبناه رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون. انتقل كاسبي مع عائلته الى مدينة بيركلي في كاليفورنيا حينما كان في العاشرة من عمره حيث أكمل والده الدكتوراه. في الدراسات الدولية. يقول كاسبي: "كان الانتقال من المزرعة إلى بيركلي مدهشا للغاية. "كان هذا في السبعينيات،
وقد جعلته تجاربه فضولياً عن الناس والأماكن، وكان يفكر أن يصبح صحفيا. ولكن قرر ان يتخصص في علم النفس، وفي جامعة كورنيل قام بعمل الدراسات العليا مع عالم الاجتماع غلين إلدر، الذي كتب عن ابناء الكساد العظيم: التغيير الاجتماعي في ممارسات الحياة Children of the Great Depression: Social Change in Life Experience، دراسة تاريخية عن كيف تؤثر البيئة الاقتصادية على التنمية البشرية. أصبح كاسبي مفتوناً بالتفاعل بين استعدادات الناس وبيئتهم الاجتماعية. كان يستعرض دراسة حول كيف يصبح الأطفال الشكسِون بالغين شكسين عندما علقت شابة بشعر قرمزي بوستر ( ورقة علمية تعرض على شكل بوستر في احد المؤتمرات العلمية ) بجانب بوستره.
بعد أن استقر الزوجان في جامعة ويسكونسن في مدينة ماديسون. ، وانضم كاسبي إلى فريق دنيدن.
أول ما تعاون مع موفيت طرح سؤالاً أثاره منذ فترة طويلة: هل أحداث الحياة الدرامية تغير الناس، أو ببساطة تثبّت من هم كذلك بالفعل؟ وركز الفريق على سن البلوغ. للفتيات وكان أكثر من نصف المشاركين في الدراسة في مدينة دونيدن من الفتيات اللواتي لا يبلغن ١٥ سنة من العمر إلاّ وقد اعطين اختبارات بدنية ونفسية منذ الطفولة. وأظهرت الدراسات السابقة أن بلوغ سن البلوغ في وقت مبكر مرهق بشكل خاص، ووجد كاسبي وموفيت أن الفتيات اللواتي يعانين من أكبر قدر من الاضطراب في التكيف مع المراهقة المبكرة هن اللاتي أظهرن مشاكل سلوكية في مرحلة الطفولة المبكرة. وقد ساهم ذلك في فرضية " التنميط او التصنيف البشري ("accentuation" hypothesis)" التي وضعها كاسبي، وهي أن التحولات المجهدة تميل إلى إبراز من نحن أساساً. كانت فكرة جذرية في أوائل التسعينات، عندما كان علماء النفس يعتقدون عموماً أن الوضع، وليس المزاج، هو المفتاح لتحديد الشخصية.
الجانب المظلم
ومنذ ذلك الحين، كثيراً ما استكشف عملهم الجانب المظلم للطبيعة البشرية. على عكس ما قد تقترحه المناظر الطبيعية المثالية في أفلام سيد الخواتم (لورد اوف ذا رينقسLord of the Rings)، أن نيوزيلندا ليست جنة على الأرض. إن التباين الاقتصادي مشابه لما هو عليه في الولايات المتحدة، والإدمان والانتحار ومعدلات الاعتداء متشابهة. بعد الوعد بالسرية التامة، حصل فريق البحث على اعترافات صريحة صادمة من المشاركين، بما في ذلك عن الوحشية والسلوك الإجرامي. (وكمثال منفر: اعترفت نساء بسوء معاملة لأزواجهن جسدياً بنفس القدر الذي يفعله الرجال، على الرغم من أنهن تسببن بشكل عام في أضرار مادية أقل). "تقول موفيت:" لدينا سياسة عدم التدخل أبدا، واضافت "ان الشرطة النيوزيلندية، التى تفهم قيمة بحثنا، لم تسأل ابدا".
وقد مكنت هذه المراقبة الطويلة والحميمية موفيت من تتبع مجموعة فرعية مضطربة من أتراب مدينة دنيدن. ومن المعروف أن سلوك الجانحين يبلغ ذروته بين أواخر سن المراهقة ومنتصف العشرينات ، ومعظمهم من الرجال. وعند وصول عمرهم ١٥ سنة، ارتكب حوالي ثلث الأولاد المشتركون في البحث ببعض الجنح، كما وجدت موفيت، في حين أن مجموعة فرعية أساءت بشكل متكرر. وعندما نظرت إلى بيانات من مرحلة الطفولة المبكرة، وجدت أن الجناة المعتادين كانوا يثيرون مشاكل من سن ٣ سنوات، وأن سجلات الاعتقال بدأت قبل سن المراهقة.
بمر ور السنين، نشرت موفيت سلسلة من الأبحاث التي افادت فيها أن أداء هؤلاء الأولاد كان ضعفيفاً في الاختبارات العصبية النفسية neuropsychological (ك المهارات اللفظية والذاكرة اللفظية)، وسجلوا مستوى عالٍ من الإندفاعية ( النزوة)، وكانوا من المرجح أن يتعاطوا المخدرات عندما يكبرون في العمر. وفي عام ٢٠٠٢، أفادت الباحثة بأن هذه المجموعة نفسها ارتكبت في سن السادسة والعشرين معظم الجرائم في المجتمع - وهو نمط استمر حتى في الثلاثينيات من عمرهم. وباختصار، فبينما أظهر العديد من الأولاد سلوكاً إجرامياً "مراهقا محدودا "، حوالي خمسة في المائة منهم "استمروا على هذا النمط طوال حياتهم". وكان لهذا العمل آثار هامة على العمل الاجتماعي والقانون، وأربح موفيت جائزة ستوكهولم لعام ٢٠٠٧ في علم الإجرام.
لم يُخلق الناس متساويين . بعضهم لديهم مواهب حقيقية ، والبعض لديهم مشاكل حقيقية من أول نشأتهم . وبمجرد أن نقبل ذلك، لا يمكننا أن نتملص عن مسؤولية العمل الاجتماعي.
تيري موفيت ، جامعة ديوك
في عام ٢٠٠٠، بعد تقاعد سيلفا، أصبح ريتشي بولتون، عالم النفس في جامعة أوتاغو في مدبنة دنيدن، مدير مشروع، ومع استمرار موفيت كمدير مشارك. كل سنتين تقوم موفيت وكاسبي بزيارة لدنيدن لقضاء بضعة أشهر مع بولتون لجمع المعلومات، قبل ان يعودا إلى بلدهم لتحليل البيانات. (قبل بضع سنوات بدأ الأثنان أيضا دراسة على ١١٠٠ أسرة في المملكة المتحدة عندها توائم والتي أضافت لبيانات مدينة دنيدن بيانات هائلة).
جدول الاختبارات في نيوزيلندا، الذي كان محدوداً في البداية، قد توسع بعد ذلك حيث أُضيفت طرق وتقنيات جديدة، كتحليل الحمض النووي، وتصوير شبكية العين (الذي يمكن أن يساعد في قياس صحة الأوعية الدموية في الدماغ)، ومسح نشاط الدماغ. وقام قادة الدراسة بتدريب الموظفين على إجراء مقابلات مع المشاركين وأسرهم ورفقائهم، كما وظفوا مدراء بيانات لمعالجة كتل البيانات المشفرة. واحتفظوا بمعدل استبقاء ( المشاركين) مرتفعا من خلال تتبع مسار المشاركين الذين هاجر ربعهم من نيوزيلندا، ممولين سفر عودتهم مرة أخرى إلى موقع الدراسة، والسفر الى بعض المشاركين الذين كانوا في السجن أو مرضى جدا لم يتمكنوا من العودة الى مكان الدراسة.
يقول جيمس تابيري، الفيلسوف في جامعة يوتا في مدينة سولت ليك Salt Lake ، الذي كتب عن الدراسة: "لقد عرف الباحثان هؤلاء الأشخاص بشكل وثيق، وشاهداهم يكبرون، ويتزوجون، ويصبح لديهم أطفال، ويواجهون الأشياء التي تحدث في وسط الحياة " . قد يكون الأمر مروعاً، كما يقول. "ماذا يمكنك ان تفعل لو كان واحد منهم على وشك التشرد أو لو كان واحد منهم ينقصه ألف دولار ليسدد إيجار بيته؟ ا الأمر كما يشاهد ديفيد أتنبورو الزرافة وهي تُؤكل ولكنها الزرافة التي قد تعرفها من ٤٠ سنة. " الباحثون يمكن ان أن يخففوا على أنفسهم في غرفة آمنة بعد الاستماع إلى معلومات مزعجة. خارج تلك الغرفة، .
الخلقي والمكتسب
وتشير نتائج الدراسة في الغالب إلى أنماط لا الى آليات. ولكن في منتصف التسعينات، انضمت موفيت وكاسبي إلى مجموعة في كينغز كوليدج لندن King's College London تبحث عن الجذور الوراثية للسلوك. وكانت النتيجة بارزة جداً وأكثر إثارة للجدل لما ادعاه هذان الباحثان .
ومن المعروف أن الأطفال الذين يتعرضون لسوء المعاملة غالباً ما يصبحون بالغين عنيفين. ففي مجموعة مدينة دنيدن، على سبيل المثال، اصبح حوالي نصف الأولاد الذين عانوا في طفولتهم من سوء المعاملة رجالاً معرضين لارتكاب جرائم. موفيت وكاسبي يعتقدان أن دراسة هذه المجموعة يمكن أن تسلط الضوء على مسألة التأثير الخلقي الكلاسيكي مقابل التأثير المكتسب: هل الممارسات وحدها تنتج حياة من جرائم، أو بعض الأفراد عرضة لذلك بشكل طبيعي؟ وجاءت الفكرة إليهما وهما في رحلة الى سفاري ناميبيا، حيث أشاروا إلى أن العديد من الناس هناك لم يصابوا بالملاريا حتى في تلك المنطقة التي ينتشر فيها البعوض ، وذلك بلا شك بسبب مقاومتهم الوراثية ( الجينية). هل يمكن أن تؤدي الخصائص الوراثية دورا في السلوك أيضا، مما يجعل بعض الأطفال مقاومين سايكلوجيا. لسوء المعاملة ؟
وقد ربطت الأبحاث السابقة العدوانية بمستويات منخفضة من إنزيم يدعى مونوامين أوكسيديز monoamine oxidase (A(MAO-A ، الذي يحللbreaks down ناقلات عصبية معينة في الدماغ. الفئران المخبرية الي ولدت دون الانزيم أظهرت سلوكاً عدوانياً، وفي حالة بشرية مشهورة، العديد من أعضاء عائلة هولندية من الذكور الذين كانوا عنيفين باثولوجياً يفتقرون إلى الجين الذي شُفر للانزيم.
وقد قامت موفيت وكاسبي بتحليل ال DNA في المشاركين للجين. ووجد الباحثون أن من بين الأطفال الذين تعرضوا لسوء المعاملة، أولئك الذين كانوا عرضة وراثياً لصنع مستويات منخفضة من( A(MAO-A، كانوا أكثر احتمالاً بكثير من نظرائهم في أن يصبحوا بالغين عنيفين . وكان هذا أول دليل أساسي على أن جيناً معيناً يمكن أن يعدل تأثير السبب المعروف للسلوك الإجرامي.
تسببت هذه الدراسة، التي نشرت في عام ٢٠٠٢ في مجلة ساينس ، في حساسية إعلامية، ولكن بعض الباحثين شككوا في فائدة مثل هذه الدراسات. يقول دين هامر، عالم فخري في المعاهد الوطنية للصحة في بيثيسدا بولاية ماريلاند، الذي كتب على نطاق واسع عن الجينات والسلوك: "بالتأكيد هناك تأثير وراثي في الأشخاص الذين تعرضوا للعنف". "ولكن التأثيرات صغيرة جدا ومتغيرة جدا"و التي يجب أن تقزمها مخاطر إساءة معاملة الأطفال.
ومنذ ذلك الحين، ابتعد المحققون عن الجينات الفردية. يقول تابيري: "لقد تجاوزنا الأن بكثير الجانب السهل من الوراثيات المندلية . علماء الوراثة الآن قاموا بمسح جينومات الآلاف من الناس الذين يعانون من حالة معينة ، الربو على سبيل المثال ، في بحثهم عن متغيرات الجينات / الحمض النووي التي تتراكم آثارها الصغيرة على خطر معاً. في كثير من الأحيان يتضح أن مئات أو حتى الآلاف من الجينات تساهم في كل المخاطر ، وليس فقط واحد منها. وقد اعتمدت موفيت وكاسبي هذا النهج للبحث عن العوامل الوراثية في حالات تشمل إدمان التبغ والبدانة.
في الآونة الأخيرة، قارن كاسبي البحوث الطولية بالزراعة - "بذر ورعاية وانتظار وحصاد". إنها مقارنة ملائمة، نظرا لأن أجداده و أجداد موفيت كانوا من المزارعين. وبعد مرور عام على جمع البيانات، ظهرت بيانات جديدة عن التنمية البشرية.
كلما كبر الاطفال المشاركون راكمت الدراسة البيانات ، واظهرت متابعات الكشف على هؤلاء المشاركين عندما اصبح عمرهم ٢٦ سنة أن الأطفال المصابين بالهلوسة قد طوروا مرض انفصام الشخصية التام بأكثر من ٢٥ ضعفاً من معدل عامة السكان. (مرض الفصام نادر جداً بحيث أن عدد العينات كان صغيراً ).
يقول كاسبي: "استغرق الأمر ربع قرن لنرى ذلك. "عليك فقط التحلي بالصبر، والبحث الطولي هو تمرين كبير على تأخير الإشباع".
١ المزاج: الفتيات اللواتي يعانين من مشاكل سلوكية كأطفال يعانين من صعوبة أكبر في التكيف مع سن البلوغ المبكر.
٢ الشخصية تستمر بلا تحكم ويميل الأطفال الذين تبلغ أعمارهم ٣ سنوات إلى أن يكبروا ولديهم تسرع وغير اجتماعيين. الاطفال في عمر ٣ سنوات غير المحفزين يميلون إلى أن يصبحوا خجولين ومكتأبين.
٣- العنف والجندر : من المرجح أن ترتكب النساء العنف الحميمي ضد شركاء الحياة .
٤- انفصام الشخصية : الهلوسة في الأطفال تتنبأ بزيادة خطر الإصابة بالفصام لدى البالغين
عادت موفيت وكاسبي إلى الولايات المتحدة في عام ٢٠٠٧ لقبول الأستاذية في جامعة ديوك في دورهام، كانت فرصة لعودة موفيت إلى أصولها.
الأصل ( الموطن) يعني الكثير لعملهم، الذي أظهر أن طبيعتنا كبالغين - قدرتنا على ضبط النفس ونزعتنا للعنف - لها جذور عميقة في الطفولة حيث كنّا سابقاً. في الآونة الأخيرة، اخذت موفيت وكاسبي نظرة واسعة على اداء المشاركين في دراستهم، والذين يبلغون الآن من العمر ٤٥ سنة. إنه وقت حياة مؤثر ، عندما يواجه البالغون في منتصف العمر حقيقة أن العديد من أحلامهم الشبابية لن تتحقق. وأظهرت بيانات مدينة دنيدن أن ما يزيد قليلاً عن خمس السكان يمثلون الجزء الأكبر من التكلفة الاجتماعية: الجريمة ومدفوعات الرعاية الاجتماعية والاستشفاء وشراء السجائر وتربية الأطفال الأيتام وغير ذلك من مؤشرات العجز الاجتماعي.
ما هي مشكلة هؤلاء الناس؟ عادت موفيت وكاسبي إلى الوراء ونظرا إلى بياناتهما من عمر ٣سنوات . ويبدو أن المجموعة المستهدفة ملعونة منذ البداية: لقد سجلوا مستوى متدنياً في المهارات اللغوية المبكرة والمهارات الحركية اللطيفة ( حركة الأصبع مثلاً) والخشنة والصحة العصبية وضبط النفس. وكثيراً ما نشأوا أيضا في فقر وتعرضوا لسوء معاملة. في كل حياتهم كانت عيوبهم تلاحقهم . تقول موفيت: "لم يحصلوا على بداية جيدة من أول طفولتهم. "لا يمكنك أن تتوقع من الناس من هذا النوع من الطفولة ان يكون اداؤهم جيداً".
حتى أن هؤلاء يبدو أنهم يشيخون أسرع من أولئك الذين لديهم بداية أفضل. من بين أترابهم، وجدت موفيت وكاسبي علامات شيخوخة ابتدأت من الثلاثينيات . لقد اصيبوا بشكل خاص بآثار الإجهاد في سن مبكرة. ويبدو أن إساءة معاملة الأطفال تؤدي إلى تآكل التيلوميرات - وهي أغطية في نهاية الكروموسومات لها علاقة بحفظ الخلايا - وهذا بدوره قد يسرع الشيخوخة.
موفيت وكاسبي لم يقدما أي نظرية موحدة كلية للتنمية البشرية: البشر معقد جدا، وغير منطقي جدا، وبشكل موجز من حيث المبدأ. ما أعطت الدراسة للباحثين ليس مجرد استنتاج حول البشر من وجهة نظر خاصة.
تقول موفيت: " لم يُخلق كل الناس متساوين". "بعضهم لديهم مواهب حقيقية، وبعضهم لديهم مشاكل حقيقية من أول نشأتهم ، وبمجرد أن نقبل ذلك، لا يمكننا التملص من مسؤولية العمل الاجتماعي".
وتضيف أن "مشاهدة كيف تتكشف حياة الناس على مدى عقود،" تلزمنا الرحمة ".
المصدر:
للمواضيع المترجمة السابقة يرجى زيارة المدونة على هذا العنوان؛
https://adnan-alhajji.blogspot.com/?m=1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق