الخميس، 22 فبراير 2018

هل الخَلْقي أو الكسبي هو الذي يشكل الإنسان



٨ فبراير ٢٠١٨

الكاتب كاڤين جيانغ

المترجم : ابو طه/ عدنان احمد الحاجي 

المقالة رقم ٧٣ لسنة ٢٠١٨

التصنيف: ابحاث الدماغ 


By KEVIN JIANG


February 8, 2018




التحليل  على مستوى الخلية الواحدة  يكشف  المشهد الدرامي للتغيرات الجينية في الدماغ بعد التحفيز البصري 
"الخَلْقي  والكسبي  هي جلجلة متناغمة  من الكلمات، وذلك لأنهما مفصولان  تحت عنوانين مميزين،   عناصرهما  التي لا تعد ولا تحصى   تتكون  منها الشخصية . الخَلْقي  هو كل ما يجلبه الإنسان معه الى العالم . والكسبي  هو  كل تأثير  من خارجه  الذي  يؤثر عليه بعد ولادته. كما قال "- فرانسيس غالتون، ابن عم تشارلز داروين، ١٨٧٤ ( للمزيد عن فرانسيس على هذا الرابط من خارج النص https://ar.m.wikipedia.org/wiki/فرانسيس_غالتون).
قوس قزح "من الخلايا العصبية في القشرة الدماغية شكلت  بألوان مختلفة صورة: جامعة هارفارد
هل   الخَلْقي  أو الكسبي  هو الذي   يشكل  الإنسان في نهاية المطاف؟ هل الأفعال  والسلوكيات هي نتيجة للجينات أو البيئة؟
 الاختلافات في هذه المسائل لا زالت تستكشف  من قبل عدد لا يحصى من الفلاسفة والعلماء عبر آلاف السنين.
ومع ذلك، وبينما يواصل علماء البيولوجيا فهم الآليات التي تقوم عليها وظائف الدماغ على نحو أفضل، يتضح بشكل متزايد أن هذا الانقسام الذي طال أمده قد لا يكون  انقساماً  على الإطلاق.
في دراسة نشرت في مجلة ناتشر نيوروساينس في Nature Neuroscience   ٢١  يناير، كشف علماء الأعصاب وعلماء النظم من كلية الطب بجامعة هارفارد  عن مدى الطبيعة المتشابكة الحتمية بين الخَلْقي  والكسبي.
وباستخدام تكنولوجيات جديدة تم تطويرها في كلية الطب في جامعة هارفردHMS، ​​نظر الفريق في كيف تؤثر  تجربة حسية وحيدة على التعبير الجيني في الدماغ من خلال تحليل أكثر من ١١٤ ألف  خلية فردية في القشرة البصرية لفأر قبل وبعد التعرض للضوء.
وكشفت النتائج التي توصلوا إليها عن المشهد الدراماتيكي والمتنوع لتغيرات التعبير الجيني في جميع أنواع الخلايا، تتضمن ٦١١ جيناً  مختلفاً، وكثير منها   عُزيت الى  الترابطية العصبية وقدرة الدماغ على إعادة تسليك نفسه ليتعلم ويتكيف.
تقدم النتائج رؤى حول كيف تؤدي  ومضات  نشاط الخلايا العصبية والتي تستمر  فترة زمنية مقدارها ملي ثانية ( واحد على الف من الثانية)   إلى تغييرات دائمة في الدماغ، وتفتح مجالات استكشافات جديدة من أجل  بذل الجهود لفهم كيف يعمل الدماغ.
"ما وجدناه ، بمعنى من المعاني، مذهل. وكإستجابة للتحفيز البصري، فإن كل خلية تقريبا في القشرة البصرية تستجيب بطريقة مختلفة "، كما قال مايكل غرينبرغ المؤلف المشارك وأستاذ علوم الأعصاب ورئيس قسم علم الأعصاب في HMS.
"هذا في جوهره يعالج السؤال الذي طرح من زمان  حول الخَلْقي  والكسبي: هل هو من الجينات أو من البيئة؟ انه كلاهما، وهذه هي الطريقة التي يلتقيان معاً "، كما قال.
واحد من كثير 
وقد عرف علماء الأعصاب أن الممارسات  المحفزة الحسية مثل اللمس أو الصوت، والتغيرات الأيضية والإصابات، والممارسات  البيئية الأخرى، يمكن أن تفعّل البرامج الحينية داخل الدماغ.
يتألف الدماغ من مجموعة واسعة من الخلايا المختلفة، ويعتمد على أوركسترا معقدة من الوظائف الخليوية للقيام بمهامه. وقد سعى العلماء منذ فترة طويلة لفهم كيف تستجيب  الخلايا الفردية لمختلف المحفزات. ومع ذلك، نظراً للقيود التكنولوجية، ركزت الدراسات الجينية السابقة  إلى حد كبير على مجموعات مختلطة من الخلايا، مغفلة. الفروق الدقيقة الحاسمة في السلوك الخليوي.
ومن أجل بناء صورة أكثر شمولا، تعاون غرينبرغ مع المؤلف المشارك البرفسور برناردو ساباتيني، أستاذ علوم الأعصاب في كلية الطب في جامعة هارفرد ، وآلون كلاين، أستاذ مساعد لبيولوجيا الأنظمة  في كلية الطب في جامعة هارفرد .
وقد قام الباحثون   سينيسا هارڤتين، وهو زميل   مرحلة ما بعد الدكتوراه في مختبر غرينبيرغ ودانيال هوكباوم، وهو زميل  مرحلة ما بعد الدكتوراه  في مختبر ساباتيني، و م. أوريل ناغي، وهو طالب دكتوراه في مختبر غرينبرغ، بوضع   الفئران في غرفة مظلمة بالكامل  لإسكات  القشرة البصرية، وهي منطقة الدماغ التي تتحكم في الرؤية.
ثم عرّضوا الفئران للضوء ودرسوا كيف أثرت  على الجينات في داخل الدماغ. باستخدام التكنولوجيا التي طورها مختبر كلاين المعروف باسم إن دروبسinDrops، استطاع الباحثون ان  يتعقبوا أي  الجينات    أبتدأت  او توقفت عن العمل في عشرات الآلاف من الخلايا الفردية قبل وبعد التعرض للضوء.
ووجد الفريق تغييرات كبيرة في التعبير الجيني بعد التعرض للضوء في جميع أنواع الخلايا في القشرة البصرية - في كل من نوعي الخلايا العصبية، وبشكل غير متوقع،  في الخلايا غير العصبية كالخلايا النجمية والبعلمية والخلايا العضلية التي تبطن الأوعية الدموية في الدماغ.
تقريبا ٥٠ إلى ٧٠ في المائة من الخلايا العصبية الإستثارية excitatory neurons، على سبيل المثال، اظهرت  تغييرات بغض النظر عن موقعها أو وظيفتها. ومن الواضح أن المؤلفين قالوا إن نسبة كبيرة من الخلايا غير العصبية، أي نصف الخلايا النجمية تقريباً، على سبيل المثال، أظهرت أيضا تغيرات.
وتعرف الفريق على الآلاف من الجينات ذات أنماط تعبير تغيرت  بعد التعرض للضوء، و ٦١١ جين  زادت أو قلت على الأقل بمقدار الضعف (في التعبير)  .
وقد عُزيت العديد من هذه الجينات سابقاً الى إعادة تشكيل هيكلي في الدماغ، مما يشير إلى أن القشرة البصرية بأكملها تقريباً، بما في ذلك أنواع الأوعية الدموية والخلايا  العضلية، ربما خضعت  لإعادة تسليك وراثي استجابة لممارسة حسية.
كان هناك بعض الجدل بين علماء الأعصاب حول ما إذا كان التعبير الجيني يمكن أن يتحكم  وظيفياً  في اللدونة (تعريف من خارج النص : اللدونة هنا تعني زيادة او نقصان في الترابطات بين الخلايا العصبية عبر المشابك )  أو الترابطات  بين الخلايا العصبية.
"أعتقد أن دراستنا تشير بقوة إلى أن هذا هو الحال، وأن كل خلية لديها برنامج وراثي فريد من نوعه مصمم خصيصاً لوظيفة خلية معينة داخل الدائرة العصبية"، كما قال غرينبرغ.
منجم ذهب  من الأسئلة
وقال الباحثون إن هذه النتائج فتحت مجموعة واسعة من السبل لمزيد من الدراسة. على سبيل المثال، كيف تؤثر البرامج الوراثية على وظيفة أنواع محددة من الخلايا، وكيف تختلف في بواكير الحياة  أو في وقت لاحق منها ، وكيف أن الخلل في هذه البرامج قد يسهم في تسبيب المرض، وكل هذه النتائج  يمكن أن تساعد العلماء على معرفة المزيد عن طرق العمل  الأساسية للدماغ.
"يبدو أن الممارسة ومحفزات البيئية تؤثر بشكل مستمر تقريباً على التعبير الجيني والوظيفة في جميع أنحاء الدماغ. وقد يساعدنا ذلك على فهم كيف تنشأ عمليات، كالتعلم وتكوين الذاكرة، والتي تتطلب تغييرات طويلة الأمد في الدماغ،   تنشأ من ومضات النشاط الكهربي القصيرة  والتي من خلالها تؤشر الخلايا العصبية لبعضها البعض ".
أحد مجالات التحقيق المثيرة للاهتمام، وفقا ل غرينبرغ، تتضمن العناصر التنظيمية التي تتحكم في تعبير  الجينات استجابة للمارسة الحسية. في ورقة نشرت في وقت سابق من هذا العام في مجلة مولوكيلار سيل Molecular Cell، وقال انه وفريقه استكشف نشاط مركب    بروتين فوس جون FOS/JUN المعقد complex، والذي عبر  في  العديد من أنواع الخلايا المختلفة في  الدماغ  كله ولكنه يبدو انه ينظم  برامج فريدة من نوعها في كل نوع من الخلايا المختلفة.
وقال الباحثون إن التعرف على  العناصر التنظيمية التي تتحكم في التعبير الجيني أمر بالغ الأهمية لأنه قد يفسر الاختلافات في  وظائف الدماغ  من إنسان إلى آخر، وقد تكون أيضا وراء اضطرابات ك التوحد والفصام ومرض  ثنائي القطب.
وقال غرينبرغ "نحن نجلس على منجم ذهب من الأسئلة التي يمكن أن يساعدنا على فهم بشكل أفضل لكيف يعمل الدماغ". "وهناك مجال كامل من الاستكشاف ينتظر ان يستثمر   ."
المصدر:
للمواضيع المترجمة السابقة يرجى زيارة المدونة على هذا العنوان؛
 https://adnan-alhajji.blogspot.com/?m=1

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق