الأربعاء، 1 يناير 2020

تطوير الجيل القادم من الأدوية من خلال التصميم المرتكز على المريض في التجارب السريرية

بقلم ريتشارد غالي

٢٦ ديسمبر ٢٠١٩

المترجم : أبو طه/ عدنان أحمد الحاجي

راجعه الدكتور غسان علي بوخمسين ، صيدلاني، مستشفى جون هوبكنز

المقالة رقم ٢ لسنة ٢٠٢٠

التصنيف : أبحاث الأدوية



Richard Ghalie

December 26, 2019

 مقدمة الدكتور غسان علي بوخمسين ، صيدلاني في مستشفى جونز هابكنز ، الظهران   

الطب الشخصي مصطلح جديد وأفق واعد في عالم الطب البشري 

‏رغم أن فكرة أو مفهوم تصميم علاج حسب حاجة وخصوصية المريض ترجع إلى زمن الطبيب الإغريقي أبقراط،  إلا أن مصطلح "الطب الشخصي  personalized medicine"  أو يسمى أحيانا ب"الطب الدقيق  Precision medicine" لم يصبح هذا النوع من الطب قيد التداول والاستخدام إلا في السنوات الأخيرة، نتيجة لتطور وتحسّن أساليب التشخيص والعلاج وتقدم أساليب المعلومات الصحية الحديثة خصوصاً في مجال الجينوم البشري.   تطور هذا العلم أتاح   للأطباء دليلاً  إرشادياً واضحاً يستند إلى مجموعة المرضى المصابين بأمراض مترابطة ومتماثلة.

‏الطب الشخصي  أشبه ما يكون بتصميم دواء مناسب لمواصفات كل مريض على حدة ، هذا النهج الجديد ما هو إلا ثمرة ازدياد فهمنا للخصائص الجزيئية والجينية التي تميز كل شخص عن الآخر،  وتجعله عرضة لأمراض معينة أكثر من البعض الآخر ،  وبهذا تمكنا من امتلاك ‏مفتاح ذهبي  للتنبؤ بالعلاج الشخصي الأمثل من حيث الفعالية والأمان لكل مريض ، وبخلاف  النهج التقليدي الأشبه بثوب واحد يناسب الجميع،  أصبح بإمكان الأطباء الآن استخدام أدوات أكثر دقة في اختيار خطة العلاج المناسبة للمريض استناداً إلى صفاته الجزيئية والجينية بهدف التقليل من الأعراض الجانبية الخطيرة وضمان نتيجة أكثر فاعلية.
حقيقة أن ٤٠٪؜ من الأدوية التي أقرتها  منظمة الغذاء والدواء الأمريكية FDA في عام ٢٠١٨  هي من نوع  الطب الشخصي تشير بوضوح على مدى اهتمام الهيئة بتسريع تطوير هذا الفرع الطبي الناشئ،  وإدخاله في الرعاية الصحية كبديل متطور عن النهج العلاجي التقليدي. 

لكن رغم كل هذا التفاؤل بخصوص هذا الطب إلا أنه توجد مخاوف كبيرة بين بعض الباحثين  من أن يكون هذا الطب الشخصي غير متاح للجميع، بل سيكون مقصوراً على الأغنياء فقط، فالأبحاث بطبيعة الحال تِجرى على هذا النوع من االعلاج فقط في البلدان الغنية وعلى الأعراق والسلالات الموجدة فيها، ولن يُكترث لبقية السلالات في العالم، مثلاً نحن في السعودية نعاني من أمراض وراثية كثيرة جداً، وأحد أسباب ذلك يرجع إلى  زواج الأقارب، ولهذا نحن بحاجة لفحوصات جينية من أجل بناء قاعدة جينوم خاصة بنا، لأن هذه الأمراض والطفرات متغيرة بتغير الأعراق، ومن الواضح أن الأدوية التي ينتجها الغرب والدراسات التي تُجرى على الأعراق هناك بشأنها ، قد لا تتناسب مع سلالاتنا  العرقية  والتي أظهرت الدراسات الجينية حتى الآن اختلافات واضحة وكثيرة بيننا وبين السلالات الأخرى ، مما يستوجب إجراء مزيد من الفحوص الجينية لدينا لمعرفة هذه الميزات والفروقات لتصميم  دواء مناسب  للعرق ذاته ، 

وهذا ما بدأت الدراسات  الحديثة بتناوله في السنوات الأخيرة،  وكمثال على ذلك،  تشير  الدراسات التي أُجريت لدينا إلى خطورة استعمال بروتوكولات العلاج الكيميائي لمرضى السرطان القائمة على الجرعات التي كانت في الأصل مصممة للعرق القوقازي الذي نختلف عنه كثيراً من الناحية الجينية ، وما يعنيه ذلك من الآثار المترتبة على   الأدوية  العلاجية وسميتها، لذلك فالمأمول أن نقوم بأبحاثنا الجينية الخاصة بنا وبناء بروتوكولات علاجية على ضوئها بدلاً من  استيرادها !.
‏ 
النتائج الأولية على تطبيق هذا النهج الطبي واعدة  وإيجابية، إلا أننا ما نزال في البداية نأمل أن  نطبقه على نحو واسع لإثبات مدى فاعليته على المدى الطويل، والتي  ستلتزم وقتاً وجهداً  وتجارب سريرية ضرورية.

الدراسة المترجمة هنا تعكس جهود الباحثين الحثيثة في التفكير خارج الصندوق لمحاولة ابتكار مناهج وطرق جديدة في تطوير أدوية وبروتوكولات علاجات وتوصيات إرشادية، مما يحقق للمريض نتائج أفضل من ناحية الفاعلية والمأمونية للأدوية.



**نص الدراسة المترجمة** 
عندما تنجح إحدى العمليات process ، فمن الطبيعي أنك تحاول أن تكررها لا أن تعيد  آيجادها أو أن تعيد التفكير فيها.  وهذا لا يزال صحيحاً في إجراء التجارب السريرية لتطوير أدوية  جديدة: المسار الرئيسي لموافقة  هيئة الغذاء والدواء الأمريكية FDA  على دواء ما غالبًا ما يكون هو نفسه الذي أدى إلى الموافقة على الدواء السابق.

لعقود من الزمن مضت ، فإن الركيزة الأساس لتحديد ما إذا كان ينبغي اعتماد أي دواء،  هو ما إذا كانت فوائده تفوق مخاطره المعروفة والمحتملة على المجموعات السكانية المقصودة.  في جوهره ، هذا هو التحليل الكمي للمخاطر مقابل الفوائد.  إنه ليس تقييمًا مرتكزاً على المريض (محوره المريض) ولا يركز على نوعية حياة شخص المريض كعامل مهم. 

لقد حان الوقت للبدء في تغيير هذه الاستراتيجية والتعامل مع تطوير أدوية ، ليس فقط من خلال حفظ التوازن بين الفعالية والسلامة، ولكن أيضًا من خلال مراعاة الاحتياجات الأوسع للمرضى كأفراد. 

أدوية السرطان هي أمثلة جيدة على هذا التحدي.  وقد طورت تقليديًا بالتركيز على القضاء على الخلايا السرطانية وتقليص حجم الأورام إلى مستويات غير قابلة للكشف، وأن مستويات معينة من السمية هي الضريبة المفترضة لجني الفوائد المتحققة.  إن التكلفة التي يتكبدها المريض من حيث قابلية التحمل وسهولة الاستخدام والامتثال (متابعة) للعلاج الموصوف ونوعية الحياة،  ليست دائمًا هي العوامل الرئيسية الدافعة في قرارات تطوير الأدوية.  لكن يجب على مطوري الأدوية البدء في تطبيق هذه الاعتبارات في خوارزمياتهم.

خلال الدردشة أمام المدفئة في فعالية قام بها بنك ليرنك ثيرابيوتكس SVB Leerink Therapeutics في بوسطن الأمريكية، علقت جانت وودكوك  مديرة مركز تقييم الأدوية التابع لهيئة الغذاء والدواء الأمريكية على الحاجة إلى دمج ( مفهوم العلاج من منظور المريض)  لتطوير تصاميم أفضل للتجارب السريرية.  وبعد بضعة أشهر ، وأثناء حديثها في مؤتمر "اختراقات الطب العلمية" ، قالت وودكوك: "العلم رائع ، لكن هذا لا يكفي"!

إن الآثار المترتبة على تصريحات وودكوك ، جزئياً على الأقل، هي أن هناك طرقاً أفضل لمقاربة تطوير الأدوية حتى يستفيد جميع المرضى بشكل شخصي، ومساعدتهم على الاستمرار في العلاج، والشعور بالتحسن، والبقاء على قيد الحياة  لفترة أطول. مطورو الأدوية يحتاجون إلى أخذ زمام المبادرة في تحقيق هذا الهدف.

 الحلول الجديدة والإبداعية ، مثل معرفة  جداول الجرعات والعلاج بشكل أفضل ، يمكن أن تكون الفارق  بين دواء فعال تصحبه تأثيرات جانبية حادة، وذلك الدواء الذي يرغب المرضى في أخذه لفترة كافية لتحقيق أقصى فائدة.  لقد رأينا أمثلة ناجحة على هذا من قبل.

في أوائل التسعينات ، كانت هناك خيارات علاجية محدودة للنساء المصابات بسرطان الثدي والذي كان مقاوماً لوسائط العلاج الكيميائي المتاحة.   إدخال التاكسنات taxanes  مثل باكليتاكسيل (١) ودوسيتاكسيل (٢) يُعد بمثابة تقدم كبير في العلاج.

على الرغم من أن التاكسانات taxanes أصبحت الآن حجر الزاوية في علاج سرطان الثدي ، إلا أنها كانت سامة في البداية بالنسبة لمعظم المصابات به.  منذ ذلك الحين ، خُفض متوسط الجرعة، وحُسنت جداول الجرعات إلى الحد الأمثل بإعطاء جرعات أقل وبشكل متواتر أكثر، تُستخدم التاكسنات الآن لتحسين العلاجات الأخرى.  وقد أدت هذه التعديلات إلى نتائج واعدة وسمحت لأن يِعالج  المزيد من المرضى لفترات زمنية أطول مما كان عليه الحال  في تلك الأيام الأولى.

أدوية السرطان قد تكون مفيدة  بشكل جيد عندما تُعطى بشكل يومي ، وبشكل مستمر ، وإلى أجل غير مسمى.  ولكنها قد تكون مفيدةً على الأقل أيضًا - وبانخفاض في السمية - لو أُعطيت بتواتر أقل.  كان هناك صنف من أدوية  السرطان المعروفة باسم مثبطات ديستيلاز ال هيستون  histone deacetylase  من ضمن أوائل العقاقير التي أُستخدمت بنظام متقطع ، والتي فيها تُتبع الجرعة العالية بفترة راحة تهدف إلى السماح للجسم بالتعافي من الآثار الجانبية.

عندما وافقت هيئة  الغذاء والدواء الأمريكية على يرڤوي Yervoy (جسم مضاد يُسوّق تحت هذا الاسم التجاري ، المزيد في ٣) وهو أول مثبط لنقاط التحقق (checkpoints ) يتم تسويقه في الولايات المتحدة ، في عام ٢٠١١ ، كان فعالًا للغاية ولكن فقط في مجموعة فرعية صغيرة من المرضى الذين يعانون من مرض متقدم.  وكما هو الحال مع العديد من العلاجات الجديدة ، كانت هناك تحديات علاجية جديدة ، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى السُميّات ذات العلاقة بالمناعة.  من تجربة  لاحقة  وتجارب سريرية ، انبثقت معرفة أفضل لكيف تستخدم  العلاجات المناعية.  تتمثل إحدى الطرق في استخدام نظم جرعات مرنة ، والتي نجحت في زيادة عدد المرضى الذين تمكنوا من الاستفادة من يرڤوي.

تبحث شركتيMEI Pharma، في جداول بديلة لا يمكن أن تؤدي فقط إلى تحسين نسبة الفوائد  إلى المخاطر، ولكنها تأخذ في الاعتبار احتياجات المرضى كأفراد بشكل عام.   كمثال على ذلك يمكن أن نجده في تطويرنا لدواء ME-40، وهو دواء مرشح ليحجب  دلتا الفوسفوينوسيتيد 3 كيناز PI3Kوهو مسار رئيسي في انتشار وباء أو أورام  الخلايا البائية  الخبيثة.

بينما تستخدم بعض تجاربنا الجرعات اليومية المستمرة ، يستخدم البعض الآخر نظام الجرعات المتقطعة.  ويستند هذا الأخير على معرفة تركيزات الدواء في بلازما الدم والأورام ، وكذلك على معرفة  دورة تجدد الخلايا المناعية الرئيسية التي يعتقد أنها مرتبطة بالسميات المحتملة. 

قرارنا بتقييم نظام متقطع في استخدام دواء ME-401 ، الذي استفاد مما تعلمناه من  التعديلات modulating المناعية لتجربة يرڤوي Yervoy ، يستهدف  التعرف على  مقاربة يمكنها تحقيق الفائدة السريرية وتقليل الأحداث السلبية التي تتحدى وسائط ال PI3K-delta الأخرى.  حتى الآن ، فإن هذه التعديلات على الجرعة والجدول الزمني تبشر بالخير في تخفيف السمية واستخلاص فوائد ممتدة من العلاج.

بدلاً من  أخذ أفضل مركب  أساساً للمقارنة وأسهل طريقة لنسخ البرامج السابقة في الاعتبار  ، يحتاج مطورو الأدوية إلى أن يصبحوا أكثر ذكاءًا وإبداعاً،  لا يوجد حل واحد يناسب الكل لتحسين الأساليب العلاجية وتصميم التجارب السريرية.  لكن إيجاد بدائل جديدة وفعالة لإدارة الأدوية والجرعات هي إحدى الطرق للمساعدة في وضع المرضى في قلب التجارب السريرية وتعميق معرفة وتقدير خصائص المركب. 

 دراسة التصميمات  للأدوية المرشحة التي تجعل المريض المحور لها (المرتكزة على المريض) هي  الخطوة التالية في قيادة تحول براديغمي نحو مقاربة مرتكزة على المريض لتطوير الأدوية.

ريتشارد غالي Ghalie هو نائب الرئيس ، الأول للتطوير السريري MEI Pharma



مصادر من خارج النص



٣-

المصدر الرئيس

للمواضيع المترجمة السابقة يرجى زيارة المدونة على هذا العنوان؛

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق