الخميس، 30 يناير 2020

إعادة التفكير في التراجع في التوحد


من المحتمل أن يكون فقدان القدرات التي تحف ببعض الأطفال الصغار الذين لديهم توحد أقل مفاجأة وأكثر شيوعًا مما  يعتقده أي شخص.

بقلم ديفيد دوبيس

المترجم : أبو طه/عدنان أحمد الحاجي

راجعته ودققته الدكتورة أمل حسين العوامي، استشارية طب نمو وسلوك الأطفال

المقالة رقم ٣١ لسنة ٢٠٢٠

التصنيف : أبحاث التوحد
   

The loss of abilities that besets some toddlers with autism is probably less sudden and more common than anyone thought.

David Dobbs


واحدة من أقدم الأفكار عن التوحد - الفكرة قديمة قدم تسمية الحالة نفسها - هذه الفكرة تأتي في شكلين: أحدهما  ان التوحد موجود منذ الولادة ، والآخر يظهر فجأة في مرحلة الطفولة. النوع الثاني ، أو هكذا تقول الفكرة ، يعلن عن نفسه من خلال فقدان سريع للمهارات.
  
في هذه الصورة الكلاسيكية  "للتراجع   regression (الإنكفاء) ، انسحب فجأة طفل ثرثار وفضولي عمره سنتان. كانت عدم مبالاته بسماع اسمه تزداد مع عمره. بدأ يقلل من الكلام  أو يتوقف عنه  تمامًا. فقد تحول  من اللعب مع الناس إلى اللعب بالأشياء ، من استكشاف العديد من الأشياء والأنشطة إلى الإستحواذ الهوسي على بضعة أشياء. وفقد الكثير من المهارات التي أتقنها وبدأ في التأرجح  بجسمه أو الدوران أو المشي على أصابع قدميه أو رفرفة يديه. في كثير من الأحيان في هذه المرحلة يبحث والداه المرعوبان عن إجابات من متخصصين .

هذه النظرة الثنائية لبداية التوحد لطالما  اعتبرته سالي أوزونوف Sally Ozonoff    أنها صحيحة  .  الكتب الدراسية والأوراق العلمية المنشورة التي قرأتها  سالي وهي طالبة في الثمانينيات وصفت التراجع على أنه نوع فرعي من  التوحد - باستثناء النسخة الأكثر شيوعًا  "للبداية المبكرة" للحالة ، والتي يعتبرها الكثيرون فطرية (خلقية ، أي يولد الطفل بها). دراسةً  التوحد تعني قبول هذا التقسيم ، كما تتذكر  أوزونوف  .
  
لكن في العقود من السنوات التي تلت ذلك ، بدأت هذه الحدود التي كانت واضحة حينئذ في التلاشي. لقد وجدت دراسات  وبائية أن ما بين ١٥ إلى ٤٠  في المائة من تشخيصات  التوحد  تتناسب مع نوع التراجع هذا ، مع اختلاف التقديرات بشكل كبير اعتمادًا على كيف عُرّف  التراجع (١). وبغض النظر عن التعريف ، فإن تقديرات انتشار التراجع (كما قيس بشكل رئيسي في الولايات المتحدة) تميل إلى الارتفاع حيث أصبحت الدراسات أكبر وأكثر صرامة ، كما تقول أوزونوف. هذا التباين والتوسع قد تحديا الرؤية السائدة للتراجع على أنه استثناء.
  
اليوم ، تعد أوزونوف ، أستاذة الطب النفسي والعلوم السلوكية في معهد مايند   MIND التابع لجامعة كاليفورنيا في ديفيس  ،إحدى المجموعات  النامية من الباحثين الذين يقولون إن الانقسام البسيط بين  التوحد التراجعي وغير التراجعي هو تقسيم خاطئ بالتأكيد. اقتراحهم ، الذي اكتسب زخماً على مدى السنوات الـ ١٥ الماضية ، هو أن الباحثين والأطباء يجب أن يوقفوا هذا التقسيم وإلى الأبد.
"أعتقد أن معظم الأطفال المصابين بالتوحد يفقدون بعض المهارات ، لكن كم من هذه المهارات يفقدها هؤلاء  الأطفال  - ومتى يفقدونها  وماذا يفقدون - تختلف باختلاف الأطفال" ، كما تقول كاثرين لورد ، مديرة مركز التوحد والدماغ المتطور في نيويورك - . مستشفى المشيخية في مدينة نيويورك. "أعتقد أن تصنيفهم على أنهم متراجعون  أو غير متراجعين هو مضيعة للوقت وعبارة مغلوطة".
  
كانت هذه الفكرة محوراً رئيسيًا - الفيل الذي استمر في المشي في الغرفة ( تعبير مجازي عن مشكلة كبرى الكل على علم بها لكن يتغافلون عنها لأنهم لا يرتاحون لمناقشتها)- في مؤتمر حول التراجع عقدته معاهد الصحة الوطنية الأمريكية في فبراير ٢٠١٩ (٢). وصف  باحثون واحد تلو الآخر أنماط ظهور التوحد التي تحدت وجهة النظر ذات التصنيف الثنائي. نشر عدد  من الباحثين ، على سبيل المثال ، أنه كلما دققوا  في مقاطع فيديو منزلية أو سجلات متزامنة أخرى ، كتقاريرالأطباء أو القائمين على الرعاية   من السنة الأولى من العمر  عند الأطفال الذين تم تشخيصهم في النهاية بالتوحد التراجعي ، كلما رأوا المزيد من العلامات المبكرة للحالة.
  
 قوة هذه العلامات المبكرة تتباين ، وغالبًا ما تكون خفية ، ولكنها تظهر في مجالات متعددة ، بدءًا من أنماط الحركة وتحديق العين  إلى الاستجابات اللغوية والتفاعلات الاجتماعية. وقالت كاتارزينا شوارسكا ، الباحثة في مركز ييل لدراسة الأطفال ، في اجتماع: "يجب ألا يُنظر إلى التراجع  كحدث ، بل كعملية - مفاجئة أحيانًا ولكنها طويلة الأمد". وقالت إن محاولة فصل الأطفال الذين يتراجعون  [في المهارات] عن أولئك الذين لا يتراجعون   "يمكن أن تكون كرسم خط في الرمل" - علامة لا يمكن الاعتماد عليها في  تضاريس متغيرة.
  
تعكس وجهة نظر شاورسكا  Chawarska نتائج العديد من الدراسات التي كشفت عن "مجموعة من أنماط بداية التوحد (٣) ، كما أوضحت باحثة التوحد في جامعة ملبورن أماندا بريغنيل وزملاؤها في ورقة  نشروها عام ٢٠١٦ ، من "البداية المبكرة للتوحد (تأخر  في النمو المبكر، وعدم فقدان المهارات)  و 'التأخر والتراجع'  ( بعض التأخريات المبكرة ، ثم فقدان للمهارات)  إلى أن يصل الى مستوى 'الهضبة' – (لا تأخيرات مبكرة ولا فقدان ولكن فشل في كسب مهارات)     و'تراجع  عادي'  (لا تأخر في النمو قبل فقدان واضح  للمهارات).   تختلف هذه المسارات كثيرًا في توقيتها  وسرعتها وعمقها وتأثيراتها ، مما يتطلب تشابكًا من الكلمات والأقواس لمحاولة حصرها عنوة  في إطار مزدوج.

في ضوء كل هذا ، تجادل أوزونوف ، يجب ألا نتحدث عن التراجع ، ولكن عن مجموعة متنوعة من بدايات التوحد: إنالصورة السريرية الحقيقية لكيف بدأ التوحد الى الوقت الحاضر ليس لونين  أو حتى طيف من الألوان ، بل مشكلل (كليدوسكوب) - وهذا هو تعبير يشير الى مشهد  معقد من الاحتمالات، وتقول: "لم أعد أسميه تراجع". "أنا فقط اعتبر  الأمر على أنه بداية: كيف تبدأ الأعراض".
  
التقسيم  الكبير 
لمعرفة هذا التحول من الإنقسام الفطري  (الخلقي)  مقابل التراجعي ، فإنه من المفيد  أن  نعرف  كيف ترسّخ هذاالانقسام  لنبدأ به. فقد نشأ، كما يصف أفضل الكتب مبيعاً للكاتب الصحفي ستيف سيلبرمان ، الأسباط العصبية، نيروتريابس "NeuroTribes  إرث التوحد ومستقبل التنوع العصبي"  (٤)  في ورقة  ل ليو كانر Leo Kanner  الإبداعية الصادرة عام  ١٩٤٣ التي وصفت  التوحد. في تلك الدراسة التي شملت ١١ طفلاً ، ادعى كانر Kanner  أنه قد تم التعرف على متلازمة نمائية جديدة. على الرغم من أن هذه المتلازمة ، التوحد ، متداخلة بشكل كبير مع حالة نمائية معينة عُرّفت بشكل فضفاض،  آخرون سموها حينئذ "فصام  مرحلة الطفولة" ، فقد حاجج كانر  على إنها كانت فريدة من نوعها من حيث أنها كانت موجودة "منذ بداية العمر (للطفل) "  حتى لو أصبحت واضحة للعيان في وقت لاحق. على النقيض من ذلك ، ففصام  الطفولة ، حسب ادعائه ، يحدث عادة بشكل أساسي فقط بعد "عامين على الأقل من النمو المتوسط ​​".
  
 تركيز كانر على خاصية فطرية من سمات الأطفال الـ ١١ هو أمر بالغ الأهمية لتأكده أنه اكتشف متلازمة جديدة. كمايقول سيلبرمان Silberman ، "كانر بحاجة إلى هذا الانقسام حتى يتمكن من المطالبة بحقوقه ."


 مناورة  كانر Kanner  فادت  . سرعان ما أثبتت ورقته  التوحد كحالة جديدة ، وكذلك مجال جديد للبحث. كما قوت فكرة أن نوعي التوحد ، الفطري (الخلقي)   والتراجعي ، قد تميزا  ببدايتهما المختلفة ، وافتراضياً ، بمسببات ومسارات نمائية مختلفة.  باحثون يحققون في  فصام الشخصية عارضوا ذلك بشكل مؤدب ، مشيرين إلى أن أطفال كانر االـ11    بدوا وكأنهم نفس الأطفال الذين درسهم كثيرًا. في وقت لاحق ، خلال الخمسينيات من القرن الماضي ، أشار كانر نفسه إلى أن الخط الفاصل بين  التوحد الفطري  (الخلقي) والتراجعي كان ضبابياً . لكن بحلول ذلك الوقت ، كما لاحظ سيلبرمان ، كان بإمكان كانر تحمل هذا التراجع لأن سمعته كانت مضمونة - وتستحق ذلك.
  
في هذه الأثناء ، تعثر الانقسام  ، والأوراق  العلمية الكثيرة  الذي ظهرت حوله صنفت التوحد بشكل مستمر   على أنه فطري أو تراجعي. على الرغم من أن هذه الإنقسام  الحاد كان ملهماً للأبحاث القيمة ، إلا أنه تسبب في مشاكل. في زمن كانر وبعده ، استشهد هو وباحثون آخرون ، وعلى الأخص برونو بيتيلهايم Bruno Bettelheim، بالتراجعي كدليل على أن الأمهات   غير  الحنونات  "الباردات" أو النساء العاملات يمكن أن يؤخرن نماء أطفالهن بطريقة أو بأخرى ( ٥).   تراجع  كانر في النهاية عن هذا الرأي، (٦)   في الآونة الأخيرة ، أشارت المجموعات المضادة للقاح إلى نوع التراجع ،والذي يحدث في كثير من الأحيان في وقت بعدما يتلقى الأطفال العديد من اللقاحات ، كإثبات على أن الحقن يمكن أن تسبب  التوحد - حجة زائفة  (٧)   أسهمت  في تفشي الحصبة (بما في ذلك تفشيها  مؤخرا في ولاية مينيسوتا) ،والسعال الديكي وغيره من الأمراض الخطيرة.
في الواقع ، بعد ٧٠ سنة من أبحاث التوحد ، لا يوجد حتى الآن تعريف واضح لما هو التراجع. تعامل عالما النفس بريانبارغر وجوناثان كامبل بحماس مع هذه المشكلة على مدار الأعوام القليلة الماضية (٨) ، حيث قاما بتدقيق  أكثر من ١٠٠دراسة. وخلصا إلى أن الأدبيات الخاصة ( الأوراق العلمية المنشورة)  بالتراجع  من "دون تصور مركزي" (٩) وليس له"تعريف مركزي متفق عليه عالمياً".
  
في أحد التحليلات التلوية ل ٨٥ بحثًا ، كشف الاثنان  عن مجموعة من التعاريف لكل أنواع التراجع الموصوفة بشكل شائع في أبحاث التوحد - من بينها ، التراجع اللغوي والتراجع الاجتماعي  والتراجع  الحركي   والتراجع  'المختلط' و'التراجع والنمائي' ومجرد التراجع  العادي وحتى 'التراجع، غير المحدد'. "في حالة تراجع  اللغة ، على سبيل المثال ، لم يجدا أي اتفاق على عدد الكلمات التي يجب أن يكون لدى الطفل قبل أن  يفقدها، أو المدة التي احتاج الطفل إلى استخدامها  حتى يستحق  أن يقال أنه تراجع . يقول بارغر  Barger: "  قد تجد ورقة واحدة تقول إنها كلمة واحدة فحسب" ، بينما تتطلب ورقة أخرى ٢٠ كلمة أو استخدام جمل مكونة من كلمتين أو ثلاث كلمات. قد يقول أحد المختبرات أن الطفل يجب أن يمتلك مهارات لغوية لمدة ثلاثة أشهر على الأقل قبل أن يفقدها ، ولكن قد تقصر ورقة آخرى تلك النافذة الزمنية إلى أسبوع واحد فقط.

تعاريف أخرى كانت بالمثل متشابكة .  "التراجع الاجتماعي" يرجع  إلى فقد مجموعة فرعية متفاوتة من المهارات من قائمة تشمل ، على سبيل المثال لا الحصر ، التعبير العاطفي  (هو القدرة على توصيل حالات المشاعر  عبر حركات غير لفظية وإيماءات معبرة).  والانتباه المشترك  (وهو التركيز المشترك لشخصين على شيء واحد، انظر ١٠ للمزيد من المعلومات)  والتواصل البصري ومهارات اللعب واستجابة الطفل عند سماعه لاسمه.  تعريفات "التراجع اللغوي - الاجتماعي" تشمل أيضًا مزيجًا مختلفًا من فقدان مهارات  اللغة  والمهارات الاجتماعية.  تعريفات "التراجع  المختلط" تشمل فقد مهارة اللغة أوالقدرة الاجتماعية أو غيرها من المهارات -  في بعض الأحيان  تكون محددة (مثل المهارات الحركية) ، وأحيانًا غير محددة  ، وأحيانًا عامة  (مثل 'النمائية')  ربما كان التعريف الأكثر اتساقًا ، على الرغم من أنه غير مفيد للغاية ، هو 'التراجع  ،غير المحدد' ، والذي ، بطبيعة الحال ، ينتهي بأن يكون دائمًا غير محدد.
  
هذه الكارثة التعريفية ، التي كتبها بارغر وكامبل في الورقة التي نشرت العام الماضي ، أدت الى  "منشورات علمية literature  تتميز بنتائج متضاربة" (١١). يقول بارغر إنها تساعد أيضًا في شرح التباينات الهائلة التي تُشاهد في تقديرات انتشار التراجع. "إذا لم يكن لديك احساس واضح بما تبحث عنه ، فعندئذ لا يمكنك إثبات أن ما تبحث عنه يبدو متماثلًا عبر تكراره   بشكل مستقل." المشكلة ، باختصار ، ليست مثل مقارنة التفاح بالبرتقال. إنها أشبه بمقارنة التفاح بالبرتقال وبالأناناس وبالسبانخ وبسلطة الدجاج. لا عجب في أن يخلص بارغر وكامبل الى أن "البحث حتى الآن ينبغي أن يُعتبر مبدئياً".
  
يقولون ويقول كثيرون آخرون أن هذه الأنواع من مشاكل التعريف والقياس قد تخفي انتشار التراجع الحقيقي. كما قال كامبل ، أستاذ علم النفس بجامعة كنتاكي ، قد يكون التراجع  هو المعيار عند الأطفال المصابين بالتوحد. "أعتقد أن لديك مشاكل تعريفية عملياتية. لديك مشاكل قياس. ويقول إن الظاهرة نفسها صعبة. "قد يكون [التراجع] جزءًا من عملية نمائية طبيعية أكبر. ربما لا تقتصر على  التوحد ؛ ربما يوجد المزيد من الأطفال الذين يتعرضون لفقدان المهارات والتأخر في النمو  واندفاعاته مفاجئة ".
  
"لم أعد أسميه تراجع . أنا فقط أعتبره  أنه بداية التوحد : كيف تبدأ الأعراض". كما تقول سالي اوزونوف

تأثير مصابيح  الشوارع والأشياء الصغيرة: 
أحد التحديات في اكتشاف بداية  التوحد هو ما يسميه العلماء بتأثير مصابيح الشارع وهو ميل الناس للبحث عن أشياء في مكان  يمكننا أن نراها فيها بسهولة ما (أي هو قابل للرؤية تحت المصباح مثلاً على الرغم من أن ما نبحث عنه قد يكمن في مكان آخر ، في الظلام مثلاً ، المزيد من المعلومات عن هذا التآأثير في ١٢)  
  
في حالة التراجع  ، يميل الباحثون والآباء ( الأم والأب أو أحدههما )   إلى التركيز على اللغة ، والتي تظهر عادة ( وأحياناً تتراجع) في السنة الثانية من العمر. لكن عندما يركزون أكثر من اللازم على هذه القدرة ، مع أهميتها ، فقد يتجاهلون أو ينسون المكاسب أو الخسائر التي تتحقق في وقت مبكر في مجالات أقل ملاحظةً ، كالمهارات الحسية والحركية. يقول جوزيف بيفن ، برفسور الطب النفسي بجامعة نورث كارولينا في تشابل هيل: "من المرجح أن معظم التوحد ينطوي على ما نسميه التراجع". لكنه أضاف أنه قد يحدث قبل بدء  الكلام ، وفي مجالات أخرى غير اللغة ، حيث يكون احتمال اكتشافه أقل  و "يصعب كثيرًا تسميته".
  
وثّق بيفن وزملاؤه هذه النقطة العمياء في دراسة أجريت عام ٢٠١٥ (١٣) قاموا بتقييم ٢١٠ من أشقاء الأطفال الذين لديهم  توحد  (الذين يتعرضون لخطر كبير   ليكون لديهم أنفسهم توحد، ١٤)  و ٩٨ طفلاً من عائلات ليس لها تاريخ  توحد. لقداتخذوا عددًا من القياسات  النمائية كل بضعة أشهر ، بدءًا من عمر ٦ أشهر. حتى أنهم استخدموا علامات scores قياسات عدة للأطفال  حين بلوغهم عمر  ٢٤  شهرًا لتصنيفهم. إلى أربع مجموعات: مجموعة منخفضة الخطورة لا تظهرعليها أي علامات على  التوحد ، ومجموعة شديدة الخطورة لا تظهر عليها أي علامات على  التوحد ، ومجموعتين  إضافيتين  عاليتا الخطورة  صنفتا  ك "معتدلة" أو "شديدة" استنادًا إلى عدد سمات التوحد لديهم وشدته.
  
كانت النتيجة الرئيسية للدراسة هي أنه في عمر ٦ أشهر ، أظهر الأطفال الذين من شأنهم أن  يشخصوا  بالتوحد فيروقت لاحق ، خصائص حسية وحركية خفية ولكنها مميزة مرت  مرور الكرام بلا ملاحظة. ظهرت هذه العلامات في المجالات التي لا تقيِّمها اختبارات التوحد العادية ، وقد يفوت هذا  معظم الآباء والأمهات وحتى المهنيين في غياب صعوبات أخرى. مقياس مراقبة التوحد للرضع (AOSI) ، على سبيل المثال - الذي يركز على تحديق العين والتتبع البصري والتقليد والسلوكيات الاجتماعية التواصلية المبكرة الأخرى - لم يكتشف أي اختلافات كبيرة بين المجموعات الأربع عند بلوغهم ٦ أشهر. وعند ١٢ شهرًا ، اكتشف هذا الفحص نفسه سمات التوحد الخفية فقط في المجموعة التي وضعت في النهاية في المجموعة "الشديدة" الخطورة عند ٢٤ شهرًا.


كما يقول الباحثون ، سيكون من السابق لأوانه النظر في هذه العلامات المعترف بها حديثًا كنذر مؤكدة  للتوحد ، لأنها قدتحدث بمعدلات أقل لدى الأطفال النامين طبيعياً أيضًا ، على الرغم من أن الباحثين لم يقيّموا ذلك. لم يكن الهدف من هذه الدراسة استحداث علامات تشخيص. لكنه تشير إلى أن هناك علامات خفية  للتوحد موجودة في وقت مبكر. يقول بيفن: "إن رأيي في هذا الموضوع هو أن التراجع  هو تسمية خاطئة".

وقد وجد باحثون آخرون أن التغيرات الاجتماعية المبكرة يتم التغاضي عنها بسهولة. في دراسة أجريت عام ٢٠١١ ،شاهدت أوزونوف Ozonoff  وزملاؤها فيديوهات منزلية للأطفال الذين لديهم التوحد التراجعي طوال عاميهم الأوليين ،ووضعوا لهم علامات وفقاً لأربعة مهارات اجتماعية ناشئة: النطق ، والنظر في الوجوه ، وتبادل الابتسامات ، والإشارة  كوسيلة لتوجيه انتباه شخص آخر. لاحظ المراجعون الذين شاهدوا هذه السلوكيات علامات التراجع الاجتماعي ما بين  أعمار  ١٢ و ٢٤ شهرًا في جميع الأطفال الذين تم تشخيصهم  بالتوحد في وقت لاحق ، بفترة زمنية طويلة قبل أن يُشخص هؤلاء الأطفال تمامًا بالتوحد وقبل أن يلاحظ أي شخص أي شيء غير مناسب. أولياء الأمور  وفحوصات التوحدالقياسية ، مثل جدول  الملاحظة التشخيصي  للتوحد ، أغفل  هذه المشاكل. في ثلثي الأطفال الذين أظهرت سجلات الفيديو الخاصة بهم شكلاً من أشكال التراجع  الاجتماعي ، لم يلتفت أولياء الأمور  اليه في ذلك الوقت.
  
قد تكون صورة التراجع أكثر تعقيدًا  من خلال بعض الإثباتات التي تحدث عند الأطفال النامين طبيعياً أيضًا. على سبيل المثال ، وجد فريق بقيادة بريغنيل وزميلتها أنجيلا مورغان أن حوالي واحد من كل سبعة أطفال صغار نامين بشكل  طبيعي  في مرحلة ما يتراجعون في مهارات تحديق العينين وكذلك في إبداء مشاعرهم  (١٥) ، مقارنةً بواحد من كل أربعة أطفال لديهم توحد. لكن الفارق الرئيسي هو أن الأطفال الذين لديهم  توحد هم أقل احتمالاً من الأطفال النامين  طبيعياً للتعويض عن تلكم الخسائر في هده المهارات. وجد الباحثون أن ٢٦ بالمائة من الأطفال الصغار النامين طبيعياً  قد يتراجعون أيضًاوفي مجالات أخرى ، كتحديق العين ، أو الاهتمام الاجتماعي ، أو الابتسامة أو حركة الرأس استجابةً للتحفيز/للإثارة الاجتماعي/ة ،مقارنة بـ ٤١ بالمائة من الأطفال الذين لديهم  طيف التوحد. تقول برينغيل Brignell: "  هذه الخسارة ، ليست خاصة باضطراب طيف التوحد".

حتى مع هذه الحلقات loop التراجعية ، عادة ما يكتسب كل من الأطفال الناميين وذوي التوحد  مهارات في جميع هذه المجالات بين سنواتهم الأولى والثانية - على الرغم من أن معظم الأطفال الصغار المصابين بالتوحد يحققون مكاسبهم بشكل أبطأ.

"معظم التوحد ينطوي على الأرجح على ما نسميه بالتراجع ". جوزيف بيفن.

الإدراك المتأخر 
المشكلة الأخيرة  ولكنها المركزية  في الأبحاث المنشورة في التراجع هو اعتمادها الثقيل   على الدراسات الإستعادية Retrospective (للتعريف، راجع ١٦)  –  تلك التي تعتمد على إعادة بناء الأحداث، بدلا من رصدها وهي تقع. في هذه الدراسات يسأل الباحثون  والدي الطفل الذي بالفعل تم تشخيصه بالتوحد  أو تم تقييمه بشأن التوحد أن يتذكرا  تطور  طفلهما،مسلطين  الضوء على أي فقدان ملاحظ للمهارات . إذا كان الوالدان يتذكران  مسار تطور  تعرض فجأة لمشكلة، فقد يعتبره الباحثون بداية توحد تراجعي للطفل.  فقط خلال العقد الماضي أو نحو ذلك استخدمت أوزونوف  وغيرهاالدراسات الإستباقية (للتعريف، راجع ١٦)  أو فيديوهات منزلية للتحقق من تذكر الأم / الأب. أظهرت دراستهم أن  تذكر الوالدين، كمعظم  ذاكرة الناس، يمكن أن تكون  مما لا يمكن الإعتماد  عليه بشكل مذهل. 
  
يميل الناس إلى تذكر  أشياء بشكل خاطيء   بحيث تتناسب مع انطباعهم الحالي  أو معتقداتهم - شكل من أشكال  التحيز التأكيدي.

دراسة نشرت عام ٢٠١١ ، أجرتها باحثة من جامعة كاليفورنيا ،  في سان فرانسيسكو ، فانيسا بال ، هي واحدة من عدة دراسات تُظهر كيف يساعد تأثير  التلسكوب (تعريفه: كلما بعد زمن وقوع  الحدث كلما كان من الأرجح ان يقربه الشخص زمنياً اليه بغية تذكره كما يركز التلسكوب على الأشياء البعيدة ويقربها)  على التصور الخاطئ للتراجع. وجد بال Bal أنه في تلك الحالات التي اكتسب  الأطفال  فيها مهارات ثم فقدوها ، يتذكر الأهل كلاً من ظهور واختفاء تلك المهارات كما كانت تحدث في وقت لاحق  (١٧) - وأقرب إلى الوقت الحاضر - مما أظهرت السجلات عنها.  تلك الأخطاء زادت بما يتناسب  مع طول الفترة الزمنية التي مرت بين الحدث وتذكره. على سبيل المثال ، قد يتذكر والدا الطفل الذي يبلغ من العمر ١٨ شهرًا بدقة ظهور سمة عند بلوغه ال  ١٣ شهرًا. لكن بعد ثلاث سنوات ، قد يضعون هذا الحدث عند  عمر ١٨ أو ٢٠ شهرًا. ربماساعد تأثير التلسكوب هذا في ضبط متوسط ​​عمر التراجع المزعوم في عمر ١٨ إلى ٢٠ شهرًا في معظم الدراسات.
  
تعمل أوزونوف Ozonoff  الآن على ورقة  علمية سمّتها ، طرفة ، "كل شخص يتراجع tongue half in cheek, “Everyone regresses.”".  هدفها لا يعني أن التراجع المتأخر لا يحدث أبدًا ، لكن التركيز المفرط على الانقسام بين التوحد المفترض الفطري  والتراجعي على ما يبدو هو سمكة رنجة حمراء وتشتيت للإنتباه . وتقول إن الطريقة الأفضل هي التفكير بدلاً من العوامل المتعددة التي يمكن أن تولد مجموعة متجانسة من بدايات التوحد. وتقول: "لا أفكر في بداية التوحد كتصنيفين أو أربع تصنيفات ". "لا يوجد الكثير من الأشياء المختلفة ، ولكن هناك شيء واحد مختلف في الحالات المختلفة."

النمو المبكر المفرط في أدمغة الأطفال الذين لديهم توحد يمكن أن يفسر هذا التنوع (١٨) . وجدت دراسة صغيرة أجريت عام ٢٠٠١ أنه في الأطفال المصابين بالتوحد ، يبدو أن الدماغ ينمو بسرعة غير طبيعية  حتى عمر  ٢٤ شهرًا (١٩) في وقت لاحق ، يبدو أن أدمغة هؤلاء الأطفال قد خضعت لتشذيب المشابك العصبية - وهي عملية تشذب الوصلات بين العصبونات - بمعدلات أسرع مقارنةً بالأطفال النامين نمواً طبيعياً.  (وجدت العديد من الدراسات الأخرى أن الأطفال المصابين بالتوحد لديهم الكثير من المشابك العصبية (٢٠) ، ( لا  قليل منها)
  
في عام ٢٠١٥ ، نشرت أنيت كارميلوف سميث ، باحثة الأعصاب المتوفاة ، ورقة تدمج هذه النتائج  ونتائج أخرى في فرضية "تشذيب المشابك العصبية المفرط " ( ٢١)  لبداية التوحد: نمو كبير جدًا في المشابك العصبية ، يتبعه الكثير من تشذيب هذه المشابك العصبية ، ويؤدي إلى ظهور سمات  التوحد.
  
بعد أقل من عامين ، ذكر بيفن أن توقيت النمو المفرط للمشابك العصبية يتزامن مع منتصف العام الثاني من العمر  ، حين تظهر المشاكل الاجتماعية واللغوية في كثير من الأحيان. عندما دقق فريق بيفن عن كثب سلسلة من المسوحات scans    البنيوية التي شملت ١٥ طفلاً مصابًا بالتوحد ، وجدوا نمطًا من النمو المفرط في أدمغة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ٦ أشهر و ١٢ شهرًا (٢٢) حتى في الأطفال الذين لم يظهروا أي سمات من سمات التوحد حتى حوالي ١٨ شهرًا . هذا الاكتشاف يدعم بشكل جيد الفكرة - وهذا أمر أساسي في فرضية التشذيب للمشابك العصبية  المفرط - ينشأ التراجع السلوكي الذي يظهر في السنة الثانية من العمر من عمليات غير نمطية تبدأ في بداية الطلولة المبكرة أو حتى قبل الولادة

اقترحت كارميلوف سميث وآخرون أن التطور غير الطبيعي المستمر يولّد تدريجياً ما يكفي من نشاط دماغي غير عادي ليطغى على العمليات التي تدفع  بالسلوك الطبيعي - بحيث  تفقد الدائرة النامية عادةً ، بعد أن تنتج سلوكًا كالكلام المبكر، القدرة على القيام بذلك. هذه الخسارة المفاجئة على ما يبدو طويلة بالفعل في عملية إنتاجها .

يقول كيفن ميتشل ، باحث  الوراثة التطورية العصبية في كلية ترينيتي في دبلن بأيرلندا ، إن الفكرة "تتناسب تمامًا" مع النظرية الرائدة لتطور الدماغ  الديناميكي. وفقًا لهذه النظرية الديناميكية أو "البنائية العصبية neuroconstructivist" ،التي تم توضيحها بقوة معينة بواسطة كارميلوف - سميث ، فإن النتائج غير النمطية مثل التوحد لا تأتي ببساطة بسبب أخطاء جينية كبيرة أو  أحداث بيئية مميزة (٢٣) ، ولكن من خلال انكشاف شاذ لعمليات النمو العصبي المعقدة. بمرور الوقت ، تكوّن هذه العمليات الاختلافات ، السيئة والجيدة ، التي تميزنا جميعًا ؛ في حالة التوحد ، فإنها قد تكوّن ببساطة اختلافات أكثر بروزاً ومترتبة على ذلك.

إن تنحية  الانقسام الفطري / التراجعي جانباً لكانر من شأنه أن يفتح المجال النظري والتجريبي الغني لاستكشاف هذه النظرية. وقد تقدم المزيد من العائدات الفورية أيضًا. إذا أدرك الأطباء أن التوحد يظهر عادة بشكل تدريجي وليس مفاجئًا ويعرفون اكتشاف العلامات في وقت مبكر ، فستتاح لهم فرصة أكبر لمساعدة الطفل ومواجهة التحديات التي يمكن أن يقدمها  النماء غير العادي. تقول أوزونوف إن أطباء الأطفال ربما يبدأون في قياس المهارات الاجتماعية وربما الحركية عند القيام بزيارات روتينية للطفل - وهو أمر "سيتطلب منا جميعًا ، نحن الآباء والمزودين للخدمة ، التفكير في كيف ينشأ التوحد بطريقة مختلفة جذريًا." وأشارت إلى أن النظرة المتعددة الجوانب لنمو الدماغ قد لا تكون أكثر فائدة فحسب ، بل من المحتمل أيضًا أن تكون صحيحة.


مصادر من داخل وخارج النص
  
  
  
  
  
١٦-دراسة استباقية Prospective:  تراقب الدراسة الاستباقية  النتائج ، مثل تطور المرض ، خلال فترة الدراسة وتربط تلك النتائج  بعوامل أخرى كعوامل الخطر المشتبه بها أو عوامل الوقاية . تتضمن الدراسة عادة أخذ مجموعة من الأشخاص ومراقبتهم على مدى فترة طويلة. 
دراسة بأثر إستعادية Retrospective:  تتطلع الدراسة بأثر رجعي إلى الوراء وتفحص التعرضات لعوامل الخطر المشتبه بها أو الوقاية فيما يتعلق بمخرجات  مثبتة في بداية الدراسة. ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان : https://www.statsdirect.com/help/basics/prospective.htm
  
المصدر الرئيس
https://www.spectrumnews.org/features/deep-dive/rethinking-regression-autism/

للمواضيع المترجمة السابقة يرجى زيارة المدونة على هذا العنوان؛
 http://www.adnanalhajji.sa
   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق